أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - لغز الحقيبة البنية














المزيد.....

لغز الحقيبة البنية


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6810 - 2021 / 2 / 10 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


يُحكى أن شاباً سورياً بعمر الثلاثين قد وصل إلى ألمانيا عام 2016.
منذ الساعات الأولى حصل الشاب الملقب بين معارفه بالعصفور الحر على سرير ينام فيه وعلى ما يلزمه من طعام ومصاريف.

بعد انقضاء حوالي ستة أشهر على وصوله تم الاعتراف به كهارب من أتون الحرب في سوريا، رغم أنه قد شارك بها عن قناعة ورضا، وصار يتمتع بالعطايا المالية والمساعدات المجانية على كافة الصعد.

لكن المسكين بقي مقيماً في غرفة متواضعة ضمن أحد المعسكرات المخصصة للهاربين، والسبب يعود لعدم استطاعته كسب ثقة الألمان كمستأجر لديهم، مع العلم أنه حاول مراراً أن يلعب دور الشاب الحضاري الأخلاقي الخدوم ولا سيما لشريحة كبار العمر.
أخيراً وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على وضعه المذري تمكن من استئجار غرفة متواضعة في منزل قروي قديم جداً يسكنه رجل مسن ومريض بالكاد يقوى على الاستحمام.

فرح العصفور الهارب بالغرفة وانتقل إليها فوراً رغم ما تحتاجه من دهان وتنظيف.

منذ اليوم الأول استيقظ حسه البوليسي ـ خاصة بعد أن سمع عن الأحداث الغريبة التي صادفت بعض السوريين الهاربين من مثل: لقية خمسين ألف يورو في درج طاولة مستعملة أو مئة ألف يورو في جيب معطف مستعمل ـ وراح يبحث عن وسيلة لاستعطاف المؤجر المريض والذي لا عائلة له طمعاً بهداياه وعطاياه. فقد حدث أن سمع الهارب بطل حكايتنا هذه أن بعض الألمان المعمرين قد ورّث لبعض السوريين بيتاً.

بدأ عصفورنا هذا بحملة تنطيف شاملة للمنزل المؤلف من طابقين وقبو وحديقة كبيرة، لكنه تفاجأ بعد الأسبوع الأول من نشاطه البيئي بأن البيت أكثر من عتيق يملؤه العفن وتفوح منه رائحة الرطوبة والحفر الصحية، وقد أُهمل بشكل كامل بسبب مرض المالك وعجزه عن الاهتمام بأعمال النظافة والصيانة الواجبة.

وعليه طلب العصفور بأسلوب حضاري مفتعل من المالك السماح له بدعوة أصدقائه الهاربين لزيارته ومساعدته في أعمال التنظيف التي ينتويها طوعياً.
وافق المالك برحابة صدر شاكراً العصفور المستأجر عنده على مبادرته الراقية، ليس هذا كل شيء بل سمح لأصدقائه بالمبيت لمدة أيام ثلاثة.

في اليوم المحدد لوصول الأصدقاء الأربعة ـ ثلاثة ذكور وأنثى ـ غادر المالك بيته برفقة جيرانه لقضاء يومه على شاطىء البحيرة، تاركاً للعصفور وأصدقائه الأحرار حرية الحركة والتنقل أثناء تأدية عملهم.

منذ الصباح الباكر بدأ فريق العصفور التطوعي بحملة التطهير والتنظيف على أنغام أغاني "الثورة السورية"
جنة جنة جنة .. والله يا ألمانيا .. حتى نارك جنة ..

أحدهم جلب أربع ربطات خبز عربي وتفرغ لأعمال الطبخ والنفخ بينما دأب الآخرون على العمل حالمين بمكافأة من العيار الثقيل إضافة إلى احتمالية ظهور صورهم الجميلة في صحيفة المدينة كمدلول لوعي السوري الهارب بقضية التعاضد الاجتماعي.

بعد أن أكلوا وشبعوا وشربوا الشاي واستراحوا وناقشوا تطورات كفاح الفصائل العسكرية، بعد هذا كله استأنفوا عملهم، بحلول المساء لم تبق لديهم في الطابق الثاني إلا غرفة نوم المالك.

دخلوها برهبة ووقار.
كانت رائحتها مستهجنة وأقذر من رائحة غرف البيت القديم.
فتحوا النوافذ وأخذوا ينظفون الخزانة والمكتبة والسرير والكنبة، راحوا يعملون ويتضاحكون آملين بالمكافأة...
وبالفعل حدث معهم ما لم يكن بالحسبان حقاً.

وجدوا تحت السرير حقيبة سفر بنية اللون، حقيبة جلدية كبيرة، حقيبة عتيقة ومثيرة انبعثت منها رائحة لا تُطاق.
جلس الأصدقاء على السرير وحوله وهم في شوق لمعرفة لغز الحقيبة البنية.
أدلى كل منهم برأيه:
حقيبة مكدسة بالأوراق النقدية ..
بل مليئة بالمجوهرات ..
بل محشوة بالليرات الذهبية ...

بعد حوالي عشرين دقيقة من النقاشات والتكهنات والأحلام الثورية طلب العصفور الحر من الأصدقاء كتمان السر والوقوف إلى جانب بعضهم البعض وقفة رجل واحد كما هم في موقفهم من الثورة السورية.

سحب العصفور الحقيبة الغامضة من تحت السرير، اقتربوا منها، فتحوها مجتمعين، حاشرين رؤوسهم فيها من شدة الفضول.

فاحت الرائحة النتنة أقوى فأقوى ...
ابتعدوا عنها متعثرين بها وهم يتقيأون ...
تدحرجت الحقيبة وانسكبت محصلة خراء الرجل المريض في الأشهر الأخيرة في كل أرجاء الغرفة الموحشة.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -26-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -25-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -24-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -23-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -22-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -21-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -20-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -19-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -18-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -17-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -16-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -15-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -14-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -13-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -12-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -11-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -10-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -9-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -8-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -7-


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - لغز الحقيبة البنية