أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - بحث فى حلول لخروج الإسلام من أزماته وتصادماته















المزيد.....



بحث فى حلول لخروج الإسلام من أزماته وتصادماته


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 9 - 17:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


- فوقوا بقى - الجزء العاشر .

يلح عليّ فى هذا الجزء من سلسلة "فوقوا بقى " تقديم روشتة علاجية لخروج الإسلام من أزماته وتصادمه مع العصر , فالطريق الناقد لتهافت النص والفكر الإسلامي لن يعطى ثماره سريعا بل مع حال المسلمين قد يزيد الأمور صلادة وتحجراً , لذا يأتى هذا البحث كمحاولة لإصلاح الإسلام من داخله أي حلول من داخل قراءة ورؤية جديدة للفكر الإسلامي أي من داخل معطيات الإسلام نفسه حتى يجد قبول في فكر المسلمين , مستعيناً بكتاباتي القديمة في هذا الشأن .

هدف هذا البحث الخروج بالإسلام من النفق المظلم وهذه الحالة التصادمية مع العصر والعالم , فلن يجدى الإحباط وجلد الذات والنقد الفاضح للفكر والتراث الديني في تغيير الأحوال وتبدلها ,فقد يكون هذا مجدياً على المدى البعيد ووسط حالة ثقافية متقدمة ولكن نحن نعيش الواقع بكل ترديه وإنتماءاته وهويته المتجذرة المتشبثة بإرث ثقافي ليس من السهولة الإنسلاخ عنه لذا يلزم تطوير الخطاب الدينى والتقليل من تصادمه وإيجاد صيغة متعايشة مع العصر .
لا نستطيع المطالبة بإنصراف المسلمين عن الإسلام فنحن أمام هوية وثقافة وتاريخ وإنتماءات عاطفية متجذرة من الصعب تبديدها , ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث الذي يبغى تطوير الحالة والخطاب الإسلامي , ولن نأتى بحلول من خارج الفكر والثقافة الإسلامية بل من مفرداتها ذاتها حتى تحظى رؤيتنا وحلولنا على القبول والدعم .

هذا البحث روشتة علاجية لكل إفرازات الحالة الإسلامية من تخلف وجمود وعنف وصدام وإرهاب متأملاً أن نعتني بها , لأتصور أنه بالرغم من قتامة المشهد إلا أن هناك أمل في التغيير وذلك ليقيني أن الإنسان هو من خلق وصاغ الأديان وهو القادر على تشكيلها وتطويعها فكما تحرر اليهود والمسيحيون من أسر تراثهم العنيف فيمكن للمسلمين أيضا , علاوة أننا بشر في النهاية فلابد أن يوجد أمل وتغير وتطور مهما بدا بعيداً ,لذا أرى أن هناك حل للحالة الإسلامية المتردية , ولكن هذا لا ينفى أن التعاطي معها شديد الصعوبة والتعقيد بالفعل .
بحثاً عن حلول لخروج الإسلام من أزمته هى رؤية لحلول ومفاهيم يُمكن أن تُحرر الإسلام من الكثير من أزماته ليستطيع التعايش مع العصر بلا تصادم , وأرى هذا البحث من أهم كتاباتي في الشأن الإسلامي ليكون بمثابة روشتة علاجية إذا أردنا بالفعل أن نخرج بصيغة تعايش مع الواقع والعصر بلا تعصب ولا جمود ولا إرهاب .

* أهمية فهم تاريخية النص وأسباب التنزيل .
إشكالية الإسلام الحقيقية مع العصر تتمثل فى التقيد بحرفية النص ومفهوم أنه صالح لكل زمان ومكان , فكل الإشكاليات التي يواجهها الإسلام والمسلمون من هذا النهج الصارم بإعتبار النص القرآني صالح لكل زمان ومكان ,فلا إعتبار لتغير الزمن ولا كون النص يحمل في أحشاءه معالجة لأحداث وملابسات زمانه لذا فلا يصح إسقاط معالجات خاصة ذات ظرف تاريخي محدد بكل ما تعنى هذه الكلمة من معنى لتعممها وتمنحها الشمولية طالباً حضورها وتفعيلها على واقع مغاير بزمانه ومستجداته , فإغفال هذا الأمر عن الذهنية الإسلامية سيسبب ضياع البوصلة وما يترتب عليه من جمود وتصادم مع العصر .
قد يتصور البعض أننا نسقط أفكارنا ورؤيتنا وأمنياتنا الخاصة على الإسلام بحثاً عن خروجه من أزمته بينما الحقيقة أن الفقه الإسلامى ذاته يُعلن عن ذلك بشكل واضح وجلىّ من خلال فقه " أسباب التنزيل " الشارح للسبب الذي أدى لنزول كل آية والدافع لنزولها وكيف أنها عالجت موقف محدد , ومن هنا يجب إعلاء فكرة تاريخية النص فهو جاء أساساً ليعالج مشهد مُحدد في زمانه بكل تفاعلاته فليس من المعقول أن يكون صالحاً للتعاطي معه وتفعيله فى زمن مغاير لإستحالة تكرار المشاهد والظروف المحيطة , فالماء لا يجرى في النهر مرتين .
إذن نقدنا وتقييمنا ليس من بنات عقولنا بل من جوهر الإسلام ذاته وأرى أن الدين الإسلامي الوحيد بين الأديان الذى يعترف بأن النص جاء ليتوافق ويواكب زمانه وأحداثه وهذا ما تفتقده الأديان الأخرى وإن كانت خطت خطوات كبيرة للإعلان عن تاريخية نصوصها بينما ظل المسلمين أسرى لنصوص التاريخ .
لو درست آيات القرآن وفقا لمصادره الفقهية ستجد فقه " أسباب التنزيل" وهذا الفقه يعتنى بشرح أسباب تنزيل كل آية من آيات القرآن والظروف المحيطة والملابسات والدوافع التي طلبت معالجة الآية كما ذكرنا وهذا يعنى خصوصية النص وليس عموميته لذا من الخطورة إعتبار النص فاعلاً قابلاً للتطبيق والإسقاط على مدار الزمان .

