أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عن الحرية والعبث














المزيد.....

عن الحرية والعبث


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6720 - 2020 / 10 / 31 - 14:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


01 - نماذج من الخيال الأدبي

لو قذفنا حجرا في الهواء بقوة - إلى أعلى ـ فإنه سيرتفع بسرعة كبيرة في البداية، وكلما أزداد إرتفاعه كلما تقلصت ونقصت سرعته، وتستمر سرعة الحجر تتناقص تدريجيا كلما ازداد في الإرتفاع حتى تصل درجة الصفر، حيث يتوقف نهائيا ثم يبدأ في السقوط بفعل الجاذبية الأرضية. يقول لنا سبينوزا، لو أعطينا إمكانية اللغة أو الوعي لهذا الحجر فربما سيبرر لنا مساره وكأنه نابع من إرادته، سيقول لنا بأنه أراد الصعود بقوة وبمحض إرادته لإستكشاف السماء، وأنه بدأ في تقليل سرعته ليستمتع بالهواء والمنظر الطبيعي الذي يكتشفه لأول مرة، ثم قرر التوقف في لحظة معينة ثم العودة إلى الأرض، فترك نفسه يسقط. إن هذه القصة المجازية أوردها سبينوزا ليقول لنا بأن الإنسان ذاته يمكن إعتباره مثل هذا الحجر فيما يخص القرارات التي يتخذها في تصرفاته اليومية، وحريته ما هي إلا حرية زائفة ومفترضة. فالإنسان يحاول قدر الإمكان تبرير المواقف والأفعال الطبيعية التي لا يستطيع التحكم فيها أو توجيهها، بإعطائها - بعديا - مبررات وأسباب إرادية لاحقة، لأنه يرى أن الإنسان مجبر على الإنصياع للكثير من الدوافع الطبيعية، لأن العقل البشري الذي يتوق إلى الحرية لا يستطيع أن يتحرر من السجن المادي الجسدي والذي تتحكم فيه القوانين الطبيعية. ونحن هنا لا نريد الخوض في إشكالية الحرية عند سبينوزا ونقدها، فقد عالجنا هذا الموضوع في نصوص سابقة، ولكن الذي نريده هو علاقة الأدب والفن والخيال عموما بمفهوم الحرية، وبالتالي بمفهوم العبث كحد أقصى للحرية.
فالأدب والفن عموما، والرواية بالذات يمكن اعتبارها من الوسائل الأكثر مناسبة والأكثر فعالية لتصوير الإنسان والتعبير عن حريته، الحقيقية أو المفترضة ودراستها من جوانبها المختلفة، وذلك بخلق مواقف محتملة وتصوير شخصيات اجتماعية وسياسية وسيكولوجية متعددة الوجوه. وقد تتخذ بعض هذه الشخصيات، في ظروف زمنية وجغرافية معينة أهمية قصوى، وتصبح جزءا من التراث ومن الثقافة العامة، وتكتسب حقيقية ومصداقية مثلها مثل الشخصيات التاريخية، وتصبح ذات تاريخ وبعد وكثافة إنسانية يستعملها الإنسان العادي كمؤشر وكدليل في حياته اليومية.
في البداية كانت الملاحم والأساطير هي التي قامت بهذا الدور، وقامت بمهمة تصوير شخصيات ونماذج إنسانية بطولية وتراجيدية مثل جلجامش وإنكيدو، تموز وعشتار، هذا فيما يخص أدب ما بين النهرين. أما الأدب اليوناني القديم فإنه يزدحم بالشخصيات البطولية والتراجيدية والتي أصبح العديد منها نماذج إنسانية عامة archétype مثل أوديب، إلكترا، أوليسيوس، آشيل،أجاممنون، سيزيف، بروميثيوس، هيفايستوس، هيراكليس، أثينا، أفروديت وعشرات غيرهم من الأبطال والشخصيات الأسطورية. وفي الأدب الفارسي والعربي والهندي، لا شك أن شهرزاد تمثل الشخصية الأكثر أهمية من بين العديد من النماج الرجالية الأخرى كعلي بابا والسندباد أو علاء الدين. وفي العصور الوسطى كان هناك فرسان الطاولة المستديرة مثل لانسلو وبرسيفال، وهناك روبن هود وإيفانهو. وقد ساهم الشاعر الكبير