أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - تجديد الفقه الإسلامي وتحدياته















المزيد.....

تجديد الفقه الإسلامي وتحدياته


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 31 - 09:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جزء من مشكلة أي فقه ديني هو تبعيته لماضيه وأسلافه وخصوصا لعصور المؤسسين، خلافا لفقه النماذج المختلفة في السياسة والاقتصاد مثلا فهذه الأمور كثيراً ما تخضع للتجديد ولا تجد هناك مشكلة في صنع رؤىً جديدة أكثر واقعية، وبنظري أن الفقه الديني لو تأسس على هذه الخلفية سيصبح تجديده سهلا..لكن ما يمنع ذلك هي القدسية العقائدية التي تُصبَغ عليه دائما وتتعزز بصراعات المذاهب والسياسية، بيد أن كل مفكر ومُطالب بالتجديد سيُرى كمتآمر وعميلا للطرف الآخر..

لذا فأهم شروط تجديد الفقه هو توفر أمرين اثنين:

أولا: سلام سياسي واجتماعي يمنع تصنيف المفكرين والمجتهدين، فالعكس الذي يحدث دائما أن أي مطالب تجديدية واجتهادية في الفقه الديني بأجواء الحروب والصراعات كثيراً ما تفشل برغم أنها تكتسب زخما فكريا كبيرا ودقة من أثر التجارب وثورة الناس على مقدسات كثيرة في أجواء الصراعات مما يفتح الباب لديه للثورة ورفض مقدسات أخرى قد تكون في نفس المرتبة..

ثانيا: النظر للفقه الديني على أنه مجرد اجتهاد بشري يخضع للمسائلة والشك والثواب والعقاب، بمعنى زوال القدسية عن كلام الناس وأذكيائهم وزعمائهم، فالنتيجة المباشرة لحدوث هذا الشرط هو اعتبار الفقه أنه (متعين في الزمان والمكان) أي يخضع لكل عوامل تأثير المجتمع والسياسة وحركة التاريخ، فلا نترك فرصة لإحياء فقه ابن تيمية كمثال في القرن 21 فتعيّن ما أحدثه ابن تيمية في زمانه ومكانه وتاريخه يمنع استدعائه في وقتٍ لاحق سوى بدليل يحقق المصلحة..

إنما الذي يمنع تحقق الشرطين جوانب كثيرة أهمها المصلحة الشخصية ومنازل الفقهاء اجتماعيا وسياسيا في الدولة، هذا الجانب الأهم بنظري الذي يُحفّز الفقهاء للصد والذود عن مكتسباتهم، وهذا ليس مجرد ادعاء بل تغيّر فتوى الفقهاء بأمر السلطان يُثبته ، مما يعني أن المسألة خارجة كليا عن كون الفتوى شأنُ عقائدي إلهي بل اجتهاد موظف لخدمة ذوات وشخوص معينة ، قد يكون للمجتهد نفسه أو لغيره بمقابل على الأرجح، والأمر الثاني الذي يمنع تحقق هذين الشرطين هو الخلط بين الذات والموضوع، فيجري اعتبار كل موضوع فكري يُثار على الساحة على أنه مرتبط بقائله، فيجري الربط بين الفكرة والشخص..وهنا يقع المجتمع كله في آفة الشخصنة التي تذهب بالفكرة الأصلية عن حيّز الاهتمام ويصبح مناقشة الموضوع ترفا لا حاجة له..وهذه الآفة منتشرة جدا في مجتمعات المسلمين التي تنظر لأي اجتهاد جديد ورأي فقهي مختلف على أنه مؤامرة أو ضمن سياق متعلق بالأمور الشاذة التي يجب منعها بالقوة دون نقاش..

والأمر الثالث الذي يمنع تحقق الشرطين هي مصالح الزعماء السياسيين الذين يضطرون بضغط من الظروف غالبا أن يستعينوا بالفقهاء في التقرب لشعوبهم، فُيصبح الفقيه عملة نادرة وثمنه مرتفع تبعا لحاجة السوق، فكلما كانت الحاجة إليه كبيرة والطلب عليه مرتفع صار وجود الفقيه ضروريا ويتعزز موقعه في الدولة أكثر، وتلك الرؤية بتحققها تصنع دولة شمولية على النًسَق الهيجلي والتي عبّر عنها الفيلسوف برتراندراسل في كتابه "تاريخ الفلسفة الغربية" أن هيجل يدعو لهذا النموذج الشمولي التي تكون فيه الدولة هي الأصل والمواطن تابع لوجودها، بمعنى أن وجود المواطن من أجل الدولة بالأساس..وبنشاط الفقهاء ومركزيتهم يجري اختصار هذه الدولة في سلطة الملك والرئيس، فيُصبح وجود المواطن من أجل الرئيس والزعيم..وعلى هذه الرؤية كانت سائر اجتهادات الفقه الإسلامي بالقرون الوسطى التي أعطت للملك والحاكمية دوراً مقدسا ومنعت إيذائه والخروج عنه بحال.

