أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نائل الطوخي - دم بارد.. بعثرة الندوب في جسد الواقع















المزيد.....

دم بارد.. بعثرة الندوب في جسد الواقع


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1615 - 2006 / 7 / 18 - 12:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تظل الكتابة مؤجلة في نصوص المجموعة القصصية دم بارد للكاتبة الأردنية جميلة عمايرة و الصادرة عن دار ميريت، تظل مؤجلة حتي السطور الأخيرة من القصص، عندها تكشف عن نفسها و عن كمونها طيلة اللحظات السابقة في التأمل و قلب الأمور علي أوجهها المختلفة، لتنتهي بتسديدة دقيقة و قوية في عمق الهدف. تحاول الراوية في القصة الأخيرة من المجموعة كتابة شيء ما و لكن صفحتها تظل بيضاء. قبل نهاية القصة بأسطر معدودة تقرر الخروج إلي الشارع. تلبس قناعها و تتمشي وسط الناس، تراقبهم من خلف قناعها. هنالك يقابلها رجلها كما تسميه. تسأله إن كانت رأته من قبل. يخرج صوتها من المسافة بين وجهها و القناع. تقرر بدء القصة من هذه اللحظة، بعد أن تعود إلي مكتبها و تخلع قناعها. يبدأ الكاتب في كتابة قصته لدي انتهاء القارئ من قراءتها. القصة هي نصف ارتداء للقناع و نصف لخلعه، أو أن القناع يلتقط القصة و التخلص منه يكتبها.
سنجد هنا تيمة تتكرر في سائر قصص المجموعة. القصة هي لحظة تأمل طويلة، لحظة حيرة و تفكير في جميع الاحتمالات و لا يبدأ الفعل إلا لدي الانتهاء، و هو فعل مشقوق دوما، فعل يتراوح بين لبس القناع و خلعه. تتأمل الراوية جسد رجل يقف في العراء، جسدا مصلوبا لرجل، تريد معرفة ما مشكلته، برغم هذا لا تتقدم لاستجلائها، تقف في مكانها مترددة، يدوي في ذهنها خاطر مرعب، ماذا لو كانت هي، أثناء تأملها له، ظله الخاص، و هو يمارس عليها تأثيرا سحريا ما. في النهاية، عندما لا تتبقي في القصة إلا ما هو أقل من فقرة واحدة، تتقدم الراوية. تفاجئ بأن الرجل الذي أمامها تنقر العصافير رأسه دونه أن تخشاه كفزاعة، هكذا في نهاية القصة تنبني بسرعة مفاجأة اكتشاف أن الرجل هو فزاعة، و قبلها تكون حقيقة أخري سريعة قد ارتسمت، رجل تنقر العصافير رأسه دون أن تخشاه، هنا يظهر الوعي المشقوق: الرجل لا يفزع العصافير و هي لا تخشاه. هو يتخلي عن هويته كفزاعة في أثناء، أو حتي قبل، اتضاح هذه الهوية أصلا. خافت الراوية الاقتراب من الرجل، ليس لأنه فزاعة، و لكن للسحر الغامض الذي مارسه عليها، بينما فقد لدي العصافير، و هي جمهوره الأصلي، كل سحر.
مسيرة مناقضة لهذا يمكن أن نجدها في قصة تحكي عن امرأة واقفة خلف الباب. هي تريد الدخول إلي الشقة التي تلتقي فيها بحبيبها. الباب الموارب للشقة يثير شكوكها. يبدأ كل شيء في التداعي في ذهنها: ذكريات الحبيب و ذكريات أمها، و لكن الأهم من كل شيء هو رؤيتها أن ما بداخل الشقة، خلف الباب الموارب، هو متاهة، و أن شركا ما ينتظرها في الداخل. حبيبها يفترض أن يكون منتظرا لها في الداخل، و هي تشك في هذا، أو تدور بذهنها أسئلة حوله. هاهو جرح آخر يتكون في وعيها، بجوار جرح الباب الموارب، لا المغلق و لا المفتوح. في النهاية تقرر غلق الباب نهائيا، غلق الجرح المفتوح، غلق وسط الأشياء، بعد اكتشافها أن حبيبها الثوري صار هرما و يعلق ملصقات ترحب بالسلام، هنا تغلق الباب نهائيا و تخرج، تصير خارج الباب تماما، ليست أمامه و لا خلفه. محاولات غلق الندوب المفتوحة في الوعي و الذاكرة ليست كثيرة في المجموعة. ها هنا مجموعة تعيش و تخلق فنيتها علي بعثرة الندوب في الجسد الصحيح للواقع، لا محاولة رأب صدوعه.
