أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نادية خلوف - رغيف الخبز -يوم كنا عايشين-














المزيد.....

رغيف الخبز -يوم كنا عايشين-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 30 - 10:03
المحور: المجتمع المدني
    


كنت معلمة في مدرسة حاتم الطائي في القامشلي ، وفي إحدى السنوات كنت أعلم الصّف السادس ، لفت نظري أن إحدى التلميذات لا تنزل علامتها عن العشرة، وهي هادئة ومهذّبة ، أحببت أن أتعرف على واقعها ، سألتها : هل والدتك هي من تهتم بك؟ أجابت: لا . والدتي لا تجيد القراءة و الكتابة ، ولا تفهم العربية ، إذن لك إخوة أكبر منك يعلمونك ، أجابت أيضاً بلا. قالت: أنا أكبر إخوتي . في أحد دروس التعبير ، وكعادة كل المعلمين ، حيث يطرحون تلك الفكرة السخيفة : " ماهي أمنيتك" !
لم أعد أذكر ما كتبته التلميذة حرفياً ، لكنني أذكر ما بدأت به: " أخجل من الفقر، أتمنى أن أصبح في المستقبل معلمة كي أنقذ أمّي. عندما تذهب أمي في الصباح لتجلب لنا الخبز أخشى عليها البرد ،تبقى ساعات على الفرن حتى تستطيع جلب خمسة أرغفة ، يكون وقت المدرسة قد حان، نتناول أنا و إخوتي كل منا نصف رغيف نأكله على الطريق، و إن كان لدينا وقت تدهن لنا دبس البندورة عليه"
أتحدّث عن الثمانينات من القرن الماضي، وكنت لم أسجل في نقابة المحامين بعد، وكنت أتعاطف مع الفقراء وفي نفس الوقت أمجّد الفقر ، و أعتبره من دواعي الفخر ، فقد يكون الإنسان فقيراً لكنه صاحب فكر حسب تسمية محمد الماغوط لمدينته "السلمية" مدينة الفقر و الفكر، لكنّني اليوم أسأل كيف يمكن لهذين النقيضين أن يجتمعا ؟
أعود هنا لتلميذتي . تلك الفتاة التي اجتمع فيها النقيضين لكن في فترة طفولتها فقط ، حيث أرغمها الفقر على أن تأخذ دور أمها في رعاية إخوتها بعد أن أقعد ذلك المخجل والدتها طريحة الفراش، رأيتها تجلب الخبز من الفرن، وكنت أنا بدوري ذاهبة لأجلب رغيف خبز سميك واحد كي أقسمه بين أولادي لآنهم يحبونه . كان الطابور طويلاً ، رأيت إحدى النساء تلفّ خمسة أرغفة بخرقة، تحني ظهرها وتسير مسرعة، ثم توقفت وسلمت عليّ:
-مرحبا آنسة.
-أهلا وسهلاً
-لم تعرفيني ! أنا فلانة . تركت المدرسة في الصف الثامن كي لا يتشرد إخوتي فأمي مريضة ، أعتني بها أيضاً . هل تذكرين عندما قلت لك أنني أكره الفقر. أخجل كثيراً عندما آتي لأشتري الخبز، في هذا الكان المزدحم أشعر بالذّل ، و أنه ليس لي قيمة ، ثم سألتني :أنسة ! هل أنت كردية حتى عاملتني بلطف ؟ مع أنني كنت مجتهدة ، فقط أنت من عرف ذلك. قلت لها: لا أدري لأية قومية أنتمي، لكن لا بأس ما دام الأمر يسرك فليكن .
رغيف الخبز في الثمانينات من القرن الماضي كان عزيزاً في الجزيرة السورية و التي يمكن أن تسد مجاعة العالم لو استثمرت . كان هناك خبز سهل الحصول عليه في الدكاكين وبسعر أغلى ، لا يستطيع تأمينه إلا قلة من الناس ، وقد كان الموظف محظوظاً ، رغم أنه عزيز كرغيف الخبز في الجزيرة فحتى معلميهم كانوا استيراداً من الساحل السوري إلا ما ندر.
ليس فقط تلميذتي من يخجل من الفقر ، بل أنا أيضاً أخجل منه، وجميع الفقراء يخجلون، مقولة أن الفقر ليس عيباً هي مقولة تخصّ غير الفقراء. هؤلاء الذين يمجدّون الفقر ، ويعتبرونه ميزة للتفوق الفكري هناك خطأ لديهم ، و الخطأ ليس فردياً بل جماعيّاً ، فعندما أرى صور وفيديوهات لشيوخ كبار ، ونساء مرهقات على وسائل التواصل أدير وجهي خجلاً، حجة من يلصقون تلك الصور و الفيديوهات، وبخاصة المحطات الفضائية إثارة الرأي العام هي حجة كاذبة، فالرأي العام الفاعل لديه ملفات كالة عن ما يجري وعن مآسي الشعب السّوري ، الشيء الوحيد المطلوب هو تحقيق الربح من قبل المحطات . . .
سوف أستشهد بمثال آخر : كان هناك عامل بلاّط ، عمل لدينا في المنزل، كان يبدو مختلاً ، وفيما بعد في موجة لجوء في الثمانينيات لجأ إلى هولندا ، وحصل على الجنسية ، أتى إلى سورية وقت أحداث القامشلي ، ومعه كاميرا حديثة. صوّر المظاهرات ، أمسك به الأمن، تدخلت الحكومة الهولندية ، وكانت تطالب به كهولندي، وفنان . كان مع الفقر مجنوناً، و أصبح مع الوفرة فناناً .



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطلوب من السّوري أن يتغيّر
- منقار البطّة
- ألكسي نافالني
- هل يجب أن يكون العالم بدون حدود؟
- رسالة تشارلز ديكنز حول الوباء
- العزلة الطّوعيّة
- التباكي على الضّحية
- يضيف الأدب قيمة إلى الحياة
- جنازة ديموقراطية في دولة دكتاتورية
- قضى هيرودس عقوبته ،وهو قادم
- دموع أمي -مترجمة-
- المثقّف و الثقافة
- همنغواي و الوباء
- يا ليل !
- قدرك هو الموت ربما
- لا مكان لك أيها السّوري بين المعارضة، أو الموالاة
- أيهما أفضل : الإغلاق ، أم عدم الإغلاق في ظل جائحة كورونا
- المدرسة العالمية لطبّ الذكورة
- ممن مذكرات امرأة متحرّرة -10-
- من مذكرات امرأة متحرّرة


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نادية خلوف - رغيف الخبز -يوم كنا عايشين-