* إلغاء فكر ومنهجية النقل قبل العقل .
من السخف أن تظل منهجية النقل قبل العقل سائدة في الفكر الإسلامى حتى الآن فهي لا تعنى سوى الجمود والتخلف وإلحاق الضرر والخراب بمقومات المجتمع الفكرية والثقافية والإنسانية والحضارية ,فمعنى النقل قبل العقل إنك تنقل رؤى وفكر وتصورات القدماء كماهي كأصحاب عقول متميزة لتلغى أمامها كافة العقول الحداثية وهذا يعنى طفولية الفكر الإسلامى المعاصر وإستسلامه لوصاية فكر القدماء , ليصل الحال بنقل تصورات ومعالجات القدماء وإسقاطها على قضايا العصر وهذا يعنى أن أدوات القدماء وفكرهم ومعارفهم ومعالجاتهم هى الفاعلة بينما تغيرت وتبدلت مياه كثيرة .
النقل قبل العقل جاء بكل منظومة القدماء ورؤيتهم وسلوكياتهم لتصبح واقع يتعايش فى عصرنا المغاير فهنا لا نقول سكون وجمود الحالة المجتمعية بل إرتدادها للخلف لتضرب بعرض الحائط كل مفاهيم التطور وحراك الحياة .
أتصور أن السلفية بكل أطيافها هي طاعون الإسلام فمنها حل الجمود بمنهجية النقل قبل العقل وهذا التزمت والإنبطاح أمام النصوص وتفسيراتها لتسقط تصورات ورؤى القدماء الفكرية على الواقع لتنتج الحالة الاسلامية الراهنة من تزمت وتعصب وجمود وعنف فقد هيمن نفس الفكر كما ردده السلف بدون أي إعتبار للتاريخ وتغير المشاهد والعصر علاوة على مناهضة الفكر القديم لأي عقل ومنطق حداثى .
من المؤسف أن يظل التراث الإسلامى أسير تفسيرات القدماء فلا يوجد للمحدثين الاسلاميين أى وجود , فالتفسيرات والفقه الإسلامب يرجع للقرن الأول والثانى الهجرى لتتناقله الأجيال ويصبح العالم والداعية الاسلامية فى عصرنا ما هو إلا مُردد وبغبغاء لتفسيرات وإجتهادات القدماء . لنسأل هنا : هل القدماء امتلكوا العقل والعبقرية والثقافة وتفردوا بها , فألا يوجد إسلامى معاصر قادر على التفسير والإجتهاد والتأويل .. لن ينصلح أى حال للإسلام والمسلمين إلا بمنهجية العقل قبل النقل .

* إشكالية شيوع الكهنوت الإسلامى .
قد يستغرب البعض من قولى الكهنوت الإسلامى خلافاً عما يتم ترديده وترويجه أنه لا كهنوت فى الإسلام .. فليردد المسلمون ما يحلو لهم من إدعاءات ولكن الحقيقة والواقع تثبت أن الإسلام هو من الأديان الكهنوتية الشديدة المراس التى إتسمت بشيوع الكهنوت وليس تحديده وهو ما سنتعرض إليه .
الفهم الشائع عن الكهنوت يتمثل فى رجال الدين المفوضين بممارسة الطقوس والصلوات والشعائر حصراً ولهم زى خاص ورتب كهنوتية ليكونوا القابضين على الدين . بالفعل هذه الصورة النمطية لرجال الكهنوت غير متواجدة بقوة فى الإسلام فلا حرص على إقتصار رجل الدين فى إمامة الصلوات أو إحتكارهم لممارسة الطقوس كما لا يوجد إعتناء بزى محدد لرجل الدين , ولكن هذا لا يعنى على الإطلاق إنه لا كهنوت ولا كهانة فى الإسلام , فلا يوجد دين بدون كهنوت كما أن الكهنوت معنى وفلسفة ونهج لا يجب إختزاله فى شكل وتمظهرات هرمية , فالكهنوت فى الإسلام من أكثر حالات الكهانه بين الأديان فهو ينتشر بشكل أفقى ومن القاعدة الى القمة أيضا ليفتح المجال أمام الجميع لممارسة الكهانة المتمثل فى تعدد الهيمنات على الخطاب الديني , وهذا فى تصوري أزمة الإسلام .

