أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - قناع السلطة














المزيد.....

قناع السلطة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6851 - 2021 / 3 / 27 - 13:54
المحور: الادب والفن
    


حين يبتسم لك هنا عابر سبيل ما أن تلتقي عيناك بعينيه، يلحّ عليك السؤال الذي ينام ويصحو في ذهنك منذ زمن بعيد، السؤال الذي نشأ في مكان صار بعيداً أيضاً، إذن ما سر قناع السلطة المنتشر في تلك المدينة؟
في مساء، ككل مساء هناك، سيطر هواء مختلف في المكان، ظهر ذلك في انكسار العيون وفي ابتسامات الخوف وإشارات التملق، وفي خفوت الضجيج واضطراب حركة النادلين. حدث ذلك حين وقف في باب المقهى رجل خمسيني، راح ينظر في الوجوه بعيون فاترة وفم مسترخ. لا تدل هيئته على حال مميزة، جسم نحيل مائل إلى القصر، شعر خفيف سائب، وجه مهمل وغير حليق، كرش رخو، لباس متهدل وقليل النظافة. لا يلفت نظرك في شيء لولا ذلك الاستخفاف اللامحدود في عينيه.
لحظات ثقيلة، ثم على غير توقع من النفوس العاجزة، استدار الرجل ومشى مبتعداً دون أن تفتر نظرة الازدراء في عينيه. كأنه اكتفى بما رآه من انكسار في العيون، فاطمأن إلى سطوته ومضى.
تتناسب كثافة سلطة ذاك الحضور مع كثافة عجز الحاضرين. هذه علاقة أخذت وقتها، بلا شك، قبل أن تترسخ على هذا النحو المريض. سلطة فائضة لا ترتوي، تبحث عن موضوعها. سلطة مطمئنة إلى تفوقها ولا تحتاج إلى أي مكملات أو ديكورات. إرادة تامة للتعدي مقابل انعدام تام لإرادة المقاومة.
هذه السلطة الكثيفة المشبعة لا تحتاج إلى اكسسوارات أو مظاهر، لكنها باتت مظهراً يتوسله من لا سلطة فعلية له، يتوسله من يريد أن يوهم غيره بأنه أحد امتدادت السلطة ومنافذها العديدة والوافرة في المدينة. في الشوارع، في المحلات، على الشواطئ، على المزارات، في المدارس وفي الجامعات .. لكي تحاول الهرب من أن تكون موضوعاً لسلطة غير مقيدة، جرّب أن توحي للآخرين أنك ذو سلطة، وقادر على إيذائهم، جرب أن تضع على وجهك تعبير الاستهانة بالآخرين، فقد يفوز بالهيبة من يجيد تلك النظرة الجاهزة بالطبع للتحول إلى نقيضها حين تواجه استهانة أعلى. "لا تركع الاستهانة إلا لاستهانة أشد منها".
صغار التسلطيين، والمحرومون من تسلط يطمحون إليه، والخائفون من الوقوع ضحية تسلط الآخرين، الجميع يحاول أن يتقمص الرجل الخمسيني الذي غير هواء المكان بمجرد وقوفه للحظات في باب المقهى.
في الأماكن العامة، وأمام الناس المغفلين، وحيث يمكن الاطمئنان إلى أن أحداً من "الأقوياء" غير موجود، يمكن للمساكين أن يضعوا قناع السلطة، وأن يحاولوا إيهام الآخرين أنهم ليسوا مساكين مثلهم، ليسوا عاديين، وإن وراء نظرتهم تلك مسارب فعلية تفضي إلى مكامن السلطة.
استسلام المدينة جعل الناس ينقسمون إلى أصحاب سلطة ومواضيع سلطة. السلطة التي غدت تعني القدرة على التعدي. خرجت السلطة هناك من مساراتها المحددة وانداحت وأفسدت ما عداها من مسارات حياة المدينة.
حين تلتقي عيناك صدفة بعينين لا تعرفهما وأنت في سوق أو مكان عام، قد تتعرض في الحال للنظرة المستخفة إياها، تقول لك بلغة متعالية غير محكية: من أنت! جملة صامتة قصيرة تضمر طائفة كاملة من الجمل التي كثرت في لغة المدينة، والتي تحاول ترجمة التعالي لغوياً. طائفة من الجمل التي تنطوي على معنى واحد هو التهديد بالأذى.
كنوع من الدفاع عن النفس، يتقمص الأفراد شخصية المعتدي حين يغيب. في هذا تعبير صريح عن الاستسلام له والإعجاب به. إذا كان أهل المدينة عاجزين عن صد المعتدي الذي يستند إلى سلطة لا يستطيعون ردها، ألم يكن ممكناً سلوك السبيل الذي يجعل من المعتدي محاصراً بجو من احتقار الاعتداء؟ ألم يكن ممكناً محاصرة نظرة التسلط بالابتسام وسماحة الوجه بدلاً من تقليدها والاجتهاد في خداع الآخرين بها؟
شكّل قناع السلطة، إلى حد ما، بديلاً عن المسدس الذي كان يوضع ظاهراً على الخصر لكي يعلن بصمت عن هوية صاحبة، ما يجعل الآخرين "يلزمون حدودهم" معه، ويتيح له "تجاوز حدوده" معهم. الفارق أن أصحاب المسدسات متضامنون ويميزهم عن "الآخرين" حد واضح، فيما أصحاب قناع السلطة متعادون ولا يوجد حد يميز بينهم، كلهم مساكين ومواضيع للسلطة الفعلية. أصحاب المسدسات يحمون السلطة في وجه المجتمع، فيما يعمل أصحاب قناع السلطة على تفتيت المجتمع.
قناع السلطة يستمد استمراريته من قوة السلطة غير المقنعة في المجتمع، كما يستمد التقليد قوته من صلابة الاصل. وتستمد السلطة الفعلية غير المقنعة استمرارية جديدة من شيوع قناع السلطة. علاقة تعايش ظالمة بين طرفين غير متعادلين، أصحاب قناع السلطة المفتعلة يحمون صاحب السلطة الفعلية الذي لا يكذب حين يفتك بهم.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قناعات سورية مستترة
- أرض الظنون الشائكة
- بلا أسماء
- تونس، الانتقال الديموقراطي في خطر؟
- مهجع الصور
- عقد على اندلاع الثورة السورية، ماذا نستفيد؟
- كلام لا يقي من البرد
- سجين حاقد يقلع عين الرئيس
- التحالفات الديموقراطية السورية، سطور في رمال
- إلى روح علي البدري (ممدوح عبد العليم)
- كان يجب أن أُسجن قبل أبنائي
- قمران في ليل عنيد
- يا حيوان ليش ما قلت انك -مو منهم-؟
- سجين سياسي سابق
- بين القمع والسرية
- إشكالية الصراع من خارج الدولة
- تصويت مبكر على -الانتخابات- الرئاسية في سورية
- المقاومة مذهبية والمهمة وطنية؟
- حقيقة ينبغي على نظام الأسد إدراكها
- نظام حرب على المجتمع


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - قناع السلطة