أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد المجيد - مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الرابع















المزيد.....

مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الرابع


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 6833 - 2021 / 3 / 6 - 14:26
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


قراءة الأجزاء الثلاثة الأولى شرطٌ لفهم الجزء الرابع!

تعرفت في موقع الانتظار على ثلاثة شبان، رغم أن مليارات المنتظرين هنا شباب في عُمْر واحد، والثلاثة كانوا أفارقة سُمْر في حياتهم الأرضية.
الأول كونغولي عاش إبان فترة الاستعمار البلجيكي البشع، فعاصر كل صنوف التعذيب، وقطع المستعمرون يديه كما هي أوامر ملك بلجيكا ليوبولد الثاني، وشاهد بأم عينيه ملايين من أبناء جلدته يسقطون ذبحا وقتلا وتقطيعا منذ عام 1908 ولنصف قرن، وكانت نهايته الدفن حيــًا في إحدى القرى النائية بعدما أظهر تمردا بسيطا لا يخيف عصفورا صغيرا.
الثاني كان من جنوب أفريقيا العنصرية التي امتدت فيها عذابات الشعب الأسمر على أيدي البريطانيين والهولنديين ثلاثمئة وخمسين عاما. وكان قد أٌطلق عليه الرصاص عندما انتقل عن غير قصد من منطقة للسود؛ فأوقعه حظه العاثر في أحد الأحياء الفاخرة للمستعمر الأبيض.
والثالث تم اصطياده من أمام الكوخ وعلى مرأى من زوجته وأبنائه في ليبيريا، وباعه صياد البشر لكابتن مركب أمريكية تمهيدا لشحنه إلى العالم الجديد في قفص للحيوانات.
فلما مرض، ألقاه القراصنة إلى أسماك القرش فهي لا تكترث للون بشرته!
سمحت لنفسي أن أستمع منهم لحكايات مفصّلة تكفي كل حكاية للتعجيل في يوم القيامة!
كانوا يتبادلون الأوجاع ويستعجلون يوم القيامة رغم عدم إيمان اثنين منهم بها.
قال الأول: أكثر من نصف القرن قُتل فيه عشرة ملايين إنسان؛ كان الله قد نفخ فيهم من روحه، وجعلهم أسياد دولة جميلة تتقاسم فيها الحيوانات والبشر أرضا خصبة بها معادن ثمينة وثروات لو وُزعت على أفريقيا لأصبح كل أفريقي ثريــًا.
وجاء المحتل بوجهه البشع وقتل في نصف قرن أكثر من عشرة ملايين إنسان مسالم! وسمعتُ حشرجة تحاول الخروج من صدره وقال: كم تمنيت أن يتجلى الله في الكونغو ليشدّ من أزر العبيد، وانتظرت ومعي شعب بكامله، فلم نرَ اللهَ!
قلت له: ولكن الجنة قد تكون في انتظارك فيعوضك الله عن كل ما عانيت في حياتك الدنيا!
نظر إليَ نظرة ملؤها الشفقة؛ ولم أعرف إنْ كان يُشفق عليَ أم على نفسه أم.. على الكون!
قال: ولكنني كنت في حاجة ماسة لربع هذه الجنة، التي لم تأت بعد، كنت عشت حياة بائسة يعقبها موت أبأس!
قلت له حاسمــًا: ولكنك صبرتَ صبرا جميلا!
قال لي وقد أدار وجهه محاولا إخفاء سخريته من سؤالي: لقد صبرتُ مُكرَها على حياة العبيد، وجئت هنا دونما طلب مني، وأنتظر يوم القيامة ليقوم اللهُ بحسابي!
لم يرق لي كلامه، فأنا أملك الإيمانَ وهو يملك المنطقَ، أنا أُحسِن الظنَ بالله وهو لم يعد قادرا على الثقة بالسماء كلها، أنا على يقين من أن العدل أساسُ الحساب الأخروي وهو لا يرى فائدة من عدالة لم يرَ ذرة أو نفحة منها طوال حياته الموجعة.
أخذ الثاني زمام الحديث منه وطرح عليَ عدة تساؤلات متزاحمة يحكي فيها عن نفسه، لكنه يساند بها صديقه الكونغولي.
خفت صوته لكن ذبذبات الصوت كانت على اذني أثقل من زلزال بغير مقياس ريختر.
قال: أنا ومنذ ولادتي وحتى انهمار طلقات بيضاء من مسدس عنصري مزقت جسدي لم أرَ يوما واحدا فيه إنسانيتي التي أعطاني إياها ربُك!
أسرعت لأجعله ربــًا واحدًا، لي وله، وليس اثنين، فقلت: وربُك أيضا؛ أليس كذلك؟
قال: لا أعرف، فقد كنتُ أسود اللون في بلد أسود، تضمه قارة سوداء، وتحكمه أقدام بيضاء بأنياب ناصعة البياض!