الإسلام غير متحرر من النزعة الكهنوتية فى إدارة المشروع الدينى حتى على المستوى الشكلى فلدي المسلمين الشيخ سواء أزهريا أو شيعيا والفقيه والعالم والمفتى وأهل العلم والإمام وهيئة كبار العلماء والمرجعية وآية الله والحوزة والإمام الأعظم وغيرهم من هذه التراتيب والوظائف بل لدى المسلمين الخليفة وولاية الفقيه والإمام التى تضارع وتفوق سلطة البابا فى سلطاته وهالاته ليكون الفرق بين الكهنوت الإسلامى وأى كهنوت آخر عدم التقيد الصارم بزى محدد أو إحتكار رجل الدين لممارسة الطقوس فللمسلم ممارسة طقوسه بدون حضور مهيمن لرجل الدين وإن كان هناك نظام أيضا ,فلا صلاة بدون إمام يتم الإتفاق عليه وليس شرطا أن يكون الإمام والخطيب خريج مؤسسات دينية وإن كانت بعض الدول بدأت تعتنى بهذا الأمر .
في اليهودية والمسيحية يتم التصريح لقس أو حاخام بالكهنوت بعد أن يدرس اللاهوت ليتم منحه درجة علمية , كما يجب أن يمضي سنوات في المعبد أو الكنيسة تحت التدريب .بينما في الإسلام فليس شرطاً بالرغم من وجود مؤسسات تمنح درجات علمية للمشايخ ولكن هناك كهانه يتم منحها لكل من هب ودب ليست مرتبطة بالإلتحاق بمؤسسة دينية محددة وليعتبر المسلمون أن هذا ميزة الإسلام فلا إحتكار للدين فى مناصب ومرجعيات لذا تجد كل من أطال لحيته وقصر ثوبه وتكلم بصوت جهورى وقرأ قليلا من الكتب التراثية أو للدقة إطلع على بعض النشرات لبعض التيارات المؤدلجة أو إنتسب لفكر أئمة سابقين كإبن تيمية مع حفظ بضعة آيات وأحاديث قد صار شيخاً وداعية جدير له أن يُكفر ويٌفتى وهكذا تعددت مصادر الكهنوت فى الإسلام بصورة سرطانية ستجلب بالضرورة معها تعدد الخطابات والتناحر وظهور التباينات والمزايدات .