الرؤية العكسية التي تقول أن المواطن هو الأساس والدولة تابعة له هي رؤية ليبرالية يُحرّمها الشيوخ والمجتهدين في الغالب، ويكرهها زعماء ورؤساء الشرق الأوسط، برغم أنها تعززت بالفلسفة الليبرالية في المجتمع الغربي قبل 200 عام، ولم يكن ذلك ليحدث سوى بفصل الدين عن الدولة وتنظيرات حكماء أوروبا للعلمانية والليبرالية لاحقا حتى صارت جزءاً من الدساتير ليست مجرد مواد ونصوص بل مبادئ حاكمة فوق دستورية.

مطلوب أن يكون الفقه الإسلامي تعبير عن منطق وثقافة العصر، فليس من اللائق أن يناقش الفقه الآن في القرن 21 مسألة الخلافة ، بل ويجتهد في إثباتها أو حتى نفيها..فبمجرد الانشغال بتلك الخلافة يعني أن المجتهد المسلم لا زال يناقش في بدهيات تخطاها الكون منذ ظهور الدولة الحديثة، وفي لقائي أمس مع الأستاذ "باسم سام" في قناة الفكر الحر على يوتيوب قلت: أن نظام الخلافة هذا الزمان هو نظام (غير طبيعي) مختلف ومعاد للحداثة والإنسان المعاصر، فمهما كانت عيوب النظام العالمي أو ضعفه لكنه (سيتحد) ضد أي دولة (غير طبيعية) وهذا سر اتحاد العالم للقضاء على داعش رغم ضعفه وتفككه، ففي النظام الحديث تعمل الدبلوماسية على تحقيق أهداف الحكومة، وبدون تلك الدبلوماسية تتعثر الحكومات..وأنظمة الخلافة والإمامة رغم روعتها في قلوب أنصارها لكنها (ليست دبلوماسية) ولا تؤمن بحقوق الآخر الطبيعية..والنتيجة أن الخليفة والإمام سيجد نفسه فورا (عدوّا) لكل شعوب الأرض بلا استثناء..

فمتى أدرك الفقيه المجتهد تلك الجزئية صارت لديه مناقشة أمر الخلافة شطوحاً فكريا لا يليق كمن يناقش ويشكك حاليا في كروية الأرض، ومتى لم يدركها سيدعو لخلافة مختلفة عن خلافة داعش برأيه..وهذا لأمرُ عسيرُ أو مستحيل أن يُنتِج خلافة مختلفة عن داعش..فالحاصل أن تلك الجماعة الأصولية الوهّابية حققت كل شروط الخلافة المُجمَع عليها في كتب الفقه والعقائد بدءا من الخليفة القُرَشي والجهاد والغزو والحِسبة وتطبيق الشريعة على المذاهب الأربعة، ثم تحقيق وتعزيز أمورا أخرى كالولاء والبراء والفرقة الناجية وإعدام المعارضين..إلخ فمتى بحث الشيوخ عن شكلٍ آخر للخلافة سيكون مختلفا عن ذلك هو بالتأكيد سيكون صنيعة خاصة بهم ونموذجا جديدا مثلما آل عليه الوضع في إيران بظهور "وليّ الفقيه" كإمام نائب عن المعصوم الغائب..وإذا لم يبحثوا – وهو الأرجح – سيُكرّروا جريمة داعش بالحرف ويموت الملايين مرة أخرى بتجربة أخرى هي أكثر غباء من داعش.

وبالطبع هي أكثر غباء لأن الدواعش لم يسبقهم أحد في إعلان الخلافة بعد سقوطها في اسطنبول سنة 1924، فصارت تجربتهم جديدة غير مصقولة بالتجارب..فحتى مع غبائها الملحوظ وفشلها المؤكد ستكون أكثر ذكاء ممن يُقلدها لاحقا ولديه في الواقع الحسي نتيجة محسومة بالفشل..

