أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - الحياة مستنقع














المزيد.....

الحياة مستنقع


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 8 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

ما زلتُ أنتظر حافلة آخر الليل وأنا في طريق المقبرة، أستنفذُ جميع قواي حتى أصل البيت، بعد أن كشفتُ خبايا عاهري الليل أثناء مغامرتي الهامة.
أعشق مسيرتي الأسبوعية الخاصة بي، مجنون بسيرة الرصيف، وصور المركبات المتعاقبة التي تدخلني في دوامة الصحو العنيد.
أتّبعُ خارطة خاصة بي، قدماي، أسير والوطاويط تتناوب على إيقاظ الأشجار الغافية في المقبرة الكبيرة.

سأحاول التخفيف من معاناة الساكنين داخلها، ببطء سوف أحرّك قدميّ اللتين بدأتا تتعاركان على الرصيف، تتخذان المصطبة طريقا لها، تطويان الخطوات على الشارع الرطب أحيانا، صعودا ونزولا من وعلى المصطبة الحافلة بالفراغ.
أحمل الراية الذاتية داخلي، أغمض عينيّ على الذكريات، وأتهم نفسي السكرانة بالسرور، وحيدًا وتائهًا، أعيش عمرًا فوق ركام الماضي، وأدّعي متفاخرًا:
- ها أنا في القمة الآن، وصلتها قبل أن يخبو العمر ويزول.

عمود الكهرباء الماثل أمامي، يشبه استقامتي في لحظة الانتظار فقط، إن حصلَ وخبا فسوف يصبح مثلي في هذه اللحظات.
خبت العمدان خلفي وأنا أترنّح بين الواحد والآخر، غارقا في دوّامة المشي، لا تنتهي الطريق، ولم تصلني الحافلة بعد، أنا بحاجة إلى خارطة توصلني إلى النوم الذي أصبح بعيدا عن جفنيّ المتآكلين، يغفوان ويصحوان للحظات.
لحظات فيهما تناول الخمر يكون لذيذًًا، الخمر الذي يرديني قتيلا بين دوّامة الأحلام ودوّامة اليقظة.

أرفض الاستيقاظ على خبر الأشياء، الأخبار تملؤني، وصياح المعذبين لم يعد على محمل الجد، أصطنع الجمال من الكأس، يحدّدُ ذاتي، ويدعني ألاحظ جمالية العالم، يجدّد وجود المكان، وإلقاء الضوء على الأحداث، يشبع جوع المعدة العقلية، لكنه يسلبني عيني الباحثة ونوازعي الأخلاقية، يقصّر صورتي الشامخة، ويقزّم من إرادتي المطلقة في تغيير الأشياء.
تتطلب إرادتي المزيد، أريد نسيان رائحة جواربي القديمة، أن أقوم بتأسيس روحي من جديد، أن أنسى النساء الخاويات، أن أُطمئن خفايا الليل لذكرى المكان، والأمر ليس عاديًا، ولا روتينيًا.
لا أريد أن أفقد كنزي الثمين الذي ادخرته من صواعق البلاد، وسواتر القتل، الجوع، الموت، القتل المتعمد، الظّمأ، الحروب، والنكسات المتكررة التي أعاقت ترميم شعبي، موطني، نفسي وحياتي.
لن أتكلم عن الخفافيش التي تركتها تجوب أعلى أسوار بلادي، فجميعها صارت تحب طيراني.

تبدّلت الخفافيش الآن، وصرتُ أركض تحتها من شجرة إلى شجرة، ربما أحظى بجزء من حيضها أو برازها، إنها إشارة الحظ القادم، الحظ في بلاد الهجرة.
ها أنا الآن طليق كالعصفور، أرى وأحرّك الأشياء حسب رغبتي. عندما وصلتُ إلى آخر محفظة كونية، واسمها أستراليا، بدأت أناور الحلم بالحلم، الحلم الذي سجلته سابقًا على مصطبتي الشخصية، شخوصي موجودة في الحياة، ومن الحياة ولدوا، عدا الذين ماتوا ولم يموتوا، أو الذين ماتوا وكأنهم لم يموتوا، أو الذين ابتاعتهم الأرض، ضاعوا، تاهوا، ضلوا الطريق، وكأنهم أبدًا لم يكونوا.

