أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - درب غلف














المزيد.....

درب غلف


عبدالله مهتدي

الحوار المتمدن-العدد: 6751 - 2020 / 12 / 3 - 23:19
المحور: الادب والفن
    


خبر سار هذه الليلة...
سأحتفل بذكرى غالية ،أنا الآن أسعد مخلوق في الكون ، عثرت عليه صدفة ، في حقيبة مليئةبالذكريات ، مسحت عنه غبار الماضي ،كاني ألمع صلعة أبي ، عانقته كأي شخص أكن له الكثير من الود ، وبكثير من الأدب والفلسفة سمرته على لوحة ، وعلقته كعمل كولاج فاخر من الزمن الغابر الظاهر، كدت أبكي وأنا أتمعن في بهائه ، كلما تحركت النوستالجيا بداخلي وقفت أمامه وأديت له التحية :
- بونجورنو مون كاماراد
ثم أخذت نفسا عميقا وأنا أشمه ....ياه ...أللحداء كل هذا السحر ؟؟؟
لن أكون ناكر جميل ، فهذا الحداء قطعة أثرية بكل ما في الكلمة من معنى ، بل أكثر من ذلك ، مناضل طبقي ، بلغة الرفاق، ناضلنا معا أيام الزلطة ، قطعنا دروبا كثيرة ،كان مشاء بارعا لا ينازعه في ذلك سوى سقراط ، كبير المشائين الذي علمهم السحر، لا يأبه لمسامير الميدة ، ولا لمسامير الكيف ، حتى المزرار لا يثنيه عن المهمة الالهية التي خلقها الرب له ، أن يحمل الأقدام إلى حيث يشاء دون أن يهزها الماء ،أو يضربها الضوء...لن أنسى حين شمل قدماي بكل العطف والحنان بعد سنوات من القحط ، لم يتبرم من رائحة "جيمس السوداء" ، خنينيزة بلغة الشارع التي لم ينفع معها شيء ،بالله عليكم.... من لم يلبس في صغره "جيمس السوداء" ليس بشخص قح ، أي بلدي ، حرش ، ولد الزنقة ، ولد مالة والكالة ، ولد زدينيفري وحابة وقاش قاش، ولد الضس، أتعرفون ..كدت أفقد عقلي وأنا أحلم بأني نسيته مع قدماي في حديقة عامة ، طاح لي الديجانكتور واسودت الحياة في عيني، و في ركن المتغيبين أعلنت خبر الفقدان وأنا أرمي غيابه بالكثير من الورد :
- حداء بمقاس 52 ، أسود مائل إلى السواد ،على مشارف السنوات التسع ، لكن بصحة جيدة ، مع ثقب في المؤخرة ، يعني الطالون ، وغير صالح للإستعمال لذوي القلوب الضعيفة وللذين لا يحافظون على الوضوء...
أنا إنسان عاطفي إلى حد التهور ، وذو قلب رطب ، ولا يهمني إن شبهتم حدائي برأس تمساح أو بوصلة خبز كبيرة ، أو حتى بصاروخ كروز....
أما حكايتي مع طاقم الاسنان فحكاية غريبة نوعا ما ، وتستحق القراءة ،
كنت أعتقد اني بمجرد تركيبه على فمي ، سأضع حدا لمشاكلي مع الطحن والعلف ، فالإنسان في النهاية هو طاقم أسنان، آلة الطحن الرهيبة، لكن هيهات...كانت فضيحتي بجلاجل كما يقول المصريون ، حين اكتشفت أني لم أركب طاقم أسنان ، بل فما آخر ، فما بكامل عدته ، الطحن والعلف والشتم وتخراج كلام العيب ، هكذا صرت أقف طويلا أمام المرآة ، أتأمل هذا الكائن الغريب الذي سكن رأسي ، أحال وجهي إلى مكعب ثلاثي الأبعاد ، لم أعد أعرفني إلا بمشقة الأنفس، كلماتي صارت تخرج مثل بقبقة غريق في بالوعة مياه عادمة ، كان لساني يتدلى عن آخره ،وأنا أضحك أو أتظاهر بالبكاء ، وكان فمي يمضغ الكلمات عوض أن ينطقها كما اعتاد ...
أتذكر يوم اشتريته بالكثير من الحنق ، كنت قد أصبحت أدردا بفعل لكمة أحدهم ، جعلتني أرى النجوم في السماء ، وأحسب أسناني على الأرض، أصبح فمي مثل كرة مفشوشة ، ومع نقص فضيع في العلف أصبت بمرض شائع ، بوهيوف ، يسمونه أيضا الهيمري، عيناي دخلت في رأسي ، ومصاريني لصقت على بعضها ،أصبحت خفيفا على وزن الريشة، ولأني إنسان مزلوط ، فكرت في درب غلف ، هناك يمكن أن تشتري أي شيء ، أصابع مستعملة نسيها صاحبها معلقة في دولاب أصبح خارج الخدمة ، وجه فقد ماءه ، لكن يمكن استعماله في حملة انتخابات مليئة بالبؤس ، جبهة مقزدرة ليس لها شيء تخجل منه ، عين ميكة لا زالت صالحة للتبركيك ، ربما كانت لمقدم حي من الأحياء واضطر لبيعها من أجل سداد دين ، أدن مليئة بالأخبار ، قد يكون صاحبها قد أحيل على التقاعد بسبب نقص في السمع ، أو خلط في التقارير ، رأس بدمه وشحمه، رجل فقدها صاحبها في مظاهرة ، يد تجيد اللطم والتصرفيق ، باعها رجل قمع من أجل قارورة نبيذ يدفئ بها برد الندم ، وحتى طاقم أسنان ، لم يعد على مقاس أحدهم...
نقدت بائع أطقم الأسنان في درب غلف ، كان يبدو لي من خلال فكيه الغير متناسقين ، أنه هو الآخر قد ركب طاقم أسنان مستعمل ، كتمت ضحكتي وأنا أفكر بأني سأصير مثله بفكين عريضين ، عرجت على صانع مفاتيح ، أطرى على فمي الجديد وهو يركبه ، حتى كاد يقول عنه ما لم يقله أبو نواس في الخمر ، في الطريق كنت أسمع أصواتا صادرة من فمي ، طبعا لم أكن أنا الذي يتكلم ، صرت أطوي الخطو كي أصل الشقة ، هناك تسمرت أمام المرآة أنصت للأصوات المنبعثة من فمي ، كانت شيئا من اللغة الصينية، أو هكذا هيئ لي، حتى شهيتي في الأكل انقلبت رأسا على عقب ،صرت أحس برغبة جامحة في أكل بوبريص أو ما شابه ذلك من الزواحف والحشرات.....
كان يلزمني سنوات عديدة لأروض هذا الفم الجديد ، بل لقد فكرت مرارا عديدة في رميه ، إلى أن عدلت عن الفكرة بعدما سمعته في نشرات الأخبار ، عن انتشار تجارة الأفواه المستعملة ، وعن حكايات أشخاص مع أفواههم تشبه حكايتي.. أنا الآن لا أحدثكم عن طاقم أسنان ، بل عن فم بكامل عدته ، وعن عملية غش مثقنة تعرضت لها في درب غلف ، كلفتني الشيء الكثير ، الإصابة بأمراض القولون وبومزوي ، ثم الحلاقم وضيق في الرؤية ، كنت مع كل ذلك مضطرا للعودة إلى نفس السوق مرات عديدة ، من أجل شيفرة فمي الجديد ، دون أن أنسى عملية المغربة التي خضعت لها بعد أن اضطررت لتغيير لا كارط مير في رأسي ، حتى أستطيع أن أرسم ضحكة على وجهي بعينين ضيقتين...