فلو رفعت الدولة شعار التجديد – وفقاً لهذا السياق – سيكون أكثر مقبولية لظهوره بعد تجارب فاشلة عن نموذج فقهي قديم، فالمطلوب إذن رؤية فقهية جديدة تعالج هذا الفشل وتبحث في جذوره وأسبابه، وفي تقديري أن ذلك سيحدث إذا ضمّن التعليم الديني رؤية سياسية بمعزل عن قصة الخلافة وخلط الدين بالدولة..بل دراسات سياسية ووعي سياسي للمشايخ كما لديهم دراسات في الطب وغيرها من علوم تجريبية أخرى دخلت في التعليم الديني، ولست من معارضي هذا التوجه فالهدف أن يكتسب الشيخ وعيا سياسياً يمكنه من نقد نظرية الإمامة والخلافة..وأن نفتح وعيه على علوم حداثية صارت جزءاً من جامعات العالم المتخصصة في هذا الشأن ككلية الاقتصاد والعلوم السياسية مثلا، فمنظومة عمل الخلافة في الفقه مختلفة بشكل جذري عن منظومة عمل الحكومة الديمقراطية المنتخبة في العصر الحديث، وهذا ما يجب ترسيخه في أذهان رجال الدين كي تقنعهم أولا: بضرورة فصل الدين عن الدولة، وثانيا: بضرورة تحكيم العقل والتفكير وتقديم المصلحة العامة على الخاصة.

وقد سبق لي الحوار مع أحد الشيوخ السلفيين في عملي بتلك الجزئية، حين قلت له أن المعارضة السياسية هي جزء من النظام السياسي العام للدولة بالأصل، وليست أمرا مستقلاً أو شاذا، فالمعارضة هي الوسط بين الحكومة والشعب ، ومتى توقفت الحكومة عن تحقيق مصالح الشعب يكون للمعارضة دورا في نقد الحكومة لإنجاز تلك المصلحة، وبالنظام الانتخابي تتبدل الأدوار ويكون البقاء للأصلح فيعيش الشعب في عدالة اجتماعية وسياسية وضمانة لعدم خرق أصول تلك العدالة بعقد اجتماعي – دستور - تمت صياغته منذ 300 عام، بينما الخلافة لا تؤمن بكل ما سبق..لا بدستور ولا بمعارضة ولا بانتخاب، بل وتخلط بين السلطة والدولة بحيث يصبح الخليفة نفسه هو الدولة وبالتالي فمعارضته هي معارضة للدولة نفسها..وهذه كانت ولا زالت رؤية أي دكتاتور لمعارضته..لذا فالخلافة الآن هي نظام دكتاتوري محض أي دعوات لإحياءه سيُنتِج ثورات بالداخل وحروب بالخارج..

بينما تضيف الخلافة لهذه الآفات بُعدا دينيا، فمثلما كان الخليفة هو الدولة هو في نفس الوقت يعني (الدين) فمعارضة الخليفة تصبح معارضة للدين وبالتالي فأي معارض هو كافر، وإذا تفحصنا قواعد الفقه الإسلامي الحالي في جزئية تطبيق الشريعة نجد أن أحكام المرتد كلها تنطبق على هذا المعارِض، وكأنه ترسيخ لهوية طبقية أرستقراطية يكون فيها الخليفة هو الطبقة العليا صاحب الألقاب والفخامة والعِزّة، بينما المعارضين رعاع وغوغاء وخونة وانقلابيين وخوارج إذا لزم الأمر، ولا زال الفقه التقليدي الذي يدرس في الأزهر يصف داعش بالخوارج لهذا السبب ، أنهم خرجوا بالأساس على وليّ الأمر دون إمكانية وصفها بأنها انعكاس حقيقي لفقه المذاهب الأربعة الذي طُبّق بشكل عملي في سوريا والعراق وليبيا وسيناء، وما كان للفقيه التقليدي أن يقول غير ذلك..بيد أن الفقهاء لو اعترفوا بأن داعش هي انعكاس للسلفية المعاصِرة وفقه المذاهب الأربعة القديم سيعني ذلك ضرورة الثورة على هذه الأمور وتغييرها فورا وبالتالي زوال قدسية أئمتهم وتصبح آلاف الكتب وملايين الصفحات التي درسوها طيلة مراحلهم التعليمية كأنها لم تكن..