تظهر الندبة الأكثر عمقا في القصة التي يحمل الكتاب اسمها. في دم بارد تتعقب الراوية خطوات رجل ما، ثم سرعان ما تتجاوزها الخطوات. هنا تسعي الراوية إلي السير وراءه الرجل الغامض. كل من بطلي المشهد هو مطارِد و مطارّد في آن. الراوية تريد السير وراء الرجل
لقتله علي ما يبدو. ما أن يخرج الرجل يديه من جيبه حتي تفرد سبابتها علي شكل مسدس و تطلق النار عليه. يسقط الرجل قتيلا، و تموت هي بعده. تبعته أنا، من فوري، لأغطس خفيفة كورقة في ظله المتكوم علي الجدار. بدأت أهدأ. و دمي، مثلي، أخذ يبرد. يظهر شق كبير ما بين كون الشخص هنا مطارِدا أو مطارّدا، قاتلا أو مقتولا، و ما بين فعل القتل الذي هو لعبة لا أكثر (هو يخرج يديه من جيبه و هي تفرد أصابعها علي هيئة مسدس، ليس هناك سلاح حقيقي و إنما محاكاة طفولية له) و بين الموت الحقيقي، الموت العاصف و المتبادل بين الرجل و المرأة التي تموت غارقة في ظله المتكوم علي الحائط.
هذا يحدث بشكل مشابه في القصة التي تفتتح المجموعة، قصة بعنوان الرهينة يتم تبادل الأدوار بسلاسة ما بين الجاني و الضحية، الراهن و الرهينة. من هذا التبادل تتضح ندبة ما، إذ ليس هناك جسر بلا جرح يمر فوقه. الراوية و مرآتها، و هي رجلها هنا، يمر بينهما جسر متين، هو جسر الاشتراك في المصير، و الواحد منهما يصبح قاتلا ثم مقتولا و العكس، بالضبط كما كان في القصة السابقة. الخوف هو الذي يطيل وقت الارتهان. الخوف من أن تموت و من أن تصير قاتلا هو الذي يحتفظ بتوازن الرعب بين بطلي القصة. التوازن الذي تم تحطيمه في قصة أخري، عندما تقتل الراوية رجلا أتي إلي شقة امرأة بالصدفة بدلا من حبيبها الذي خططت لقتله بعد اكتشافها خيانته لها. هاهنا السلاح في يد الراوية هذه المرة بلا منازع، بلا شبهة و لا ندوب، ولكن القتل لا يسير مباشرة إلي من خطط لقتله، إنه يسير إلي شخص آخر ألقاه قدره إلي نفس المكان. القصة هنا كرة يتنازعها رب الصدفة و رب التخطيط الطويل. إذ يرسل رب التخطيط رميته إلي رب الصدفة فتضيع تصويبته في هدف اعتباطي، و ما بينهما ينمو حياد بارد، حياد يؤكد أن هذه أشياء تحدث أحيانا، كما تكرر الكاتبة/ الراوية، سواء كانت هذه الأشياء التي تحدث أحيانا، هي سقوط النحلة أثناء تعلمها الطيران في مسلسل الأطفال زينة و نحول، أم انتظار امرأة لعشيق لم يأت، أم مقتل رجل خطأ من امرأة مغدورة تحركها شهوة الانتقام.
الذات في المجموعة هي ذات أنثي في الغالب، و هي أنثي عاشقة بالتحديد، غير أن تعبيرها عن هذا العشق هو ما يعطل أحيانا المجموعة عن الوصول إلي تسديداتها النهائية. و يبدو أن مشاهد الحب في المجموعة لا تهدف إلا لاستحلاب لذة الحكي، و هو ما يخفف قليلا من دموية المجموعة و شقوقها المتراكمة في الوعي، و ربما من فنيتها كذلك بعض الشيء. عندما تقرر الراوية أن تتخلي عن كونها عاشقة تندس في بيت سيدة الخريف لتراقبها، تصير حكاية سيدة الخريف هي الحكاية المروية هنا بينما الذات تصبح روحا لا أكثر. تراقب الراوية في البداية سيدة الخريف و تؤمن علي كلامها. هنالك الروحية المطلقة للراوية في مقابل الجسد المطلق لسيدة الخريف. سيدة الخريف لا يبدأ نومها من العين و إنما من جسدها، و بينما تطمس ثقوب ذاكرتها الصور، فإن الجسد ينشط لملء الفراغات. سيدة الخريف تصبح في فقرة ما هي سيدة الأنصاف كذلك. نصف المرتجفة نصف النائمة نصف المنصتة، و الروح التي تراقبها تساعدها