أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - خطوات في المساء














المزيد.....

خطوات في المساء


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 6781 - 2021 / 1 / 7 - 08:48
المحور: الادب والفن
    


كان المساء بعيدًا عن ظلّ خطواتي، لكنه لم يكن بعيدًا عن ظلّ شالي الذي عقدته في طرف حقيبتي بعد أن أنزلته عن رقبتي، ترنّح عن جنبي، قصر أحيانا وطال في أحايين كثيرة، سرتُ بجموح اللبؤة في طريق تؤدّي إلى شاطىء البحر، لستُ أدري لماذا خطرت على بالي جارتنا بهية، في طفولتي، كانت تعمل سجانة، وكانت قد اعتادت على عقد منديلها في طرف حقيبتها أيضا.
قالوا عنها امرأة غليظة، لأنها كانت كلما ركبت الحافلة، أخرجت الرّكاب عنوة من مقعد اتخذته بجانب النافذة، صرخت مرّة في امرأة هزيلة قاومتها، شتمتها ورفعتها عن المقعد وأقعدتها على الأرض، هي غليظة فعلا، لكنها كانت تحرص حين تمرّ الحافلة من أمام بيت ابنها على إلقاء كيس سكاكر من النافذة، وكانت تصيب الهدف دائما، وقد تعوّدَت أن تصرخ، وبأعلى صوتها:
- هذه السكاكر لحفيدي، إياكم والاقتراب منها! كانت السكاكر من النوع الرخيص جدا.

لنعد إلى الحاضر.
ظللتُ على الحال ذاتها أسبوعا كاملا، وأنا أبحث عن قطتي التي خرجت من بيتي ولم تعد، لقد كانت قطتي صمّاء.
مرّت بقربي حافلة، رفضتُ استقلالها حتى لا أشبه المرأة السّجانة، وآثرتُ الاستمرار في البحث عن قطتي سيرًا على الأقدام، قال لي أحد الصبية إنه شاهدها عندما توقفت فجأة في منتصف الدوار المكتظ، لم تعبر، عطلّت السير حين تسمّرت في مكانها، حتى أن أحد السائقين ظلّ يزمر لمدة طويلة، وقلّده بقية السائقين في ما فعل، امتلأ المكان بالزمامير والصفافير، ولم تخف قطتي، نزل أحد السائقين من مركبته وأراد ركلها بقدمه، صرخ وبصق عليها، ونعتها بالملعونة، ورغم كل ذلك بقيت مكانها.
قال الطفل:
- أشفقتُ عليها، وأردتُ مساعدتها لكنها هربت مني عندما اقتربتُ، هذه قطة معتوهة، ماذا تريدين منها، لو كنتُ مكانك لتخلصتُ منها واسترحت!.
سخطتُ عليه وقلتُ في سرّي، لا يستحق الأطفال السكاكر، حتى لو كان حفيدي، فلن أبتاعها له، لن أفعل كما فعلت السجانة بهية، ولن أتشاجر مع الركاب في الحافلة، ولن أنزلهم عن مقاعدهم، ولن أستحوذ على مكاني بالقوة، ولن ألقي كيسًا رخيصًا من السكاكر إلى أي مكان!.
لكنني بدّلتُ رأيي حالا عندما صرخ الطفل مبتهلا بعد أن شاهد قطتي على الرصيف المحاذي، قال لي:
- ها هي القطّة واقفة هناك، إنها هناك، حمدا لك يا ربي لأنك حميتها من الأذية.
هل حمد ربه فعلا وفرح بعودة قطتي؟ سألتُ نفسي، قلتُ، سوف أقتني له السكاكر التي تعجبه، إنه صبي نجيب.
عادت قطتي البيضاء بمعية قط جارتي الأسود، كان قد دلّها على الطريق وسلكا معا طريق البيت، تفاهما بلغة العيون وسارا بخطوات متوازية. يتوقف القط الأسود فتحذو حذوه، مثله، لقد قادها نحو الأمان، وعندما وصل إلى بيته، عرج على الحديقة، وبقيت هي على الرصيف، هزّ لها ذيله مودعا، لكنها توقفت مكانها وأخذت تراقبه، ماءت، فعاد أدراجه، ماء لها يطالبها بالاستمرار، فلم تصدر صوتا، لأنها لم تسمعه، كانت تحرص على ألا تفقده، فهو دليلها الوحيد الذي قادها مستخدما النظر.. كان المشهد مغريا!
التقطتُها، واحتضنتُها، فعادت الطمأنينة إلى قلبها. مالت نحو كتفي واسترخت. اندهش الصبي وبدأ يسألني أسئلة كثيرة، لقد انتابه الفضول حيال القطة التي تشعر بالشلل التام لأنها فقدت أهم حاسة لديها، وعندما طلبتُ منه الذهاب، قال محاولا إغرائي:
- لقد اقتنت لي جدتي اليوم أرنبا مصنوعا من الشوكولا، إن أردتِ يمكننا اقتسامه شريطة أن تبقيني في بيتك، أريد أن أعرف المزيد عن قطتكِ.
يا للهول، الطفل يغريني، يا لهذا الصبي، يشبه حفيد بهية السجانة، قلت له، لا أحب الشوكولا، أحب السكاكر الرخيصة، تلك التي بيعت قبل أربعين سنة، اذهب إلى بهية، وعد بكيس السكاكر قبل أن تلقيه من نافذة الحافلة...
ربّاه.. أعتقد أني بدأتُ بالهذيان!.



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنة 2021
- خطوات راسخة
- الحياة مستنقع
- تيفولي - ايطاليا
- من يافا إلى بيروت
- منطقة كانغرو بوينت
- فظاظة اللسان
- مش غلط أتذكر
- رحلة إلى جزيرة جيمس بوند - تايلاند.
- رحلة الهجرة، إصرار وواقع.
- حملت البومة الأمنيات
- رحلة إلى شلالات هوكا - نيوزيلاندا
- الساعة المقدسة
- الأقصر وأسوان وحِكَم أحيقار - سقطة برديات يمكنها أن تغيّر ال ...
- أقاوم النّوم بالنّعاس
- زِند طائِر البوم
- دينا سليم حَنحَن.. هجرة أسترالية فجّرت ينابيع الأدب
- كورونا عصر وزمان - نَبتَ الضّحك وخرج من قيده.
- بتعرفوا شو ؟
- جيل ضائع بين أهل الكهف والمجرات.


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - خطوات في المساء