شكسبير في تخليد شخصيات عظمى أصبحت نماذجا لخبايا النفس البشرية مثل أوديب وأوتيللو وماكبث وروميو وجولييت. وقد حل الأدب الحديث محل هذه الأساطير والقصص الشعبية الجماعية، وأصبح الفنان المبدع جزءا من العمل الفني ذاته ولا يمكن فصله عن إبداعه، وبدأت شخصيات جديدة تعبر عن آلام العصر الحديث وتمثل الإنسان الجديد في صراعه مع الطبيعة والمجتمع. وفي أدب العصر الحديث بطبيعة الحال ظهرت أسماء جديدة لتمثل إهتمامات من نوع يتناسب مع هموم العصر وتقلباته، فظهرت شخصيات مثل، فاوستوس والكونت دراكولا والدكتور جايكل ومستر هايد وتريستان وإيزولد. وأيضا شخصيات أدبية من نوع دوريان غراي، غاتسبي، ديدالوس، ليوبولد بلوم - أوليس جيمس جويس ـ أنطوان روكانتان، كارامازوف، ستافروجين، أوليفر تويست، جوليفر، موبي ديك، دكتور جيفاغو وعشرات وربما مئات الأبطال والشخصيات المعذبة التي تحيا وتتنفس وتجوب شوارع المدن الأوروبية وباراتها ومقاهيها وصالوناتها الأدبية والفنية، وأيضا على شاشات السينما والتلفزيون وصفحات المجلات والجرائد المتخصصة. ونلاحظ أن أغلب هذه النماذج الإجتماعية تنتمي إلى مملكة الرجال وإمبراطورية الذكور، رغم وجود بعض الإستثناءات مثل مدام بوفاري وليدي تشاترلي ولوليتا، ذلك أن المجتمع الأدبي والفني الغربي هو بدوره مجتمع ذكوري société patriarcale رغم كل التقدم الصناعي والعلمي وإنجازاته الإجتماعية التي قلصت العديد من الفروق بين الرجال والنساء، غير أن جوهر النظام ما يزال ذكوريا، والمرأة ما تزال بلا إسم، فهي تحمل حتى اليوم إسم الرجل، إسم والدها أو إسم زوجها، أو الإثنين معا.
ومن هذه الشخصيات التي ما تزال تلقي ظلها الثقيل على أجيال عديدة من شباب أوروبا وأمريكا، ولكن أيضا على بعض شباب تامزغا - شمال أفريقيا، هي شخصية "الغريب - l Etranger" والذي بدوره فقد إسمه بمرور السنوات ولم يعد أحد يتذكره إلا كمجرد غريب، نحبه ونتتبع تاريخه الشخصي وندرسه في المدارس الثانوية حتى اليوم في فرنسا. هذا الغريب، ليس هو المهاجر الأفريقي أو الآسيوي أو العربي أو الأمازيغي الذي يغامر بحياته ويقذف بنفسه في مياه البحر ليصل إلى الضفة الأخرى لكي لا يموت من الغم والجوع في بلاده، إنه الغريب الوجودي، أو اللامنتمي the outsider كما سماه كولن ولسون، أي الإنسان الذي يعيش غريبا في مجتمعه ذاته، بدون أن يبتعد عن المدينة التي شهدت ميلاده ومجيئه لهذا العالم. إنها نوع من الغربة الداخلية يمكن تسميتها بالغربة النرجسية، حيث أن مركز إهتمام مثل هؤلاء البشر هو ذواتهم الشخصية، والتصرف بحيادية مطلقة تجاه الآخرين والعالم وإعتبارهم مجرد أدوات لا تستحق لا الحب ولا الكراهية ولا تثير فيهم أي نوع من العواطف أو الأحاسيس البشرية.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فردة الحذاء والكورونا
- عدو الوطن
- جففوا المطر
- تحب تفهم تدوخ
- الشاعر لا يحب الأزهار
- الله غني عن الكينونة والوجود
- الله والخياط
- قط شرودنجر
- التمرد على الكلمات المتشيئة
- بين الكلمة والصورة
- وتبعثرت قشور الليل
- الجسد المكهرب
- الرنين
- كوجيتو
- قلق الزوايا
- الجريمة الأولى
- قابيل وهابيل - الإخوة الأعداء
- لقاء آدم وحواء على الأرض
- السيدة حواء
- أبجدية الخيال والعلاقة بين الدين والفن


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عن الحرية والعبث