أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ















المزيد.....

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6851 - 2021 / 3 / 27 - 01:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من وضائف الدين بحسب الآية أعلاه التذكير والتنبيه على أن الوجود الشمولي لكل الكائنات هو محض قانون لا يقبل التحريف ولا التعديل ولا الأستثناء، إلا في حدود ما هو من أختصاص صانع هذا القانون ومنشئه بالطريقة التي يعتمدها النص، هذه الوظيفة بكامل إطلاقها إرشادية تتعلق بالخيار كما تتعلق بفهم المخاطب، ليس لأهمية الدين بذاته، بل لأهمية الإرشاد لوجوده الخاص والعام الكلي والجزئي، سيقول البعض إذا كان الدين كذلك فلماذا فرض الله الإيمان به وعد المخالف لهذا الإيمان ما يعتبره كفر وجزاءه العذاب وجهنم ووو؟ وإذا كان الدين إرشاديا محضا فلماذا الإصرار الدائم من الديان على إرسال الرسل والأنبياء ليتولوا بسطه ونشره مرة بالتبليغ وأحيانا بالقوة؟ السؤال الأخير من يضمن أن ما يعتبره الدين إرشادا هو واقع النظام الشمولي طالما هناك أمور غيبية وأخرى غير مدركة وقد تكون خارج أهتمامات الإنسان وإشكالياته المتراكمة التي لم ينجح الدين في حلها أو التخفيف من أثارها برغم التاريخ الطويل للأديان مع الإنسان؟.
في هذا البحث لا نريد أن نكون دعاة للتدين ولا ناطقا باسم الدين بقدر ما نؤمن أن أي قضية تشكل أو شكلت نوعا من الإشكالية أو التساؤلات في حياة الإنسان لا بد أن توضع موضع الدراسة، مهما كان نوع الإشكالية أو التساؤلات، كما لا يخفى على الجميع أن الدين واحدة من العلامات الفارقة والقضية التي شغلت الإنسان من فجر وجوده، ومع كل ما كتب وبحث ودرس الدين بالضد أو معه يبقى الباب مواربا على المزيد من الدراسة والبحث، حتى الأصوات التي حاولت أن تضع الدين في ركن التأجيل أو في زاوية الإهمال كان موضوعه وعلاقاته وتأثيراته جزء من حراكهم الفكري والعقلي، المشكلة التي لم ولن نجد لها حلا هي مشكلة التطرف في الأنحياز اللا جاد واللا واعي للموقف من الدين.
في تأريخ الأديان والتدين وعلاقة الإنسان بها كان الإنسان نفسه في أزمة محورية لا يريد أن يجعل من الدين كل وعائه، ولا يقبل أن يمنع من ظاهرة التدين والأرتباط به على النحو الذي يشكل معه وسيلة وحل وموقف عقلاني، لذا كان الشغل الأهم لديه هو أن يتخذ موقفا ضبابيا من الدين يرضي به ما يعتبره مشرع الدين بذات الوقت يبحث أن أي حلول أو توافقات ولو كانت ظنية ليشعر بحريته دون أن يتقيد تماما بما في الدين من حدود وألتزامات، هذا الموقف وإن كان برأينا الشخصي هو ن عمق الإشكالية وزاد من حيرة الإنسان وتخبطه، ساهم وجود مصالح أنانية وتسخيرات منفعية من هذا الدين ومن خلال طبقة الكهان ورجال المعبد وطريق السلطة أن ضاعف من التشويش والتيه البشري في فهم أس المعادلة والتعامل معها على أساس المفترض والمطلوب بالأقل في الحد الأدنى المنجي من التبعات.