يعنينى إذن التركيز على مغزى ومعنى وفلسفة الحضور الكهنوتى فى الإسلام وليس التمظهرات البادية أمامنا , فالإسلام منح سلطات واسعة لرجال الدين ليحتكروا الخطاب الديني ولكن المشكلة إنه لم يحدد بشكل صارم جهة الإحتكار لذا شاع سلطة وحراك الكهنوت فى الإسلام ليقع فى يد الكثيرين وهذا مشكلة المشاكل .
عندما نقول بأن هناك فكر كهنوتي أصيل فلا نعتمد على مشاهد تاريخية لسلطة ومحورية رجال الدين الإسلامى على مر العصور بل على النهج القرآني نفسه فعندما نقرأ آية آل عمران:7 (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُل مِنْ عِنْدِ ربنا وَمَا يَذَّكرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) فهذا إقرار واضح بوجود وأهمية ومحورية وقيادة رجال الدين فهم أهل العلم الذين معهم مفاتيح فهم النص الدينى والقدرة على تأويله وهذه نزعة كهنوتية عالية لم تعلنها أديان أخرى ذات كهنوت .
(وما كان المؤمنون لينفروا كافة, فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) التوبة/ 122 وهنا أمر بإختصاص فئة محددة ذات مسئولية وتفرغها للعلم والفقه الاسلامى .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) سورة النساء: 59. يقول الشيخ ابن العثيمين: فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام, والعلماء وطلبة العلم, فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها ,فعالم الشريعة هو الذي يبين شريعة الله وأحكامها ويدعو الناس إليها, ويمكن القول أيضا إن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة.انتهى قوله.
فى سورة المجادلة أيضا (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) وهذه إشارة الى رجال الدين وتفضيلهم لحوزتهم العلمية وتؤكدها سورة الزمر 9( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) كما هناك حث على سؤال رجال الدين فى سورة النحل: 43( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) لتبقى الاشكالية فى عدم تحديد جهة محددة لإحتكار الخطاب الإسلامى .
آية سورة آل عمران: 18( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) إشارة اخرى لأهمية أهل العلم بالرغم إنها لم تحددهم . وهناك آية أخرى تحث إلى أهمية إتباع أهل العلم ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)
إذن فنحن أمام رخصة واضحة محددة لرجل الكهنوت الإسلامى تزيد عن مثيلاتها فى كهنوتية الأديان الأخرى فهم المحتكرون لفهم الآيات وتأويلها كأهل علم حصراً أي من يحملون ختم العلم , فأليس هذا كهنوتاً واضحاً حيث الأمور لن تمر إلا منهم لأرجع واقول أن مشكلة الإسلام لا تقتصر على الكهنوت فيمكن قبوله على مضض بإعتبار إستحالة وجود دين بلا كهنوت , ولكن الإشكالية الحقيقية فى تعدد الكهنوت فلم تعد تقتصر على نخبة محددة لمؤسسة ومرجعية محددة بل ترك الباب مفتوحاً لكل من يجتهد ويدرس ويتوسم فى ذاته أنه أهل علم وفقه وإجتهاد ومن هنا جاءت الكوارث العصية على التحكم فليس هناك جهة ذات تحديد يمكن التعاطي والتأثير على خطابها فالكثيرون أهل علم ليتصدر المشهد والحضور والتأثير كل من هب ودب .

لا يوجد دين بدون كهنوت فهذا الهراء بعينه ولا نستطيع أن نطالب بإلغاء الكهنوت لذا لا غضاضة فى الحالة الكهنوتية الإسلامية ولكن من الأهمية بمكان تحديد صارم للمؤسسة الكهنوتية , فمشكلة الإسلام الحقيقية فى شيوع الكهنوت لذا يجب الإعتناء والإنتباه لسرطان الكهنوت الإسلامى الذى يُغرى كل من يَتوسم في نفسه علماً أو فهماً أن ينصب نفسه متحدثاً عن الدين .
الخطورة فى شيوع الكهنوت سيسمح بتعدد الخطابات والتوجهات الإسلامية وجنوحها وتشددها وتصادمها وخروجها عن السيطرة وهو ماثل أمامنا فى وجود ما يُطلق عليهم شيوخ ودعاة وعلماء لم ينحدروا من مؤسسات إسلامية ولكنهم صاروا أصحاب حضور قوى وفاعل فى واقع المسلمين ليتباروا فى الخطاب الإسلامى المتشدد محاولين التمايز على المؤسسات الرسمية .
بغض النظر أن الدعاة والشيوخ يعبرون عن صحيح الإسلام أم لا فليست تلك قضيتنا , فالقضية شيوع وإنتشار الخطابات الإسلامية الكهنوتية ,فالمطلوب خطاب اسلامى كهنوتى واحد يحتكر الخطاب ليمكن التعاطى معه والتأثير عليه وكبح جماحه إذا كان مغايراً للتوجه الإجتماعى والسياسى للأمة وهذا ماحدث فى أوربا فبوجود مؤسسة كهنوتية واحدة تمثلت فى الكنيسة أمكن تحجيمها والتأثير عليها لتتراجع وتتأقلم مع المتطلبات والتوجهات المجتمعية الجديدة فلا تتصادم ولا تعرقل مسيرة المجتمع وهذا الأمر حدث فى مصر سابقاً عندما تم إحتكار الخطاب الإسلامى لصالح الأزهر ومن هنا تم التعاطي مع جهة واحدة توائمت وتلائمت مع التوجهات والتيار السائد لينحو الخطاب الأزهرى نحو الإعتدال كمشهد خارجى على الأقل .
لا يعنى هذا أن تفرد مؤسسة واحدة ستمنحنا خطاباً غير متصادم ,فالمرجعية الدينية فى السعودية وإيران ذات خطاب عنيف متطرف ولكن هذا أفضل حالا من تعدد الخطابات أو قل للدقة الجبهات , فأن تتصارع مع مؤسسة كهنوتية واحدة يمكن أن تكبح جماحها فى المستقبل إذ كانت متطرفة أو تجبرها الظروف والحراك المجتمعي والإقليمي والدولي أن تعيد حساباتها وتطور من خطابها فهذا سيكون أفضل حالاً من إنتشار جبهات وخطابات أخرى عشوائية لها أجنداتها وجموحها الخارج عن السيطرة .