وأعترف أن عقول المشايخ في القرن العشرين ارتقت كثيرا بعقلية تحليلة – وفقا للحداثة – فوصلت إلى تشريع ما يسمى "فقه الواقع" بناء على اجتهادات سابقة تُفرّق بين (دليل الحُكم ودليل وقوعه) فالحُكم لديهم يظل كما هو أمراً نظريا لا يجب تطبيقه سوى بأدلة واقعية ينظرها الفقيه والمفتي، ولو طبّقنا ذلك على الخلافة فلا يجوز إعلانها سوى بشروط تتوفر فيها عناصر القوة اللازمة لبقائها..فليس مجرد أنها حُكمُ شرعي أنه يجب إعلانها وتطبيقها دون الحاجة لدليل، وبظني أن هذه الجزئية هي التي عطّلت الإخوان عن إعلان خلافتهم..فلو ملكوا القوة ووصل زعمائهم وشيوخهم أن دليل وقوع الحكم قد توفر فيجب إعلان دولة الخلافة والشريعة فورا..وهذا ما كانوا سيُقدمون عليه بعد ثورة يناير، إذ توفرت الظروف والقوة اللازمة لتلك الأمور ولم يعد يتبقى في سبيلها سوى تغيير هيكلي في جسد الدولة المصرية يُخرجها من طبيعتها المدنية لطبيعة أخرى موافقة للشريعة على مذهب السنة والجماعة، وقد هيئوا تلك الأرضية بمادة دستورية في سنة 2012 تحصر تفسير المادة الإسلامية الثانية في الدستور المصري بمذهب وفتاوى السنة والجماعة..

ولم يكن هذا ليحدث لولا قوة الإخوان سياسيا واجتماعيا واقتصاديا من قبل جراء تكسّبهم من فقه الواقع الذي وصلوا إليه حين كانوا معارضين، لكنه ظل وصولا شكليا معطلا سوى في جزئية المعارضة السياسية فقط ، فتلك الجماعة أشهر وأكثر من آمنت بفقه الواقع الذي قرره زعمائها ومن أشهرهم د يوسف القرضاوي، ومختصر ذلك الفقه هو الاعتراف بالواقع العالمي والإقليمي والمحلي والتحرك وفقا من خلاله..حتى لو كان هذا الواقع مخالفا لتوقعات وأماني الإخوان لكن ينبغي لهم التعامل معه وفقا لموازين القوة التي تُحرّكه، وقد سبق في كتاباتي عن الإخوان - 3 كتب ما بين عاميّ 2012 و 2014 – أن قدّمت هذه الفكرة لمنتسبي التيار العلماني التنويري وشرحت لهم كيف أن الإخوان يؤمنوا بهذا النوع الجديد من الفقه المختلف تماما عن المشروح في كتب السياسة القديمة "كالأحكام السلطانية للمواردي والقاضي أبي يعلي الحنبلي والسياسة الشرعية لابن تيمية" وأن هذا الفقه الجديد هو الذي ساعدهم على جذب انتباه السلطة والأحزاب في مصر للتحالف معهم سياسيا وفي الانتخابات أحيانا..

وأن الإخوان سقطوا فعليا منذ أعلنوا الثورة على الواقع، وهذا مختلف عن سقوطهم الفكري لأن فقه الواقع لديهم لم يعالج جوانب قدسية التراث المنتشرة لدى عناصرهم والتي أدت لاعتناق الإخوان الفكر الوهّابي حرفيا ..حتى جذور حسن البنا الصوفية وإيمانه ببعض الفنون ثاروا عليها منذ السبعينات باختراقات وهابية متتالية أدت لعداء إخواني ضد قطاع الفنون الذي كان يشرف عليه في الغالب شيوعيين ويسار..وتلك قصة أخرى لا أريد الاستطراد فيها، لكن ما يمكن قوله في هذا السياق أن براجماتية الإخوان ساعدتهم في إنجاز فقه الواقع كما قرره أصولييهم، لكن هذه البراجماتية تسقط مع أول امتحان في الهوية والبرنامج الذي يؤمن بدولتيّ (الشريعة والخلافة) مع العلم أن مصلحين إخوان كُثُر كانوا قد قدّموا للتنظيم رؤىً فكرية معقولة لعلاج هذه المشكلة الفراغية التي يعاني منها التنظيم منذ نشأته سنة 1928م، لكن سلطوية مكتب الإرشاد ووهّابية العناصر أدت لانشقاق هؤلاء المصلحين واتخاذهم نَهَجا فرديا نقديا للجماعة ككل سواء من حيث التنظيم أو من حيث الفكر والمذهب..