نعود إلى مبحثنا فقد ورد هذا النص كجزء من سورة الغاشية وفي معرض المحاججة العقلية للإنسان التي ركزت السورة في المفردات الفكرية الواردة فيها على مسألتين، الأولى فيما يتعلق بالحدث الأكبر والأعظم في فكرة الدين (الحساب الختامي) وهي نتائج أمتثال الإنسان للإرشادات التي جاء بها الدين، وتبدأ هذه الفكرة بسؤال عما إذا كان الإنسان لديه تصور عنها (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، فيما تستمر السورة بتوضيح مفردات الحديث بشقيه الخاسر والرابح، أما المسألة الثانية وبعد الأنتهاء من بيان جزء من هذا الحساب، تعود لتذكر الإنسان بتفاصيل وجوده وأرتباطها بقدرة الخالق على أن يكون هذا النظام الذي يرشد الإنسان إلى أحترامه، ليس نظاما كيفيا صدفويا أو ليس له معنى أو قانون، ويبدأ الحديث بنص تساؤلي أخر وإن أختلف في الهدف عن التساؤل الأول (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)، ويستمر النص في طرح مثل هذه التساؤلات حتى يصل للمضمون الذي نحن في صدده.
طريقة تقديم الفكرة التي وردت في نص (البحث) هي جزء من منهج القرأن وأسلوبية الحوار مع المؤمن والغير مؤمن به، فهو يستعرض وجهين مثيرا أسئلة عقلية لو تم الإنشغال بها بكل جدية وألتزام تصل بالإنسان إلى أجوبة منطقية وعقلية بغض النظر عما إذا كانت تلامس الحقيقة أو تقترب منها، ولكنها حوارات عقلية مبنية على قاعدة (وأدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، هنا الناص الديني والنص لا يفرض مقدمات ويبني عليها الفكرة، ولكنه يضع الإنسان أمام الوجود الكلي وأمام وجوده ليختبر نفسه عقليا ومن ثم يبحث عن أجوبة، لذا جاءت العبارة (فَذَكِّرْ) ما نسي الإنسان أو تنساه في رحلة الحياة وهو يعلم أن الوجود كله محكوم بشيء كلي ومطلق، فالتذكير هو لب التنبيه الذي يخرج الإنسان من حيرته ومن تناسيه المستمر على أنه بحاجة لكي يفهم حتى يمكنه السير بأمان في هذا العالم.
مختصر كل فلسفة الدين يرتكز على دور التذكير في حياة الإنسان وهو ما يجب أن يدرك ويفرق به عن الوسائل والأليات والمناهج التي تؤمن وظيفة المرشد، وجوابا على التساؤل الأول الذي طرحناه في المقدمة عن أهمية الفرض الرباني لهذا الإرشاد، أن الإرشاد الخالي من الحوافز ومن المنبهات العقلية السلوكية التي تثيرها عوامل الرغبة والخوف هي منهج عملي ولكن ليست أصل الدين وجوهره، عوامل الرغبة كثيره من الوعد بالجنة والفوز بالأخرة ورضا الله وشكره للمؤمنين، هذه أليات توصيل الإرشاد بعوامل نفسية وحسية يتعامل معها الإنسان من باب الأثر والمؤثر، وكذلك عوامل الرهبة والخوف والتخويف والعذاب والجيم تستثمر بنفس الأتجاه السيكولوجي، وأيضا هي ليست أصلا من منظومة وجوهر الرشدية التي يسعى لها الدين، الإنسان بطبيعته الحيوانية والبشرية كائن متأثر سريع الإحساس بما يستفزه وبما يسترغبه، لذلك كانت الآليات والمناهج لا بد لها أن تتماهى مع هذا العنصر النفسي لتصل للهدف (الإرشاد) المراد من خلال ألية التذكير الضخمة التي بها وبوحدها وإن كان العقل هنا مترجم يعكس للنفس قيمة الإحساس بالنتائج، ولكن تبقى النفس هي المصدر التي يجب أن تستشعر أولا بمعطيات التذكير.
أجزم أن الدين يتوقف في هذه النقطة ويترك الإنسان بعدها ليكون حرا في أن يتخذ أي موقف هو مسئول ولديه فيه قناعة، ليس من الدين بشيء كمنهج سلوكي في الحياة غير أن يمارس التذكير دائما ولا يترك الإنسان يغفل عن إدراك الحقائق الوجوديه، لذا فالنص لا يلزم الدين أو صاحب الدين أن يكون مسيطرا أو خارج حدود التذكير، هنا أرتبطت الآيتان التي تشرحا تماما غائية صاحب الدين أو المبشر به بكل وضوح (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)، هذا النص هو خارطة الطريق الأساسي للدين ولصاحب لدين والمبشر به، أما خارج هاتين الحقيقتين فكلها أجتهادات فردية أو بأفضل الأحوال تدابير بشرية يراد منها جر الدين ليكون في وجه الإنسان مصيطر ومشكل دائم يعبث بقيمة الدين ويضيعه.