* الجهاد الفريضة الغائبة عن الخير والحاضرة بقوة فى الشر .
الإرهاب تلك القضية التى تثير الصداع فى عالمنا تحت مسمى إسلامى يُدعى " الجهاد" والذى يستقى من كل النصوص والتراث العنيف ليضعه أمامه طالباً تطبيقه بنيل شرف قتل الآخرين وإستحقاق الجوائز فداء ذبحهم كونهم مخالفين للإسلام .
لن نعتنى بالخواجه الذى يقف وراء الستارة داعياً المسلمين للجهاد ولا لمن يستثمرون جهل وحماس وتهور شباب المسلمين لتحقيق مصالحهم وأجنداتهم الخاصة لنخرج من هذه الأزمة بالقول أن كل الآيات التي تدعو للجهاد هى ملك زمانها ويمكن الرجوع لأسباب التنزيل كما ذكرنا لتبيان أن الآيات التى يتكأ عليها المتطرفون والإرهابيون تعالج مشهد تاريخي محدد لذا من الخطأ أن يتم إستحضار النصوص القديمة ومحاولة تفعيلها .!
غريب أمر الإسلاميين فهم يغفلون أو يتغافلون فكرة الجهاد فى معناها الفكرى الفلسفى كجهاد النفس ضد الشر والذنوب والذي يمكن أن يكون فاعل كرؤية نظرية فى كل الأزمنة ويتشبثون برؤية الجهاد فى مشهده الحربى القتالى التاريخى . فجهاد النفس والشيطان هى الفريضة الجهادية الغائبة بالرغم أنها لا تعتنى بمشهد وحدث تاريخي محدد بل بجهاد الشيطان المُفترض أنه متواجد فى كل زمان ومكان ومع تحفظنا لوهم فكرة الشيطان ومجاله الحيوي إلا أننا أمام جهاد وصراع لا ينال من الآخرين ويطلب ترويض النفس ليكون هذا هو الدين .. لذا الأمور تحتاج لمراجعة وحذف وتأصيل وترويض يُخرج المسلم من حالة صدام ويدخله فى دائرة روحانية متوهمة كأفضل حالاً من الصدام .

* نحو مجتمع مدنى حر وإنهاء للمجتمعات القبلية الإسلامية كبديل عن تطور علاقات المجتمع الإنتاجية .
السلطه الجبريه للأب وشيخ القبيلة هى نتاج المجتمع الرعوي البدوي ولأن الإسلام نتاج هذه المرحلة فقد تلبست به وأصبحت ركيزة مهمه من ركائزه البنيوية , لذا خاطب محمد مجتمعه القبلي ونهجه فى التفكير فعندما أراد أن يكسب مقاتلي القبائل إلى دعوته لم يعارض نمط سلوك القبائل العربية في موضوع الغزو حيث القتل والغنائم والسبايا بل حولها إلى ركن أساسي من أركان الإسلام تحت مُسمى الجهاد في سبيل الله وهذا تطبيق للجبرية المدمرة .
دمرت الجبرية حياة المجتمع الإسلامي من خلال الحروب وقوة السيف لفرض الإسلام على القبائل العربية وعلى بقية الشعوب , فدمرت حياة الفرد العربي من خلال سيادة الأب على العائلة والقائد على المجموع وفرض أراءه على الجميع ومن خلال سيادة الذكر على الأنثى وتدمير حياتها .
مبدأ التكفير نتاج الجبريه فكون الله الخالق غائباً , فقد تسلط رجل السياسة بإعتباره خليفة الله على الأرض وفرض رؤيته ليُكفر الآخر ويُحلل قتله بإسم الله وللأسف يجد غطاء من الآيات يبرر بها هذا الإقصاء وتحقيق خططه ومصالحه .
كون الإسلام خرج من رحم القبيلة فقد تشظى بين هذه القبائل بالرغم من أن النبي توسم قيادة قبيلة قريش فقد كانت هناك طوائف موزعة على القبائل وكانت هناك مليشيات وكل طائفه تعتقد أنها الأصح والممثل الوحيد للإسلام وعلى الجميع طاعتها حتى تشظت القبائل بين الإمام علي وبين معاويه مثلاً ولكل منهما عدد من القبائل التي تتحالف معه في الحروب وفي الحكم ولها راياتها وقد إستمر هذا التشرذم حتى تحول في زماننا إلى دول كل منها يتبع طائفة أو مذهب لتمضى في ديمومة زمن إقتتال الماضي والدوران حوله .
المسلم يعيش حالة من القهر والجبرية ويتعايش معها بل ينسجم ويتلذذ بها لذا تجد حالة من الإنسجام والتعايش الغريب مع قهر أسرته وعائلته وقبيلته والحاكم له بل يتماهى مع هذه الجبرية والقهر ويعتبرها من ثوابت الامة وأساس الأخلاق والإيمان .!
لم يتقدم الإسلام خطوة الى الإمام عبر تاريخه الطويل نتيجة تمسكه بمبدأ ونمط وسلوك قبلي ليتمحور الإسلام داخله , لذا لا خلاص إلا بفض الإرتباط بين الإسلام والمنهجية القبلية ولاخيار أمام الشعوب العربية والإسلامية إلا بإبعاد الإسلام عن النهج القبلي السياسي ليبقى الدين دعوة للعباده وليس منهجاً للحكم بين الناس المختلفة في الرؤى و الأعراق .
بالطبع عندما نأمل فى إنهاء المجتمعات القبلية فلا يعنى هذا الإعتناء بإنهاء تمظهرات القبيلة فى المجتمعات الإسلامية كما هو شائع وماثل للعيان فحسب ولكن إنهاء الفكر القبلي والتشرنق والتمحور حول رجل القبيلة فهذه الشمولية المتفردة تلغى فكر وحراك الجماهير ليتركز فى فكر زعيم القبيلة الذى سيبحث عن منظومة تعضده ويجعلها صنم يأمر أتباعه بالسجود إليها كما فى أدلجة الإسلام السياسى أو حتى تبنى أنظمة قومية كالبعث مثلا , فالامور لا تخرج عن القبيلة وإن إرتدت حُلة مغايرة .
لا يقتصر ميل رجال القبيلة للتراث الإسلامى فحسب فقد شهدت مجتمعاتنا أنظمة قبلية برجال يرتدون البدل الأنيقة بينما هم قبليون في النهج والفكر بل قد تجد من يرفعون أيدلوجيات ليست دينية مثل القذافى وصدام وعلى عبد الله صالح وغيره من القيادات .
إن نقدنا للفكر والأداء القبلي يعتنى بمنهج تفكير وتعامل وسلوك مدني يتعاطى مع الشمولية والوصاية والديكتاتورية المتفردة ذات القداسة لتكون نهضة الشعوب بلفظ القداسة عن الأشخاص والرموز والأفكار , فلا قداسة فوق النقد ولا تميز بدون استحقاق ولا لجوء لمنظومات فكرية تفرض التحصين للقبيلة وزعيمها .

