أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ















المزيد.....

إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 26 - 03:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من الآيات التي توقفت كثيرا في تدبر معانيها بالرغم من قرأتي لعشرات التفسيرات المختلفة زمانا ومكانا ومذهبا، والتي تجمع على أن كلمة كنود التي وردت في سورة العاديات (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) تعني ناكر الجميل أو الجاحد نعم الله أو المتبرم الذي لا يذكر الخير ويقدم الشر، فمثلا ما ورد المعنى في معجم المعاني الجامع (صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من كنَدَ: من يَعُدُّ المصائبَ وينسى النِّعمَ فيلومُ ربَّه: شديد الجحود لنعم الله، كفور بها)، بالرغم من أن تعريفه هذا جاء من التفسير اللاحق على وجود الكلمة، أما أصلها وجذرها اللغوي هو (كَنُود: فاعل من كنَدَ، وكَنُود: اسم المفعول من كنَدَ، وأصل كَنُود من الفعل كَنَدَ، وكَنَدَ الشيءَ: قطَعَه)، فمثلا ورد في لغة العرب أرض مكنودة أو الكَنُودُ: الأرضُ لا تُنْبتُ شَيئًا)، وهذا المعنى متوافق مه المعنى السابق بالقطع فهي أرض مقطوعة من الأنتاج والإنبات، كذلك يقال رجل كَنُود رحمه أي قاطع الرحم والصلة، ومثله يطلق على الشخص (العاصي أو البخيل) الذي قًطَعَ خيره.
لو سلمنا بالمعنى المتداول والذي سطره الشراح والمفسرون والذي يعني كما ورد عنهم أن الإنسان لكنود أي جاحد لربه لا يشكر النعم، فهذا يتعارض أولا من كون التعميم المطلق بدون أستثناء لا يمكن التسليم به وفق النسق الذي ورد في بنائيات الصورة التي وضعها القرآن للإنسان، بمعنى أن هذا الإطلاق لا يستثني أحد من الناس بما فيهم الرسل والأنبياء والصالحون (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) ١٤٤ آل عمران، فهناك إذا شاكرين من بني الإنسان (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ٢٦ الأنفال (كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) ٥٨ الأعراف، فالله تعالى أو النص لم يقطع بكون الإنسان لا يشكر ربه وإن كان الكثير منهم لا يشكرون (وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) ١٧ الأعراف، النص وقف موقفا جازما بأن الله تعالى عندما يمنح الرحمة والعطاء لا ينتظر ولا ينتفع الشكر من أحد (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) ١٤٧ النساء، الخلاصة الشكر من العباد لله هو منفعة شخصية لهم (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) ٤٠ النمل.
هذا من جهة من جهة أخرى أن لا ترابط قيمي ولا معنوي بين هذه الآية والآية اللاحقة لها أو مع نسق الجزء الثاني من السورة عموما، النص اللاحق لهذه الآية يشير لحقيقة أخرى قد تكون مخالفة تماما لها (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ)، فأما أن تكون هذه الآية لا معنى لها ومحشورة في السياق وهذا ما لا يمكن القبول له، أو أن معنى كنود ليس كما ورد في التفسيرات المتشابهة، هنا ضمير الغائب الهاء في (وَإِنَّهُ) يحتمل أن يعود إلى (ربه) أو إلى الإنسان، فإن كان الأحتمال الأول فيكون أن ربه يشهد على ذلك وهو ما نفته الآيات التي تؤكد وجود الشاكرين، أو على الأقل نفي النفي وإن كان هناك نص يقول (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)١٣ سبإ .
إذا يكون الأحتمال الثاني هو المعول به بمعنى أن الإنسان يشهد على نفسه بأنه كنود، وبالبحث عن دليل لذلك في النصوص لا نجد ما يشير إلى هذا المعنى أو قريبا منه، بل نجد أن الإنسان عموما تشهد عليه نفسه أو يشهد على غيره، أما المؤمنون والذين لا تتكلم عنهم الآية هم من يشهد على نفسه (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ٣٧ ق، فإذا تمسكنا بالحالتين لا نجد معنى لها أن الإنسان يشهد على نفسه أو ربه يشهد بأنه كنود، عليه فلا بد أن يكون معنى الكنود هنا ليس كما ورد في تلكم التفسيرات خاصة مع ورود الآية اللاحقة التي قد توضح معنى الآيتين معا، هذه الآية تجلي بوضوح المعنى وإن كانت أيضا متعلقة بعودة ضمير الغائب كما في الآية السابقة (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ).
