أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - طفلة أيلول 1948 قصة حقيقة من قصص النكبة














المزيد.....

طفلة أيلول 1948 قصة حقيقة من قصص النكبة


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 6499 - 2020 / 2 / 26 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


طفلة أيلول 1948
قصة حقيقة من قصص النكبة

استعدت جميلة لاستقبال طفلها الخامس، تمنت عودة زوجها الذي فقد في النكبة حتى يحضن المولود ويأخذه بين ذراعيه، لم تتحقق الأمنية!

تفاقم وجع المخاض واستمر عدة أيام، أناف لديها الشعور بالغربة، حضرت أم فريد لمساعدتها، ممرضة متمرسة، أطلق عليها الأهالي لقب الأفرنجية، أشرفت في ذات الوقت على ولادة الجارة زهيدة، أنجبت الأخيرة توأما توفي أحدهم، انشغلت الأفرنجية بزهيدة مما جعل الجارة أم عامر المجيء لمساعدة جميلة.
ألقيت مشاق مهمة الولادة على ابنة جميلة البكر (أ)، غسلت حفاضات القماش من الدماء لاستخدامها مجددا، كانت بمثابة اليد اليمنى لأم عامر.
حضرت غالية بعد انتهاء عملية الولادة، أبدت شيئا من الامتعاض، عايرت جميلة، وبختها قائلة:
- ما خبرتيني بالمخاض قصدا حتى لا أقوم بتوليدك، لا تثقين بي، أنا موّلدة كل ولاد الحارة، لو أنا ساعدتك لإجاكي ولد مش بنت، بس يالله شو بدنا نقول، أم البنات أبدا ما بتجيب صبيان. سلام تعظيم يا أم عامر، تحفة والله، سرقتِ مني المهنة وعم تنافسيني عليها!
- في شغل كتير إلي وإلك، ما بعرف شو صاير بهالنسوان، حاملات بالدزينة، بس أعرف كيف ممكن الوحدة تعرف تحبل بهيك ظروف؟ أجابتها أم عامر.
قالت جميلة بانكسار:
- أنا أكثر منك كنت حابة ييجي صبي لرشدي حتى أفرحو، تخيلت هذه اللحظة كثير، أن أضع المولود واصف بين يديه!
- قديش إلك محضرة هالاسم؟ واصف الطفل مات وواصف جديد يوك(1)، ما في، لا إجا واصف ولا عاد رشدي! أجابت غالية.
- الله ما أطعمها، شو تعمل يعني؟ اتركي الولية في حالها عاد، هَم فوق هَم يعني؟ أجابتها أم عامر.
- راح يعود، لازم يعود! أجابت جميلة.

وضعت جميلة طفلتها الخامسة في غياب زوجها وغياب عائلتها التي عادت إلى الأردن واستقرت في السلط نهائيا، ولدت الطفلة (ج) في شهر أيلول سنة 1948.
تفاقم شعور الخيبة لديها، رددت القول دائما: ( يعني بعد كل هذه الخسارات ربنا ما قبل يعوضني بمولود ذكر يحمل اسم والده، ليش كل هذا العقاب وشو أنا عملت في حياتي، أتت الطفلة وجنت على والدها)!
انتظرت جميلة عودة زوجها بترقب مقيت، رصدت كل حركة صدرت ليلا أو نهارا، إن حصل وسمعت شيئا أوهمت نفسها بعودته، زعمت يوما أنها سمعت صوت خطواته عندما دنا من البيت وتردد الدخول، عاشت الوهم بكل أصدائه!
وقفت أمام أيقونة (الأويمة)(2)، صنعت من خشب عطري قاتم اللون، مالسة وناعمة، دهنت بمادة زيتية حفاظا، صلّت أمامها وطلبت من باريها بكل خشوع، احتفظت بالأيقونة دائما، جزء من ذاكرة جمعتها بزوجها رشدي، كان قد اقتناها من دمياط.
في يوم ما، في حرب حزيران، سألتني جدتي إن كنت شممت رائحة البخور المتسربة من الأيقونة، امتلأت المرأة غبطة ورجاء، أحست بالسعادة كلما انداحت الرائحة في البيت، قالت لي:
- هذه بقايا عطر.
- بقايا عطر من؟ سألتها.
- بقايا، عبق ذكريات تجمعني بجدك رشدي. أجابتني مرتاحة.
لم تصل الرائحة إلى أنف الطفلة خاصتي، حاولت الوصول إليها لكنني أخفقت، لازمت الصورة وشممتها من جميع زواياها، لم أتعرف على كنه الرائحة التي تحدثت عنها، عاشت جدتي الصفاوة رغم كدر الحياة وقسوتها!

...
(1) يوك: لفظة تركية، لا يوجد. (2) الأويمة: مهنة النقش في الخشب، تميزت دمياط في جمهورية مصر العربية عن غيرها في احتراف هذه الحرفة اليدوية.



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضة - حكاية تراث من السّلط
- شهادة إيميل وديع أبو منّه
- إراقة أول قطرة من دماء المسيح
- طابور الفرسان الأسترالي في بئر السبع - فلسطين.
- حلمي أبيض بنقاء جبال (بولير) فكتوريا
- رحلة صيد
- بُربارة ومعمودية
- بربارة ومعمودية
- عــيد لـِد - كنيسة الخضر في اللد
- لقد تبعثرت الأشياء في جميع دول العالم!
- صورة شاهدة على النكبة
- نصري رزق الله والحريق
- عروس ورصاص
- سرد أحداث حصلت
- سقطت المدينة وبقي البهلوان
- أنقاض مملكة ووجهة نظر أُميّة - الملك داوود نموذجا.
- تغطية لصدور الطبعة الثانية من رواية جدار الصمت للروائية دينا ...
- ذاكرة مكان - مدينة بريزبن
- التطهر الجسدي تقليد وتراث
- ربيع المسافات - الحلقة 13


المزيد.....




- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - طفلة أيلول 1948 قصة حقيقة من قصص النكبة