* دين شخصي وليس سياسي مؤدلج .
من الأسباب التى تجعل الإسلام مخاصماً ومتصادماً مع العصر والحياة أنه خرج من إطار دين شخصي إلى منظومة مؤدلجة سياسية قاهرة بينما الدين يجب أن يكون فى إطاره الشخصي الإنساني أى حالة إنسانية خاصة متفردة تجد سلامها فى التعاطي مع روحانياته وقيمه لتخلق حالة نفسية مزاجية يروق لها التماهي فى الدين والأسطورة وليس كمنظومة سياسية مؤدلجة فارضة قاهرة , فيكفى كل مسلم أن ينال روحانياته التى يبتغيها لذاته فلا يكون معنيا بمشروع مؤدلج له أهدافه سيقفز عليه حتماً أصحاب المصالح والمشاريع لتسخيره لخدمتهم ,علاوة على هذا النهج الغريب الشاذ بإلحاح المسلم على فرض رؤيته الخاصة بالحياة والسلوك على الآخرين , ومن هنا يأتى الخلط الشديد بين العام والخاص لتتبدد حالة روحانية ذاتية يُفترض أن تتواجد ليحل مكانها إستقطاب وصراع وإحتدام وصدام وحدة فى المواقف .

- نأتى إلى بعض الرؤى الإضافية الجديدة الجديرة بالإعتناء للمهتمين بالشأن الإسلامى وتطوير خطابه وهى رؤى تأتى مفرداتها من التراث الإسلامى ذاته أيضا كما ذكرنا ليمكن إعتبارها منهج تفكير وسلوك من داخل الثقافة الإسلامية ذاتها جدير بتصعيدها وترسيخها والإقتداء بها .

* عذراً نحن أعلم بشئون دنيانا .
لنا أن نتوقف أمام حديث محمد وقوله "أنتم اعلم بأمور دنياكم" فمن حديث لرافع بن خديج (2362) قال: قَدِمَ نَبِي اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الْمَدِينَةَ، وَهم يَأْبُرُونَ النَخل ، يَقُولُونَ يُلَقِحُونَ النَخلَ، فَقَالَ: "مَا تَصنعُونَ؟" قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قَالَ: لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيراً ، فَتَرَكُوهُ فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ، قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ."
ومن حديث طلحة بن عبيد الله - قَالَ: مَرَرتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْمٍ عَلَى رُؤوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ: "مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟" فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الأنْثى فَيَلْقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " مَا أَظُنُ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا " قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بِذَلِكَ فَقَالَ: "إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصنَعوه، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَناً. فَلا تُؤَاخِذُونِي بِالظَنِ , وَلَكِنْ إِذَا حَدَّتُتكُمْ عَنْ اللهِ شَيئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِي لَنْ أَكذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَل .
وحديث أنس (2363) أَنَّ النَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ: "لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ" قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَالَ: "مَا لِنَخْلِكُمْ؟ " قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: " أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ".

