أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - عن ذبح -غير الأبرياء-














المزيد.....

عن ذبح -غير الأبرياء-


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6855 - 2021 / 3 / 31 - 15:33
المحور: الادب والفن
    


"أنا ضد ذبح الأبرياء"، عبارة نسمعها كثيراً اليوم من مسلمين كبار يودون أن يبعدوا أنفسهم عن همجية أتقنت "داعش" إدخالها إلى القرن الواحد والعشرين بفحش لا مثيل له. غير أن هذه العبارة ذاتها تحافظ على صلة لا تنقطع مع الهمجية التي تريد أن تبتعد عنها. أنت ضد ذبح الأبرياء، جيد، ولكن ماذا لو ذُبح غير الأبرياء؟ ومن هم غير الأبرياء في نظرك؟ هل هم الكافرون؟ وهل من كفر يصل إلى مستوى كفر جلاد يذبح "كافراً" بسكين؟ أليس على من يكرر هذه العبارة "غير البريئة" أن يحدد لنا من هم غير الأبرياء؟ هل هم من يحملون السلاح مثلاً؟ ولكن ألا يحمل السلاح أيضاً من يذبح هؤلاء "غير الأبرياء"؟ أم أن الفكرة أو المبدأ الذي دفع هذا الجلاد إلى حمل السلاح أرفع وأكثر حقاً من المبدأ الذي دفع ضحيته إلى ذلك؟ ألا تفتح عبارة "أنا ضد ذبح الأبرياء" طريقاً سالكاً للذبح، ذبح من يجده الجلادون "غير بريء"؟
البراءة في لغتنا السياسية غير بريئة. كل براءة مستمدة من مرجع غير إنساني عام هي براءة غير بريئة، وكل مرجع يمنح البراءة للناس ويرميهم بالخطيئة بصفته مركز الحق ومصدره إنما هو مرجع باطل ومضخة دائمة للكراهيات والعنصريات وتخريب الأرواح. لا تستعيد البراءة في اللغة السياسية براءتها حتى يتحرر الناس من وهم الحق المطلق الذي يلقي ظلال الباطل على ما عداه، أكان "حقاً" سياسياً أو دينياً.
فعل الذبح هو من الفظاعة والقسوة بمكان يجعل كل من يذهب ضحيته بريئاً كائناً من يكون. لا يمكن أن لا يشعر المرء بالصدمة لمجرد سماع كلمة "الذبح"، لا يمكن أن لا يتحسس المرء رقبته أمام صورة الذبح، وأن لا يشعر بتوحد إنساني مع الضحية وهي تستسلم لهذا القتل البارد الرهيب. هذا يجعل من "جريمة" الضحية (إن كان ثمة جريمة أصلاً) فعلاً ثانوياً أمام جريمة الذبح الذي تتعرض له. وهذا يرفع سقف الجرائم إلى حدود تسمح بتمرير جرائم كثيرة، مضت أو ستأتي.
لا تقتصر جريمة الذبح وقطع الرؤوس على الإسلاميين، فقد مورس هذا الفعل الشنيع على يد كثير من الشعوب. غير أن ميزة الذبح عند الإسلاميين أن من يمارسه من متطرفيهم إنما يعتبرونه اقتداء بالرسول محمد الذي قال للقرشيين حين بالغوا في الإساءة إليه، كما تذكر كتب الحديث، "لقد جئتكم بالذبح". على هذا، ليس الذبح، في ذهن الجماعة الإسلامية التي تمارسه، فعلاً وحشياً انتقامياً منفلتاً من ضوابط العقل والأخلاق، بل هو فعل اقتدائي وتقرّب من "الإنسان الكامل" الذي يمثله في تصوراتهم الرسول محمد. وهذا فارق مهم يشبه الفارق بين القمع العاري الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية، وبين القمع الذي تمارسه الأنظمة الفاشية التي تنظر إلى ذاتها وتقنع جمهورها بأنها تمارس القمع والتصفيات لإنفاذ رسالة تحملها. القمع الديكتاتوري يتعارض مع أخلاق الجمهور غير أن الجمهور يسكت ويرضى بفعل الخوف أو بفعل قناعة سياسية ما، أما القمع الفاشي فإنه يجد لنفسه مبرراً وقبولاً أخلاقياً في وعي وضمير جمهوره وهنا تكمن خطورته وصعوبة التحرر منه. وكذا حال الذبح "الإسلامي" الذي يغدو، بعد أن يؤسس لنفسه في الحديث والسيرة النبوية، ضرباً من ضروب السنة. لذلك يخشى "المسلم" أن يعارض فعل الذبح عامة كي لا يقع في خانة من يعارض السنة، فهو يدين بعبارة عامة لا تعني شيئاً مثل عبارة "أنا ضد ذبح الأبرياء". وبالتالي يصعب تصور نبذ مثل هذه الأفعال إسلامياً، فالدائرة الإسلامية تحتفظ لمن يشاء "بفتوى" جاهزة ودائمة تعلي من شأن الذبح كطريقة لقتل "الكفار"، وتزود من يشاء بأحاديث تزين له أفعاله الشنيعة على أنها "تقوى".
يجتهد كتاب مسلمون كثر في تحرير وعي وضمير المسلمين من تأثير "حديث الذبح" هذا، مستجيرين بالمعاني المجازية لفعل "الذبح"، مفترضين أن الرسول كان يقصد فيه معنى مجازياً. غير أن جدوى مثل هذه المحاولات قليلة، ذلك لأن كتب السيرة تتوافق على رواية أفعال ذبح لا تقبل المجاز قام بها أنصار الرسول تحت قيادته. والإسلاميون غير غافلين عن هذه الوقائع، لا بل هم لا يرون من أفعال الرسول سواها يقتدون بها ويردون إليها دون غيرها سر انتصار "المبعوث بالسيف رحمة للعالمين".
العبارات العائمة والحذرة التي تصدر عن شخصيات مسلمة في إدانة جرائم الذبح إنما هي وقود لأهل الذبح طالما أنها تترك باباً مهما كان صغيراً لقبول هذا الفعل المشين. فحين تشرّع ذبح أي شخص بدعوى أنه "غير برئ"، مهما كانت جريمته، إنما أنت تشرع الذبح عموماً. في الأمر ما يزيد الاقتناع مجدداً بضرورة شق طريق تحرري بعيداً عن الإسلاميين وعلى الضد منهم.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في القسوة
- عن استمرار الثورة السورية وحواجز الخوف
- قناع السلطة
- قناعات سورية مستترة
- أرض الظنون الشائكة
- بلا أسماء
- تونس، الانتقال الديموقراطي في خطر؟
- مهجع الصور
- عقد على اندلاع الثورة السورية، ماذا نستفيد؟
- كلام لا يقي من البرد
- سجين حاقد يقلع عين الرئيس
- التحالفات الديموقراطية السورية، سطور في رمال
- إلى روح علي البدري (ممدوح عبد العليم)
- كان يجب أن أُسجن قبل أبنائي
- قمران في ليل عنيد
- يا حيوان ليش ما قلت انك -مو منهم-؟
- سجين سياسي سابق
- بين القمع والسرية
- إشكالية الصراع من خارج الدولة
- تصويت مبكر على -الانتخابات- الرئاسية في سورية


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - عن ذبح -غير الأبرياء-