أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نهاية كامو العبثية















المزيد.....

نهاية كامو العبثية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6725 - 2020 / 11 / 6 - 14:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عن العبث والحرية
٠٣ - النهاية العبثية
أفكار ألبير كامو النظرية لخصها في كتابين هما - أسطورة سيزيف - Le Mythe de Sisyphe-1942 بخصوص العبث، والمتمردL Homme révolté-1951، الذي انتقذ فيه بشدة فكرة الثورة والنضال الطبقي والذي يدعو فيه إلى الحل الوسط، وهو التمرد الميتافيزيقي أو الفكري. ويتخذ كامو من أسطورة سيزيف رمزاً لوضع الإنسان في الحياة ويعتبره ممثلا للبطل العبثي. وسيزيف هو هذا اللامنتمي الإغريقي الأسطوري الذي استخف بالآلهة وحكم عليه أن يصعد بصخرة إلى قمة جبل، ولكنها ما تلبث أن تسقط متدحرجة إلى السفح، فيضطر إلى إصعادها من جديد، وهكذا للأبد. وكامو يرى فيه الإنسان الذي حكم عليه بالشقاء بلا جدوى، وقُدّرت عليه الحياة بلا طائل، وليس أمامه سوى الهروب من قدره فيلجأ إما إلى موقف شوبنهاور المتشائم : فطالما أن الحياة بلا معنى فلنقض عليها بالموت الإرادي أو بالانتحار،غير أن أبطال اليونان نادرا ما يلجأون للإنتحار، وإما إلى موقف المثاليين الشاخصين بأبصارهم إلى حياة أخرى أعلى من الحياة، وهذا هو الانتحار الفلسفي ويقصد به الحركة التي ينكر بها الفكر نفسه ويحاول أن يتجاوز حدوده في نطاق ما يؤدي إلى نفيه. والحل الآخر هو موقف التمرد على اللامعقول في الحياة مع بقائنا فيها غائصين في الأعماق ومعانقين للعدم لأننا "نتعلم الحياة قبل أن نتعلم التفكير". وهذا التمرد- الفكري - هو الذي يضفي على الحياة قيمتها ومعناها الحقيقي. غير أن هذين الحلين ينخرهما نوع من التناقض الأصلي، ذلك أنه في مواجهة العالم الذي لا معنى له، تتجاذبه فكرتين متناقضتين، التمرد أو القبول. على عكس سيزيف الذي يتم تقديمه عادةً في الأساطير بكونه بطلا تراجيديا، يرى كامو أنه "يجب أن نتخيل سيزيف سعيدًا"، حيث يجد سيزيف سعادته في "قبول" وإنجاز المهمة التي يقوم بها وليس في "معنى" هذه المهمة .. " سيزيف يعلمنا الأمانة المثلى التي تنكر الآلهة وتزحزح الصخور. وهو الآخر يحكم بأن كل شيء حسن، فهذا العالم الذي يغدو منذئذ بلا سيد له : لا يبدو يبابا في نظره أو سرابا. إن كل ذرة من ذرات تلك الصخرة، كل بريق معدني في ذلك الجبل الغارق في الظلام، إنما يشكل في حد ذاته عالما. وأن النضال نفسه لبلوغ القمة يكفي لكي يفعم قلب إنسان. وهكذا ينبغي تصور سيزيف سعيدا" هكذا تنتهي أسطورة العبث عند كامو، فهو لا يدعي للتمرد كما أنه لا يعتقد بـ"أمانة" بعبثية الحياة، لأنه يدعو لقبول العالم كما هو.
بالإضافة للزوبعة الناتجة عن نشر كتابه "الإنسان المتمرد" سنة ١٩٥١، والذي سنعالجه بالتفصيل لاحقا، تضاف فضيحة أخرى تلطخ سمعة كامو الإنساني، وتصل ذروة المنتقدين أوجّها مع تصريحاته التي تلت نيله جائزة نوبل للأدب (1957)، حيث أجاب على سؤال يتعلّق برؤيته لحرب التحرير التي كانت تدور في الجزائر، بالقول : " أدين الفظاعات الممارسة، وأدين أيضاً العنف الحاصل في شوارع الجزائر. هذا العنف قد يُصيب ربما أمي يوماً ما. أنا أؤمن بالعدالة، لكن بين العدالة وأمي، سأختار أمي ". وهو نفس الخيار الذي واجه "المتمرد" بخصوص الحرية والثورة، أي بين الحرية الفردية والعدالة الإجتماعية. وقد واجه نقدا صارما من السورياليّين وبالذات أندريه بروتون الذي كتبَ يقول: "ما هذا الشبح المسمّى تمرُّداً والذي يُحاول كامو الوثوق به، ويحتمي وراءه، ويُسوِّغ تمرُّداً هو عنده مَدخل "الاعتدال"؟ ما الذي يتبقّى من التمرُّد بعد أن نُفرغه من جوهره الانفعالي.. لا ريب عندي أنّ كثيرين سوف يخدعهم هذا الدهاء. فهذا أسلوب تُبقي فيه على الكلمة بعد أن تُفرغها من مضمونها ذاته". غير أنّ الهجوم الأشدّ شراسة جاء من أحد أصدقاء سيمون دو بوفوار Simone de Beauvoir، الأميركيّ نيلسون Nelson Ahlgren ، الذي كتبَ مقالةً في مجلّة "الأزمنة الحديثة" ينتقد فيها "سلبيّة" كامو، وانسلاخه عن التاريخ، وعدم إدراكه للقيمة الحقيقيّة للبنى التحتيّة كما وضّحها كارل ماركس.