لن نتعامل مع هذه الأحاديث بتسخيف النبي والنيل منه وفقا لقول "ما ينطق عن الهوى" ولكن سنتعامل معها بشكل إيجابي يحترم فكرة الإعتراف بالخطأ ورد الأمور لأصحابها بدون كِبر وغطرسة ليكون قوله "أنتم أعلم بأمر دنياكم " رائعاً وإيجابياً ويمكن إعتباره حجر زاوية لبناء فكر إسلامي حديث متحرراً من الإنبطاح والتقولب وأسر التراث والفقه وفهم القدماء ليكون المحدثون أعلم بشئون دنياهم .
في هذه القصة إعتراف صريح من محمد إنه أخطأ في حكمه وإنه لا يفقه في أمور الفلاحة فما بالك بمجتمعات صناعية معقدة بعد 1400 سنة من التراكم والتطور العلمي والحضاري بعد موته .
هذا الحديث يزيل الحرج عن رهط من الأحاديث النبوية التي تتناول ظواهر طبيعية ومادية بشكل مغلوط ومتهافت ومهترئ , فتفسير محمد لظاهرة الصيف والشتاء والشمس التي تغرب فى عين حمئة والرعد والبرق والمرض والعدوى وتحديد الذكر من الانثى وغيرها من المشاهد التى تناولها برؤية خرافية لن يكون لها معنى ولا إلتزام ولا إحترام ولن تُحرج أحداً أمام " أنتم أعلم بأمور دنياكم ", فعلومنا ومعارفنا لديها ما تقوله فى تفسير الطبيعة بشكل علمى محترم موثق .

بالطبع لا أطلب التحلى بمنهجية " أنتم اعلم بأمور دنياكم" لكى نزيل الحرج عن الأحاديث المغلوطة التى تخوض فى الطبيعة والعلم بشكل خرافى فحسب , ولكن أطلب أن يكون نهج " نحن اعلم بشئون دنيانا " منهج حياة وتفكير على كافة الأصعدة بالرغم أن مُحمد لم يفتح الباب على مصراعية بإستخدام " أنتم أعلم بأمور دنياكم" فقد حدد إستخدام تلك القاعدة بقوله : "إِنَّمَا أَنَا بَشَر إِذَا أَمَرتُكُمْ بِشَيْء مِنْ دِينِكمْ فَخذوا بِه , وَإِذَا أَمَرتكم بِشَيء مِن رأْي فَإِنمَا أَنَا بَشَر" .
ولكن أمور الحياة ليست محصورة في شئون تلقيح النخيل فمظاهر الحياة الإجتماعية تتنوع ويمكن إستخدام " أنتم أعلم بشئون دنياكم" فى أمور كثيرة للغاية ليتم مراجعة شاملة للتراث والتشريعات والسلوكيات لفرزها وتجنيب الذى لا يتناسب مع شئون دنيانا وهذا حادث بالفعل وليس بدعة أو دعوة بإقتحام التراث وفرزه بلا مبرر , فمثلا لا يوجد فى عصرنا مجتمع العبيد والرق والسبى بل نلفظ هذا وندينه ونجرمه بينما الشرع أسس وقنن وشرع مجتمع العبيد والأماء والسبى وملك اليمين بينما إنصرف المسلمين عن تلك الأمور المُشرعة بل يجرمونها لذا كل ما يتعارض مع منظومة مجتمعاتنا العصرية يمكن حذفه ولفظه بسهولة فنحن أعلم بشئون دنيانا .
على هذا النهج يمكن أن نخرج من إشكاليات التراث والنقل قبل العقل وعبادة النص والسلف ورجال الكهنوت الإسلامي المُفرزة لكافة التيارات الإسلامية المنغلقة المتزمتة كالسلفيين والدواعش فلا مكان لهم فى خطاب إسلامى معاصر يعتنى " بأننا أعلم بأمور دنيانا " .

إن سر تخلف الإسلام والمسلمين وتحجرهم هو إنصرافهم عن تطبيق " أنتم اعلم بأمور دنياكم " على كافة الأطر والأصعدة فهم مازالوا يتلمسون حلول لدنياهم من مناهج قديمة عفا عليها الزمن ويفترض أنهم تجاوزوها بعلومهم ومعارفهم وبحضارة الإنسان فبدلاً من أن يصيغوا منظومتهم الإنسانية الحضارية بمعارفهم ووعيهم إجتروا فكر القدماء بالنقل قبل العقل وتزداد الطين بلة بهؤلاء المُلفقين المُدلسين الذين يتحايلون لإثبات صحة الأقوال القديمة بالرغم أن نبيهم إعترف بخطأ تقديراته وقال أنتم اعلم بشئون دنياكم لذا لن ينصلح حال المسلمين الا عندما يمتلكون الجرأة والتحرر من أسر النص و حالة الرضاعة الفكرية ليحددوا منظومتهم الحياتية وفق الظروف الموضوعية مع رفع شعار "عذراً نحن أعلم بأمور دنيانا" .