فجزئية الواقع هنا ليست ترفا أو أمرا هامشيا بل ثابت من ثوابت الفقه يجب تداركها في سياق التجديد، والمعرفة به شرطا لخفض معدل الخسائر والصدمات..فأحيانا يُقاس حجم الوعي بالصدمات التي يجدها الفرد في حياته، فالصدمة تعني أن هناك فارقا كبيرا بين معرفة الفرد و (واقعه) كأن هناك مساحة خالية مجهولة يملأها الجاهل باليقين..برغم أنها مجرد مساحة مجهولة في الحقيقة هي التي بمجرد كشف جزء منها يتعرض الإنسان للصدمة..ويمكن أن نلاحظ ذلك في سلوك الإنسان الحكيم والمثقف اللذان يعدان هما الأقل صدمات على الإطلاق، فمعرفة كلٍ منهم ووعيه وإدراكه المرتفع تمكنه في أن يملأ أي مساحة مجهولة لديه ولو بالقدر البسيط، حتى إذا تكشّفت الحقيقة لديه يوما ما فقد كان يتوقعها..وهذا سر قدرة الحكماء على الهدوء والتوقع السليم في الغالب، بينما تطيش رؤية الحمقى وتفسد توقعاتهم بما ينسجم مع رغبات وأمنيات القطيع لا غير..

مطلب تجديد الفقه هنا لا يتوقف فقط على السياسة – وإن كانت أصلا – لكنه سيطال جوانب أخرى كالعقل والأولويات..فلا يليق مثلا أن ينشغل المجتهد بفرعيات مختلف عليها بينما الأمة الإسلامية تفعل الكبائر كالقتل والسرقة والرشوة..إلخ، هنا يُصدَم الفقيه بواقعٍ مختلف عليه أن يضعه نصب عينيه إذا كان من المُصلحين، ولا يليق بالمجتهد أن ينشغل بسفاسف الأمور بينما الظلم والفقر ينهشان في جسد الشعب، ومن الناحية العقلية يجري ضبط أحكام الفقه وفقا للمنطق الصوري على الأقل..فلا يليق الفتوى بقتل المرتد حديثا بينما تصمت الفتوى عن نفيها قرآناً، ولا يليق القول بغزو الأمم وقتل المعارضين بينما يُنكرون إيذاء القطط وأن امرأة دخلت النار في هِرّة، سيكون المنطق حينها واجبا..ما الأولى حياة الإنسان البرئ أم حياة القطة؟..برغم ضرورة الاثنين معا لكنه وفي ميزان المنطق إذا خُيّر الإنسان بين حياة إنسان آخر وقطته فالإنسان أولى، ليس امتهاناً لأرواح القطط لكنه إيمان بقدسية أرواح البشر وأولويتها على أي شئ..

ولا يعني ذلك نسف كل أصول الفقه الحالية فمنها ما هو جيد ومؤسس على وعي فلسفي كما يسمى في علم الأصول (بقياس العكس) أي إثبات حكم ما بثبوت عكسه، كقوله تعالى "وما ربك بظلام للعبيد" فهذا يعني أن الله عادل عدلا مطلقا، فلو كان لغير المسلم حرية دخول الإسلام فمن حقه الخروج منه دون عقاب، وأي أذى يصيبه ظلمُ بيّن وفساد خارق لكل صنوف العدالة، نحن لا نثور أو نرفض تلك القواعد ما دامت توجد الفرصة لإنجازها أو جعلها أمراً واقعا..فالإنسان متى تحين له الفرصة لتطبيق المُعطّل سيفعل ذلك، لكننا ننبه على ضرورة إنهاء ذلك التعطيل وأن لا تشوب أحكام الفقه تناقضا يجعلها في ميزان المنطق معدومة.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تنقد مقالا بطريقة علمية؟
- الشيعة فوبيا والإسلاموفوبيا..ما العلاقة؟
- صفوت الشريف كرئيس مصري بدون قَسَم
- روشتة الاستبداد الذكي
- أكذوبة لعن الزوجة الممتنعة عن الفراش
- صراع المرأة ورجل الدين
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (6)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (5)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (4)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (3)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (2)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (1)
- الحزب العلماني المصري..كفكرة سيئة
- دخول الإسلام بنجلاديش وأندونيسيا بالحرب لا بالدعوة والتُجار
- طموح شيخ الأزهر السياسي
- القصة الأصلية لصحيح البخاري
- روشتة الحكم الرشيد للسيد جو بايدن
- الإسلام السياسي والحرية الصحفية
- رسالة لشيخ الأزهر
- رحلة في سيكولوجيا المرأة والجنس


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - تجديد الفقه الإسلامي وتحدياته