هل تعلم، أردف قائلا، أنني كنت أمشي ساعة أو بعض الساعة مذعورًا من أصوات الحيوانات المفترسة المختلطة بالمحتل العنصري حتى أصل إلى كنيسة لا يصلي فيها غير ذوي البشرة السوداء فلا تدري أهي عبودية للبشر أم عبودية لله!
كنت أمر على كنائس أنيقة تحيط بها حدائق غنــّاء ويؤدي الصلاةَ فيها مؤمنون بيض يعبدون إلــَــهً أبيضَ، لا يقبل فيها صلاة من مؤمن لا ينحدر من سلالات شمالية جاءت مع المُستغلين للبحث عن المعادن الثمينة، والشمس الدافئة، والثروات اللا نهائية، والأرض الخصبة، والعبيد من سكان هذا البلد الآمن؟
لا أتذكر ساعة واحدة كنتُ فيها سيّدَ نفسي، ودعوت اللهَ منذ مولدي وحتى مماتي ليثبت للمستعمر أنه يقف معي، حتى أجرمت يوما ما ودخلت مصادفة أحد أحياء البيض عن غير قصد، فانطلقت الرصاصات العمياء لتحيل جسدي إلى ثقوب لا نهائية، وتم إلقائي في منطقة للسود ليدفنني أهلي في أرضها!
ثم لم يتحمل تكملة حكايته وقال : أنا لا أريد الجنة التي قد تكون على مبعدة ملايين السنين، لكن أريد فقط أن أسال اللهَ عن سبب تركه إياي بعدما خلقني!
قلت له: عليك أن تنتظر يوم الحساب وأنت هنا في أمان وسلام تمهيدا ليوم يتحقق فيه العدل الإلهي!
نظراته لي لا تحتمل التأويل فهو لا يُصدّق كلمة واحدة أدافع أنا بها عن قيامة لم تقُم بعد!
بدا أن صبر الثالث على وشك النفاد فانطلقت كلماته كأنها عاصفة من الاحتجاج ولكن في هدوء بحر ميّت وقال قبل أعطيه أذُنيي: أما أنا فقد كنت أعيش في جنة أخرى، حيث تنام قريتنا على ضفاف نهر مانو الذي ينبع من مرتفعات في ليبريا. كنا فقراء وسعداء، عرايا متدفئين، نخاف من غدر البشر، وننام مطمئنين على مقربة من الوحوش، نتقاسم ما تجود به الأرض ولم نتطلع لجَنــّة عرضها السماوات والأرض.
فجأة اخترقت أرضَنا الطيبةَ جحافلُ صيادين يبحثون عن أكرم خلق الله، البشر من بني آدم لبيعهم عبيدا في العالم الجديد.. ما وراء البحار.
كان جسدي متماسكا، وجميلا، ولامعا، وفيه إبداع الخالق لجعل السواد أكثر بهاءً من البياض.
قاموا باصطيادي بأسلحة نارية لم أرَ مثلها من قبل. ولم يكترثوا لصرخات زوجتي وأبنائي فأغلب الظن أنهم كانوا يفكّرون في الثمن لهذا الجسد الجميل الذي يتهافت على شرائه أسياد بيض في النصف الآخر من العالم.
في المركب التي حملت عشرات من أهل بلدي، وضعونا في أقفاص حديدية صدئة من جراء ملوحة هواء البحر، وقيّدونا من معاصمنا وأرجلنا. بعد أقل خمسين يوما جاءني الغزو الثاني من أمراض لم تترك خلية في جسدي إلا وهاجمتها.
وجد الذي اشتراني من الصياد في ليبريا أن لا فائدة، فألقى بي لأسماك القرش لعلها تنهي آخر أثر لي في حياة ظننت في أولها أنني من المكرمين، وفي آخرها انتظرت تجلــّي الله على المركب ليفرج عنا وتأخذنا الملائكة معها، ففينا روح الله. وطال انتظاري وكانت أدعيتي داخل القفص كافية لتنشق السماء وتأخذني في أحضانها.
قلت له: أي أن لديك الآن مبررا لتنتظر يوم القيامة وقد اقتربت الساعة، وأمامنا أقل من خطوتين، أي أقل من مليون سنة، ثم تشرح قضيتك أما العدل الإلهي.
لم يسمعني، وتسارع لساني ليلقي في الأثير بكلمات مبهمات غير مترابطات، لكنني فهمت أنه لا يريد أكثر من رؤية زوجتة الوفية وأبنائه.
حكايات ثلاث احتجت بعدها لزمن طويل في موقع الانتظار قبل أن أستعيد صفاء ذهني، وأستمع لمزيد من المنتظرين ليوم القيامة.
تمنيت أن يتجلــّـى اللهُ هنا، ويفصل الأخيار عن الأشرار، ويعجــّـل في يوم القيامة بعد إنهاء الحياة على الأرض لئلا تكون الغلبة لإبليس.
استعدت لياقتي، ومشيت أو طرت للتعرف على هذا المكان .
كانت هناك فتاة سمراء، عرفت فيما بعد أنها من جزيرة رينيون، المستعمرة الفرنسية، تقترب مني كلما استمعت لحكاية أحد المنتظرين، وقالت لي: إن حكاياتك لأهل الأرض ستثير غضبهم؛ فعليك أن تتوقف فورًا!
أعجبني فضولها، فقلت لها ...