في تنمية ردود أفعالها. تضحك السيدة. أضحك أنا، تقهقه عاليا. في هذه القصة بالتحديد ينتقل مركز الثقل من ضمير أنا إلي ضمير هو، تتخلق قصة غريبة عن المجموعة لأن الأنا الجديدة، الأنا التي تراقب، لا المغدورة و لا المنتقمة، هي أنا محدودة قدرتها علي إصدار القرارات، علي الفعل، و إنما ترتكز علي شرعية أخري هي شرعية صياغة الحكاية. تحكي لنا الراوية عن أسطورية سيدة الخريف، عن حياتها و جسدها، و في إطار هذه الحكاية تخلق فنيتها. ليس هنا من صدع و لا من محاولة لرأبه، و إنما كتابة تعلي من أسطورة الجسد الخريفي ، الجسد الذي يذوي، و هو برغم ذلك الجسد كلي المقدرة و ذو الأبعاد المترامية، ليدخل في هارموني مع روح خالصة، روح تخلصت من أرضيتها في هذه القصة فقط، برضا تام، لترضي بدور الناقل المغالي في إعجابه بكل سكنات السيدة الإلهة، الأربعينية الشبقة، و التي هي وجه آخر، أكثر أسطورية ربما، للأنا في القصص السابقة، حيث الأنا الشبقة هي الامتداد الأكثر منطقية للأنا القاتلة و للأنا التي تجرح الواقع بسكينها لتظهر من خلفه نموذجا مهترئا له، هو النموذج الذي ينبغي أن يكون.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كرنفال الكرة و الادب على ناصية العالم
- بلدوزر.. تجار حشيش و مقابر.. تاريخ ملاحقة الكتاب الرخيص
- أدب المتدينين في إسرائيل و شيطنة الآخر
- يرسم نفسه، يكتبها، و يهدي فنه للعالم، مرايا الفنان بيكار
- فيروز و الرحابنة.. صوت عصي على الوصف و مسرح يعري النزاعات و ...
- كأس العالم.. إن شاء الله.. القضية الفلسطينية على الجدار العا ...
- عن تشابه الأحذية برغم كل شيء، حذاء الجيش و حذاء الباليه
- شاعر إسرائيلي: تصوروا أننا نقتل و خلاص! تصوروا أننا أشرار جد ...
- كومبارس الكتابة و الثورة المؤجلة
- ميتاعام.. الوقوف على نقيض الحفل التنكري الإسرائيلي
- كتب السوبر ماركت.. عمارة يعقوبيان بجوار اللانشون و الشامبو
- مينا.. جسر أدبي من الإسكندرية لنيوأورليانز
- بين رسم الحدود و تمزيقها.. علاء خالد و أمكنة للتسامح
- إميل حبيبي.. فلسطيني منفي عن إبداعه
- الاديب الاسرائيلي أ. ب. يهوشواع ليهود أمريكا: لسنا منكم
- كيف اختفى القبطي؟ و لماذا لم نشعر به عندما ظهر.. صورت الأقبا ...
- قاسم حداد و فاضل العزاوي في القاهرة, إلهان, واحد للحكمة و ثا ...
- الاستقلال اليهودي و جراح النكبة
- ردا على الرسوم الدانماركية.. مسابقة إسرائيلية لأفضل الكاريكا ...
- الفلسطينيون الخارجون من سجن أريحا ..حاولت إسرائيل تعريتهم فأ ...


المزيد.....




- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعتقل 4 مواطنين و9 إثيوب ...
- اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون -خدعة- أو مقدمة لحرب مدمرة
- بسبب استدعاء الشرطة.. مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للت ...
- روسيا تستهدف منشآت للطاقة في أوكرانيا
- الفصائل العراقية تستهدف موقعا في حيفا
- زاخاروفا: تصريحات المندوبة الأمريكية بأن روسيا والصين تعارضا ...
- سوناك: لندن ستواصل دعمها العسكري لكييف حتى عام 2030
- -حزب الله-: مسيّراتنا الانقضاضية تصل إلى -حيث تريد المقاومة- ...
- الخارجية الروسية: موسكو تراقب عن كثب كل مناورات الناتو وتعتب ...
- -مقتل العشرات- .. القسام تنشر فيديو لأسرى إسرائيليين يطالبون ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نائل الطوخي - دم بارد.. بعثرة الندوب في جسد الواقع