ها أنا أحمل أحلامي حتى الرصيف المحاذي للمقبرة، هربتُ وتركتُ صخرتي هناك، حيثُ لا أحلام، وحتى اليقظة منها، سلبوها مني.
أريد وصول غرفتي الخاصة، لأدثر ما بقي من أحلامي، ما أزال أحتفظ بأحلام سابقة، أحلام موجودة داخل رأسي التائه، يدعوني ضجيجها إلى البكاء، أنا أبكي مثل المطر المتساقط، عِزّة، وشموخًا، وتمردًا، أبكي بطريقتي الخاصة، ولن أؤجل الضحك إن غزاني، مثل قطرات المطر الناعمة المنهمرة على ظهري الآن، لن أبقى مسكونًا بالحزن.

وقفتُ في محطة الباص، نمرته تضاعف عمري الخمسين، ما تزال الأصفار تستحوذ على حياتي، لم تصل حافلة منتصف الليل، لن تأتي، إن وصلت فلن أصعد، لن أُصعِّد حياتي المضطربة معي داخلها، ولن أدع الرّكاب، أو السائق يلاحظون انهيار قلعتي.
وضعتُ إصبعي على نبضي العالي لقلبي، وقفتُ وليس كل الوقوف وقوفًا، استطعتُ الاستقامة، ضاعَ إصبعي، بحثتُ عنه من بين الأضواء الباهتة والمتناثرة هنا وهناك، وكأني أبحثُ عن خفايا الكون.
العالم يضيع، وضاع عالمي بين الأشياء الضائعة، هويتي مسلوبة، محطّم وجودي، يغزوني التفكير العميق بالشّرور ... أين اختفى إصبعي؟
مسكين، هو العالم عندما يتسامى مع عقلي، فأنا أملك جذورًا عميقة، تفكيرًا نقيًا، وحبًا عظيمًا له، لكنه لم يكتشفني بعد.

أشرب المطر السّاقط من أعبائي الثقيلة، تمنّيتُ لو احتفظتُ بالكأس الفارغ لأجمع القطرات داخلها، ظمآن أنا والمطر مالح، أرضي جافة، ألمسُ حبّات حقيقية، يقذف المطر قطراته داخلي، يتحكّم بزمني المجروح، وبحركتي، وبعقارب ساعتي، صرختُ في أعماقي، صرختُ كالمجنون:
- ما أجمل قدّاس المجابهة، ما أجمله! مع المطر فقط.
ما يحدث معي الآن، تواصل نقيّ وجميل، أرفع من كل الكائنات، إنه عمق الجبروت، عمق السعادة، عمق الحياة أن تنافس المطر بقوتك وحبك للحياة.
رقصتُ أمام الخط الأخير للطريق الطويل، أمام البيوت الساكتة، بيوت وكأنها قبور، السكون عدوى، ومن يلازم المقبرة يشتهيها.
احتفلتُ وحدي، سخرتُ من الفجر البائس، لم أسمع سوى نفسي الراقصة، كان صخبي جميلا، روحي عائدة من منبر الانتظار.

يغزو الفجر المكان، وها أنا هنا أحملُ راية الاكتشاف، تسللتُ إلى مخادع الآخرين والجميع نيام، ما أجمل رحلتي الليلية، بل أصبحت صباحية.
وبدأ نهار جديد، وانكسار جديد، وعبء جديد، عرجتُ إلى حيث توقّفت الحياة، ذهبتُ إلى من سبقونا، إلى هناك، إلى بداية النهاية، إلى المقبرة، تركتُ إصبعي، والمحطة الغافية، والرّصيف المبلّل، وأعمدة الكهرباء الصامتة.
لم أهتم لوصول الحافلة... ودخلتُ...



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تيفولي - ايطاليا
- من يافا إلى بيروت
- منطقة كانغرو بوينت
- فظاظة اللسان
- مش غلط أتذكر
- رحلة إلى جزيرة جيمس بوند - تايلاند.
- رحلة الهجرة، إصرار وواقع.
- حملت البومة الأمنيات
- رحلة إلى شلالات هوكا - نيوزيلاندا
- الساعة المقدسة
- الأقصر وأسوان وحِكَم أحيقار - سقطة برديات يمكنها أن تغيّر ال ...
- أقاوم النّوم بالنّعاس
- زِند طائِر البوم
- دينا سليم حَنحَن.. هجرة أسترالية فجّرت ينابيع الأدب
- كورونا عصر وزمان - نَبتَ الضّحك وخرج من قيده.
- بتعرفوا شو ؟
- جيل ضائع بين أهل الكهف والمجرات.
- حكاية البئر والراعي
- الطريق إلى حيث نريد ولا نريد – تايلاند.
- طفلة أيلول 1948 قصة حقيقة من قصص النكبة


المزيد.....




- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - الحياة مستنقع