#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في -سيرة المهجرين بين الأسماء- ل -عبدالرحيم ناصيف ومصط ...
- -غنو-
- موريزكو
- ابنتي تعاني بسبب الحجاب
- استغلال -المقدس- لإرتكاب -المدنس-
- ستصير مفخخا كالألغاز
- الحانة
- عبلة
- لترقد بسلام وسكينة
- الذين رأوا كثيرا فصاروا عميان
- مثل شيء يشبه الغرق
- أنا لا أكتب لأحد
- التي كتبت رسائلها بنول الغياب
- حين تعمى المشاعر وينهض الوحش القابع في الاعماق قراءة في رواي ...
- كخيط الريح
- خارج السياق
- الظل
- سقوط
- هدنة ما
- مجرد أسئلة حول حملة المقاطعة


المزيد.....




- اغنية دبدوبة التخينة على تردد تردد قناة بطوط كيدز الجديد 202 ...
- الشعر في أفغانستان.. ما تريده طالبان
- أكثر من 300 لوحة.. ليس معرضا بل شهادة على فنانين من غزة رحلو ...
- RT العربية توقع اتفاقات تعاون مع وكالتي -بترا- و-عمون- في ال ...
- جامع دجينغاربير.. تحفة تمبكتو ذات السبعة قرون
- حملة ترامب تطالب بوقف عرض فيلم -ذي أبرنتيس- وتتهم صانعيه بال ...
- ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي
- فنانو مسرح ماريوبول يتلقون دورات تدريبية في موسكو
- محاكمة ترامب.. -الجلسة سرية- في قضية شراء صمت الممثلة الإباح ...
- دائرة الثقافة والإعلام الحزبي تعقد ندوة سياسية في ذكرى النكب ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - درب غلف