لقد عاش ألبير كامو مثله مثل العديد من المثقفين، حياة المثقف البرجوازي في باريس مندمجا في بيئته الإجتماعية، بين الفنانين والأدباء والشعراء، ولم يكن أحد ينتظر موته المفاجيء بطريقة تراجيدية. فقد قضى ليلة رأس السنة ٣١ ديسمبر ١٩٥٩ مع زوجته وأولاده وأصدقاءه في في بيته الكبير الذي اشتراه منذ سنتين في قرية Lourmarin التي تقع في إقليم Le Vaucluse في مقاطعة Provence-Alpes-Côte d Azur في الجنوب الشرقي من فرنسا. وللعودة إلى باريس، ترك زوجته وأطفاله يأخذون القطار، وقرر هو أن يصاحب رفيقه ميشيل غاليمارMichel Gallimard، إبن أخ ناشره المعروف غاستون غاليمار Gaston Gallimard في سيارته Facel-Véga، وكان معهم في السيارة زوجة ميشيل، جانين Jeanine وكذلك آن Anne زوجة إبنه، وكانتا في المقعد الخلفي للسيارة، وميشيل كان في مكان السائق وألبير كامو بجانبه. لقد غادروا للتو قرية سانس Sens، في ٤ يناير ١٩٦٠ حيث توقفوا لتناول طعام الغداء في فندق يسمى هوتيل باريس والبريد l Hôtel de Paris et de la Poste، وكانت الساعة تقارب الثانية بعد الظهر وعند الكيلومتر ٨٨ فقد ميشيل فجأة التحكم في السيارة، ربما نتيجة إنفجار إطار السيارة الخلفي، وبدأت تذهب يمينا ويسارا ثم انقلبت عنما اصطدمت بشجرة أولى ثم بشجرة ثانية، والتي مزقت مقدمة السيارة بالكامل، وقذف بالمحرك لمسافة تزيد عن 30 مترًا ... صدمة مروعة، سرعة بالضرورة مفرطة ... تم قذف جميع الركاب من السيارة لقوة الصدمة باستثناء ألبير كامو الذي قتل على الفور وقضت الشرطة ساعتين لإخراجه من حطام السيارة. وقد وجدوا في جيبه تذكرة القطار الذي كان من المقرر أن يأخذه مع زوجته وأطفاله إلى باريس. ميشيل غاليمار، الذي أصيب بجروح خطيرة، توفي في المستشفى بعد أسبوع. أما جانين وآن، فقد أصيبتا بجروح طفيفة ونجيتا من الحادث، كلب غاليمار الذي كان أيضًا في السيارة من ضمن الركاب فلم يتم العثور عليه ... وعلى الرغم من أن "كامو" لم يكن يقود السيارة وقت وقوع الحادث، فقد كان يفترض أنه يدرك أن السائق، وهو ابن ناشره، كان من المهووسين بالسرعة فى القيادة - التحقيق قدر سرعة السيارة أثناء الحادث بـ١٨٠ كيلومتر في الساعة، ولذلك فقد رأى البعض في الحادث بعض الإشارات والإيحاءات تجعله أشبه بعملية انتحار، أو على الأقل التقرب من الموت ومعاينته عن قرب، وكان من الضروري أن تعود التكهنات، التى أثيرت حول الحادث إلى موضوع الانتحار فى أعمال الكاتب " ليس هناك سوى قضية فلسفية جدية حقا : ألا وهي الإنتحار" كما يقول في بداية أسطورة سيزيف. ومن ناحية أخرى هناك من يدعي بأنه حادث منظم لإغتياله من قبل المخابرات الروسية، نظرا لهجومه الشرس على الإتحاد السوفييتي في ذلك الوقت وتنديده بالمحاكمات الستالينية. وقد دفن في قرية لورماران ورفض إبنه، سنة ٢٠٠٩ أن ينقل جثمانه إلى الـ Panthéon في باريس حيث يرقد كبار أدباء فرنسا.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألبير كامو وأسطورة العبث
- عن الحرية والعبث
- فردة الحذاء والكورونا
- عدو الوطن
- جففوا المطر
- تحب تفهم تدوخ
- الشاعر لا يحب الأزهار
- الله غني عن الكينونة والوجود
- الله والخياط
- قط شرودنجر
- التمرد على الكلمات المتشيئة
- بين الكلمة والصورة
- وتبعثرت قشور الليل
- الجسد المكهرب
- الرنين
- كوجيتو
- قلق الزوايا
- الجريمة الأولى
- قابيل وهابيل - الإخوة الأعداء
- لقاء آدم وحواء على الأرض


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نهاية كامو العبثية