أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - القفص الزجاجي














المزيد.....

القفص الزجاجي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6746 - 2020 / 11 / 28 - 14:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عن العبث والحرية
١٠ - العبث النسبي
سارتر يرى أن رواية الغريب لا تشرح شيئا ولا تقدم مبررات أو تفسيرات لأي شيء، إنها فقط وصف كلينيكي لحالة " العبث " أو هذا ما أراده كامو وصرح به في عدة مناسبات. فهو يفرق بين العبث كإحساس وشعور وتجربة وجودية معاشة وبين العبث كمفهوم نظري وفكرة محددة، قابلة للفناء ومتمردة في نفس الوقت. وهو يقدم هذه " الفكرة " ليس بالوسائل العقلية المتعارف عليها، الفكر المنطقي المتسلسل، وإنما في عمل فني - رواية - أو نص سردي مستخدما " الصورة " بدلا من الأدوات الدلالية، ثم فيما بعد ترجم هذه الرواية في عمل فكري ونظري هو " أسطورة سيزيف - le Mythe de Sisyphe " -١٩٤٢ - الذي نشر بعد الغريب بعدة أشهر. الحياة الأكثر عبثية يجب أن تكون الحياة الأكثر فقرا والأكثر عقما، حيث يحيا الإنسان في سلام مطلق مع نفسه ومع العالم ولا شيء يمكن أن يخلخل رتابة أيامه المتواصلة دون رابط بينها، العبث هو التكرار والرتابة ويبدو نقيضا لمفهوم العرضية la contingence عند سارتر. والعبث غريب أيضا عن فكرة وأحاسيس القلق، والإنسان العبثي هو المناقض الموضوعي لنمودج مثل كافكا الذي يرى العالم مليء بالإشارات والألغاز والرموز التي تؤرقه ويحاول فهمها مهما كانت عبثية هذه المواقف، كما هو الحال في رواية المحاكمة وفي القصر. ميرسو لا يبحث عن معنى الأشياء، إنه يحيا حياته كحجر في قاع بحيرة، فقط ممتلئا بالكينونة حتى النخاع، بهدوء قاتل في قلب العاصفة، وكأن هناك حاجز زجاجي سميك يفصله عن نفسه وعن هدير الحياة. وفي أسطورة سيزيف يذكر كامو أمثلة للعبث " البشر أيضا يفرزون اللابشري. ففي بعض ساعات التجلي، يجعل مظهر حركاتهم الآلي - تشخيصهم الإيمائي الخالي من المعنى - كل ما يحيط بهم أحمقا. ثمة رجل يتكلم بالتلفون خلف حاجز زجاجي؛ إننا لا نسمعه؛ ولكننا نرى إيماءه الذي لا يتوجه إلى شيء : فنتساءل لماذا تراه يعيش ". سارتر يرى أن هذا الموقف لا يمثل العبث المطلق الذي يعنيه كامو، وإنما نوع من العبث النسبي، أو الموقف العبثي نسبيا Relativement absurde لأنه ينتمي إلى نوع من الدوائر الغير متصلة أو المقطوعة، مثل دائرة كهربائية غير متصلة، وإذا أزحنا الحاجز الزجاجي واستمعنا إلى صوت الذي يتكلم وفهمنا ما يقوله فكأننا أرجعنا الإتصال لطرفي الدائرة الكهربائية، ويعود المعنى ليضيء الموقف بكامله ويصبح مفهوما بطريقة عقلية ومنطقية. وسارتر يرى أن كامو وضع هذا الحاجز الزجاجي في صورة " ميرسو " ذاته. فهو الذي يجعلنا نرى الحياة والشخصيات المحيطة به والعالم الذي يعيشه من خلال نظرته اللامبالية، نرى ما يعيشه دون أن نستمع إلى ما يقوله، ينقصنا معنى الموقف بكامله، ميرسو هو هذا الفلتر الذي نرى من خلاله الأشياء والأحداث ويمنعنا من إدراك المعنى لهذه الأشياء والأحداث. هذا هو ما يمكن تسميته بالعمل الفني، وهذه هي الميزة الأساسية والقيمة الحقيقية لهذه الرواية. إنها عمل فني أراد الكاتب من خلال إستعمال الخيال خلق مواقف غير حقيقية وشخصيات وهمية ليتمكن من وصف الأحداث من الخارج بدون أن يربط بينها بأي رابط سيكولوجي أو إجتماعي. كما لو أننا أردنا أن نصف مباراة لكرة القدم قائلين بأن مجموعة من الناس يلتقون على ساحة خضراء من العشب ويجرون وراء شيء أو جسم كروي الشكل يحاولون ضربه وتحريكه بأقدامهم، فيسقطون وينهضون ويتنازعون الكرة ويواصلون الجري طوال الوقت داخل هذا المستطيل الأخضر. الوصف حقيقي ودقيق ولكنه غير كاف لإعطاء الفكرة عن الموقف لمن لا يعرف ماهي كرة القدم، ذلك أننا نسينا قواعد اللعبة وهدفها النهائي وهو تسجيل الأهداف. يصنف سارتر هذا العمل ضمن ما يسميه بـ "العالم التحليلي للواقعيين الجدد - le monde analytique de néoréalistes " فالطريقة التحليلية التي لجأ إليها كامو، أي تحليل الواقع إلى مجموعة من اللحظات المتلاحقة والمستقلة دون رابط بينها، لحظات الحاضر المتواصل بدون إنقطاع، بدون عودة للماضي ولا استشراف للمستقبل، هو الذي فرض عليه إستعمال أسلوب "همنجواي" أي الجمل القصيرة المتقطعة والمنفصلة بدون رابط بينها، مثل الوحدات الزمنية، كل جملة هي جزيرة منعزلة عن العالم السابق ومنفصلة عن العالم اللاحق. بين كل جملة وجملة هاوية من العدم.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- براءة الغريب
- الطفو على سطح الأحداث
- المحاكمة
- ميرسو وإغتيال الشمس
- ميرسو - اللامبالي
- المسامير والعودة المضنية
- الغريب .. والسرد العبثي
- نهاية كامو العبثية
- ألبير كامو وأسطورة العبث
- عن الحرية والعبث
- فردة الحذاء والكورونا
- عدو الوطن
- جففوا المطر
- تحب تفهم تدوخ
- الشاعر لا يحب الأزهار
- الله غني عن الكينونة والوجود
- الله والخياط
- قط شرودنجر
- التمرد على الكلمات المتشيئة
- بين الكلمة والصورة


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - القفص الزجاجي