|
ما العمل
سجى مشعل
الحوار المتمدن-العدد: 6787 - 2021 / 1 / 13 - 15:27
المحور:
الادب والفن
لم يحدث وأن أُطفأ إعدادات قلبه عن حبّ الجميع بَعد، ولم يفكّر ذات مرّة بأنْ ينسى ذويّه الحزانى، لكنّه وبالرّغم من مكابرته على آلامه، وبالرّغم من إصراره على أن يكون مُتّكَأ المكلومين فإنّه يحبّ بين الفينة والأخرى بألّا يهون ودّه، وبألّا يكون الطّرف المُبادر بالسّلام والإقبال، لم يحزن منذ مدّة طويلة ليس لأنّ الحزن غير وارد إنّما لأنّه تغاضى عن هذه الفكرة وتداعيها إلى ذهنه، وبأنّه يجب أن يتجاوز كثيرًا ويتجاهل أكثر حتّى لا يتعكّر مزاجه. الأيّام لا تكُفّ عن كونها أكثر صعوبة من ذي قبل، والأمور بادية للجميع مُتّضحة معالمها بِشدّة، فما العمل؟. نقف أمام ذواتنا ليلَة ليلة ولا نجد إجابات على تساؤلاتنا الكثيرة، ونُكابر على فواضح الشّعور الدّاخليّ، كانت الأفكار جبالًا شاهقة تصعد أدمغتنا حاجبة نور الشّمس عنها ومُقلّة إيّانا إلى أماكن تتقطّع أنفاس المرء فيها، ومرّة أخرى "ما العمل؟"، إنّ الّذين نُحبّهم يعانون أكثر منّا، وبصفتنا ضعفاء أيضًا نلجأ في كلّ مرّة إلى تضميد جراحهم قبل تضميد تلك خاصّتنا، لكنّنا لا نزال نبحث عن الإجابة، وعن ماهيّة كوننا مادّي يدي العون بادئين به. إنّ التّكتّم على الآلام وإخفاء مكنوناتها أمر جلل، وليس كلّ مُتألِّمٍ له جمهور حشيد، ذلك لأنّه يُسدل السّتائر على ظلمته ويعيش طقوسها وحده، وفي آخر النّهار يخلع وجهه المُستعار المُستيقظ طوال اليوم، ويجلس أمام المرآة يخلع بقيّة الملامح الّتي سكبَها على هذا القناع، حتّى يصل إلى منطقته الحقيقيّة، وقبل أن يأوي إلى الفراش يخلع كلّ الجلود الّتي غطّت برودة أطرافه، وَقِصَر يديه اللّتين طالما تحلمان بملامسة الشّمس ومُداعبة الرّيح، حتّى يصل إلى النّحاسيّة، ثمّ يصل إليه، يصل إلى ذاته. وبعد كلّ هذه المجهودات المبذولة حقًّا فإنّه جنديّ قويّ صاحب معركة عصيبة، يُلملم بعضه على بعضه ولا يتوانى في لحظة ما أن يواسي غيره ويطبطب عليهم بِخفّة ولدونة ودافعيّة كبيرة ليرى غيره سعداء، ومرّة أخرى "ما العمل؟". كان يُفضّل الموت على استظهار الضّعف، وذلك بسبب كون التّشكّي والتّبكّي ابتذالاتٍ للشّعور، وتصغيرًا من حجمه وتسخيفه، وكان يبثّ آراءه على أوراق مذكّراته، ينعى قلبه والآخرين ويكره المُتباكين مُبتذلي الشّعور، بالرّغم من كونه يمدّ يده للمحتاجين إلّا أنّه يعتقد بأنّ المُستظرين كاذبون أو مُحبّون لِلعب دور الضّحيّة، يُصدّق كثيرًا فكرة التّوجّع ويُكذّب بشدّة فكرة استباحتها، لم يستجدِ ذات يوم وصال أحد، ولم يحدث وأن اقترف ذنب ترجّي الحبّ وشفقة الشّعور، يؤمن بأنّ إعدادات حبّه داخل قلبه تجاه الجميع لا تنطفئ إلّا تجاه الكاذبين مُتسوّلي الشّعور، ذرف قلبه على هذه الصّفحة من مذكّراته ثمّ ذهب حيث يستطيع تتبّع وجهة ليله صوب أحلامه وهو نائم شبه مُستيقظ، ثمّ قال لنفسه ولنا: أكره التّباكي وابتذال الشّعور، وأمقُت على المرء كونه بكّاء على الملأ، كونه فاغرًا فاه أحزانه على العوامّ، وأستنكر بشدّة على الأشخاص ذرف الدّموع على حوافّ علاقاتهم بالنّاس بذريعة التّشكّي، وبذريعةِ البوح أو استدعاء التّعاطف _وهو من منظوري_ شحذ شفقة الآخرين عليك. إنّ شحذ العواطف على خلفيّة كونك شخصًا متألّمًا متوجّعًا تُعاني من شيء في قلبك ما هو إلّا أمر يثير الاشمئزاز لا الشّفقة، ولن يوصلك لأهدافك أبدًا؛ ذلك لأنّ النّفس البشريّة تسأم مَن يتذلّل أمامها راغبًا بأخذ شيء ممّن أمامه، ولأنّها دومًا ما تجذبها كرامة النّفس، وعزّتها، وهيبتها، ومُكابرتها على مكامن ضعفها، ولا يمكن أن تجذبها المَسكنة أو حتّى شحذ الودّ والرّغبات في التّسلّق إلى مُرادها من خلال تقبيل الأعتاب، أو تملُّق الشّعور والوِصال. لم يعرف المُتمسكن محور الآلام، الّذي لم يذق أحد ألمًا مثلما ذاق هو بأنّ العالم يستثقله وبأنّ الأنام يُديرون وجوههم عنه ليس لأنّه ناجح، أو محبوب، أو لأنّ فيه صفات إيجابيّة يجهلها العوامّ ويعرفها هو، بل لأنّه هدر نفسه، وكشف أوراقه، فَلم يعد أيّ مُتّسع لاستكشافه، فَملّ النّاس منه ثمّ وَلَّوا هاربين نافرين. وهكذا يُنهي الوحيدون ليلهم، يتسلّقون مجاز الشّعور واصلين إلى أنفسهم، يرفلون الآلام من تحت الفراش، ويشدّون الغطاء وينامون شبه مُستيقظين، دون أن يعرفهم أحد سوى اللّيل وأوراق الدّفاتر والكتب
#سجى_مشعل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايمان
-
المتطفلون
-
العب وحدك تيجي راضي
-
هناك-قصيدة
-
دون مماحكة
-
طوق النجاة
-
شقاق النفس
-
الضمير
-
في رحاب رواية المُطلّقة للكاتب جميل السّلحوت
-
إيجار القلق
-
نسيت
-
الثغر الباسم-اقصوصة
-
اللهم قوة
-
بائع بضاعته تالفة
-
الحبكة في نهاية القصّة
-
صوتي يتّجه صوبك
-
خفة دافئة
-
كاملو النقص
-
حنين
-
كي نحافظ على إنسانيتنا
المزيد.....
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
-
”أحـــداث شيقـــة وممتعـــة” متـــابعـــة مسلسل المؤسس عثمان
...
-
الشمبانزي يطور مثل البشر ثقافة تراكمية تنتقل عبر الأجيال
-
-رقصة الغرانيق البيضاء- تفتتح مهرجان السينما الروسية في باري
...
-
فنانون يتخطون الحدود في معرض ساتلايت في ميامي
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|