أيضا إن كان الضمير يعود للإنسان فهو يناقض التفسير المتداول من عدة جوانب، فحب الخير موقف إيجابي إذا من الإنسان وأول الخير هو شكر الله على النعمة والرحمة والعطاء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) ١٧٢ البقرة، ومع ذلك فليس كل الناس شاكرين بمعنى أن ليس كل الناس يحبون الخير كقاعدة عامة (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ٦١ البقرة، هذا يقودنا إلى نفي الإطلاق الوارد في الآية على أن الإنسان يحب الخير حبا شديدا، وهنا لا بد أن نعود للأحتمال الثاني أن الله أو ربه هو من يحب الخير حبا شديدا، وإن كان الله فعلا يحب الخير لكل خلقه ولكن لا يستقيم المعنى هذا مع سياق الآيات الثلاث المتسلسلة في السورة والتي من المفترض أن تشكل وحدة معنوية تتحدث عن قضية محددة بإطارها الخاص.
إذا كل ذلك يقودنا بالنهاية إلى أن ما أورده المفسرون وشراح الآيات والنصوص أعتمادا على روايات تأريخية أو مجرد طرح تصور بأن الكنود هو الجاحد الناكر المتبرم، لا تستقيم بهذا المعنى وعلينا البحث عن المعنى القصدي الحقيقي لكلمة كنود حتى نفهم الآية والسورة على المقاصد الأصلية للنص، نعود للمعاني التي وردت في قواميس اللغة ونذهب إلى الأرجح منها وهو القطع أو عدم القدرة على إتيان الخير، نجد أن نص (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) يشير إلى أن الإنسان مطلقا أما مقطوع لربه كما في قوله (إنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وكذلك النص (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) السجدة 4، فالإنسان إلى ربه مقطوع ومنقطع وإن أنكر أو كذب، وهذا ما يفسر معنى الآية التالية (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ) بقول الإنسان (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) الأنعام 130.
هذا الفهم والتفسير أيضا يتسق ويتوافق مع الآية الثالثة التي تتحدث عن حب الخير، فالنص هنا يقول برغم أن الإنسان مقاطع أو يقطع وينقطع لله ويشهد بذلك، إلا أنه يحب الخير حبا شديدا إذا ما فهمنا أن الخير يعني عنده وسائل الماعة وطرق الوصول للذة الحسية البشرية (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)٢٠ الفجر، فالمال إحدى أهم الخيرات التي يسعى لها الإنسان بأعتباره كائن متملك ويحب قيمة ما يملك خاصة إذا كان هذا الشيء يمكنه أن يوفر له الكثير مما يظن أنه بمعنى الخير، بهذه النتيجة نصل إلى الإستدلال التام على معنى كنود إذا ما ربطنا تفسيرنا هذا وتدبير المعاني بأخر آيتين وردتا في السورة وهما (أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ* وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)، هنالك يكتشف الإنسان قيمة ما كند به والنتيجة التي يستحقها نتيجة هذا القطع وعدم أستثمارها بالنتيجة التي عليه أن يتوقعها، هذا الكلام ليس فقط منطق عقلي ولكن تأكيدا على حتميته يقول النص في ختام السورة (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ).
هذه الخبرة والعلم والمعرفة بعلاقة الإنسان بربه ليست وليدة تجربة ولا هي نتيجة وجود العلاقة فقط، بل لأن الله عندما خلق الإنسان يعلم تماما كيفيته وتكوينه وقدرته على أن يستجيب أو يمتنع عن نداءه، لذلك قال (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)١٦ ق، من هذا فإطلاق مفهوم كنود على كل الإنسان بدون أستثناء لا يتعارض مطلقا مع أن هناك من الإنسان من لا يؤمن بأنه مقطوع لله حتى لو أعلن أو صرح أو حتى كذب بوجود هذا الإنقطاع (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) ٥٦ الزمر، فهذه الحقيقة لا يدركها البشر قبل بعثرة القبور حتما ولا تحصيل ما في الصدور وإن كان ذلك ممكنا لمن منحه الله عقلا وقلبا سالمين أو صدق بما أمن به من حكم الله (قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا)٣١ الأنعام.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنقلاب
- كناب مرقوم
- بقايا رجل كان حبيبا
- لكم دينكم ولي دين
- قيامة الرماد
- أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
- خبز أمي
- ليس بالخبز والعسل.. يحيا الإنسان
- إن شأنئك هو الأبتر
- قتل أصحاب الأخدود
- واقع جديد
- حوار مهزوم
- الرحيل
- الصمت الجليل
- حب في الربع الخالي
- أرقد بهدوء .... أيها الزمن
- رواية (ماركس العراقي) ح 28 والأخيرة
- تساؤلات كافر جديد
- فلسفة عشق
- حجارة الطريق


المزيد.....




- أغنيات وأناشيد وبرامج ترفيهية.. تردد قناة طيور الجنة.. طفولة ...
- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