وإلى الحلقة الخامسة بإذن الله من (مقطع من يومياتي بعد موتي)!

طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 6 مارس 2021



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الثالث
- مقطع من يومياتي بعد موتي! (الجزء الثاني)
- مقطع من يومياتي بعد موتي!
- ستة أيام في المستشفى!
- لماذا لا يتعلم المصريون من الجزائريين؟
- أكملت اليوم 74 عامًا؛ وماذا بعد؟
- صورة الله في عقل الإسلامي الحديث!
- للمرة المئة.. تغطية وجه المرأة معصية لله!
- اكتشاف لقاح مضاد لإبليس!
- لهذه الأسباب أكره التيارات الدينية!
- أبناؤنا المتآمرون.. ولاد الكلب!
- لهذا لن تتكرر ثورة 25 يناير!
- هل المسلمون مرضىَ بالدينِ أمْ الدينُ مريضٌ بالمسلمين!
- الشعبُ على دينِ رئيسِه!
- جرائم هذا الرجل!
- دعاء طائر الشمال لعام 2021!
- هل صحيح أن هناك كفارًا و.. مؤمنين؟
- غباء أنجيلا ميركل وذكاء السيسي!
- صناعة المُسلم الأفيوني!
- الحلُّ السعوديُ لأزماتــِنا!


المزيد.....




- أردوغان يعلن عن -اتفاق تاريخي- بين الصومال وإثيوبيا: -اتفقا ...
- أغذية تساهم في تسريع الشيخوخة
- كيف تؤثر مهارات القراءة على دماغنا؟
- زائر بينجمي غامض ربما غير مدارات نظامنا الشمسي
- إسرائيل بدأت بتقسيم سوريا
- أوستن لنظيره الإسرائيلي: ندعم عملية انتقال سياسي سلمية وشامل ...
- أدونيس يدعو إلى -عدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي- في سوري ...
- الجيش الإسرائيلي يبدأ الانسحاب من جنوب لبنان ضمن اتفاق وقف إ ...
- محاكمة علي كوشيب أمام الجنائية الدولية تدخل مرحلتها النهائية ...
- استهداف حراس المساعدات في غزة ومجزرة بمخيم النصيرات


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد المجيد - مقطع من يومياتي بعد موتي! الجزء الرابع