يبقى أمامنا جواب السؤال الأخير الذي أثير في المقدمة وهو (من يضمن لنا أن طريق الإرشاد الذي نعبر عنه بالدين هو الخيار الحقيقي والمناسب للوجود والصحيح في سلم الاهتمامات؟)، الحقيقة التي يجب أن تطرح هي هل بإمكان الإنسان ومن خلال جهده العقلي والمنطقي أن يثبت أو يستحدث نظاما كونيا مختلفا أو مغايرا لما هو موجود في نظرية التبشير والتنبيه والإرشاد الرباني؟ لو تم فعلا أن أوجد الإنسان ملامح وخطوط عامة لهذا المشروع فيكون من حقه التشكيك وحتى الرفض، أما أنه يكتشف يوما بعد يوم ومن خلال آليات العلم والمعرفة أن هذا النظام مثالي ومتكامل ولا يمكن حتى التفكير بما يخالفه، يعني أننا أمام حالة تسليم منطقيا لا تسليم إنقيادي عاجز ومتعجز في أن يفهم كينونة هذا السر، ولا يستدل على جوهره بالطريق العقلي الذي يدعو له الدين من خلال المقارنتين المذكورتين في مقدمة السورة أو في جزئها الأول كما ذكرنا.
إذا حتى يجد الإنسان بديلا حقيقيا وجادا وعقلاني وممكن عليه أن يتبع الإرشاد والتنبيه من خلال الحد الأدنى على الأقل مما هو مطروح ومعلن، أما التكذيب والإهمال وأختلاق الأعذار والحجج والتبريرات التي لا تصمد أمام الواقع الوجودي، فكلها أساليب عبثية لا نتيجة من ورائها سوى الخسران وضياع الفرصة، لذا ركز الدين على ما يريده من هدفيه وإلا ستكون النتيجة هما الآيتان الأخيرتان من السورة جزاء ونتيجة (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم)، فالدين هنا ليس مسئولا عن الحساب بقدر ما يشرح للإنسان ذلك كجزء من عملية التذكير والإرشاد، كما أن الدين ليس من وظيفته أن يجعل الإنسان أمام إشكاليات جديدة تتعلق تعيق وتعمق من أزمة الرحلة التي لا تنتهي بمجرد أن يغادر وعيه الحي، الدين إذا مصدر وعي ومصدر أصلي لتشكيل هذا الوعي، ولكن أيضا ليس بديلا كاملا وتاما عن وعي الذات ووعي الوجود ووعي الإنسان كائن معرفي عليه أن يكون متدبرا لا متذمرا ممن يذكره أن وجوده متعلق بأسباب وعلل وموازين وغايات بعيدة ومتعلقة بأرتبطاها بكل النظام الوجودي الشمولي الكامل والتام والمطلق.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
- إنقلاب
- كناب مرقوم
- بقايا رجل كان حبيبا
- لكم دينكم ولي دين
- قيامة الرماد
- أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
- خبز أمي
- ليس بالخبز والعسل.. يحيا الإنسان
- إن شأنئك هو الأبتر
- قتل أصحاب الأخدود
- واقع جديد
- حوار مهزوم
- الرحيل
- الصمت الجليل
- حب في الربع الخالي
- أرقد بهدوء .... أيها الزمن
- رواية (ماركس العراقي) ح 28 والأخيرة
- تساؤلات كافر جديد
- فلسفة عشق


المزيد.....




- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- إيهود أولمرت: عملية رفح لن تخدم هدف استعادة الأسرى وستؤدي لن ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة 2024 بأعلى ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل المنتخب الوطني لكرة قدم الصالات ...
- “نزلها لطفلك” تردد قناة طيور بيبي الجديد Toyor Baby بأعلى جو ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مصر.. هيئة البث الإسرائيلية تكشف اسم رجل الأعمال اليهودي الم ...
- كهنة مؤيدون لحق اللجوء يصفون حزب الاتحاد المسيحي بأنه -غير م ...
- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