* يلزم رؤية جديدة للمنكر وفق منظور المجتمع يرافقها تحديد جهة الإختصاص .
( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران:104 - أزمة الإسلام مع العصر تتمثل فى النهى عن المنكر وعدم وضوح ما هو المنكر كذلك إفتقاد جهة اختصاص محددة تمارس الرقابة والنهى عن المنكر فوفقا للقرآن وقول النبى وأهل العلم فالنهى عن المنكر فرض عين على كل مسلم واستدلوا بقول القرآن ( وَلْتَكُن منكُمْ أُمةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْر ويَأْمُرُونَ بِالمَعْروفِ وَيَنْهَون عَنِ الْمُنكَرِ ) ففسروا هذا أن ( منكُمْ ) للتبيين وليست للتبعيض , ومعنى الآية كونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر , وكون (مِّن) للتبيين يدل عليه أن الله أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة في قوله:( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) آل عمران:110 وأنه لا مُكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما بيده أو بلسانه أو بقلبه ويجب على كل أحد دفع الضرر عن النفس , فإذا ثبت هذا فمعنى هذه الآية: كونوا أمة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر واستدلوا أيضا بقوله في الآية السابقة: ( وأولَئِكَ هُم الْمُفلِحون ) فالآية تؤكد أن الفلاح مُختص بأولئك المتصفين بالصفات المذكورة في الآية وهي الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحيث إن الحصول على الفلاح واجب عيني لذا يكون الإتصاف بتلك الصفات واجباً عينياً , لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, وقوله (كنتُم خيْر أُمةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرونَ بِالْمَعروفِ وَتنهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله ) تبيان أن من شروط الانتماء إلى هذه الأمة الاتصاف بهذه الثلاث الصفات , وحيث أن الإنتماء إلى هذه الأمة واجب عيني يكون الإتصاف بتلك الصفات واجباً عينياً أيضاً لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
أحاديث محمد تحسم الجدل فى أن النهى عن المنكر فرض عين على كل مسلم ففى حديث أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " أما حديث أبي سعيد الخدري فهو محدد وواضح فى تبيان مسئولية العبد عن دفع المنكر ( قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره , فإذا لقن الله عبداً حجته قال: يا رب رجوتك وفرقت من الناس ) أخرجه ابن ماجه، 2/1332 برقم: 4017، قال الألباني :«صحيح»، صحيح سنن ابن ماجة، 2/370 برقم: 3244.
كذلك حديث ابن مسعود قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرأ أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم) -تأطرونه يعنى تقهرونه- أخرجه الطبراني المعجم الكبير10/146 برقم: 10268
وحديث عائشة قالت: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم ) أخرجه ابن ماجه، 2/1327 برقم: 4004، وأحمد في المسند، 6/159 برقم: 25294.

هذه الرؤية والنهج الذى يتيح لكل مسلم أن يَنهى عن المنكر ويدفعه هو سبب بلاء الإسلام وتشرذمه وتطرفه فهو يخلق أشكال كثيرة متعددة من الصراعات وأصحاب الكهنوت والمقامات والقامات والتيارات والأحزاب فلكل مسلم أن يتصور المنكر أو يقدره وفق لهواه محاولاً فرض رؤيته بالقوة لتخضع الأمور للتقديرات والأمزجة والمصالح ويتبارى المتبارون فى رسم صور جديدة للمنكر علاوة على التفتيت والإفتئات على نظام المجتمع لتتعدد السلطات والولايات والأوصياء مما يخلق القهر والإستبداد والفتنة والتشرذم والتناحر حتى بين التيارات الاسلامية نفسها ولتصل الأمور إلى جواز المسلم قتل المرتد إلى تحرش صعلوك بشاب وفتاة فى الشارع .
هناك من فطن من رجال الدين والساسة أن إطلاق النهى عن المنكر لتمارسه الجماعات والأفراد أمر مُجلب للخراب والتناحر والتشاحن والكهنوت والإفتئات على سلطتاهم لذا دعى البعض أن يكون النهى عن المنكر فى يد الحاكم ومن ينوب عنه ولكن للأسف هذه الرؤية المعقولة لا تجد صدى لدى أصحاب المصالح المتنافسة مستندين أن الشرع والقرآن ومحمد يبيحوا للجميع المشاركة فى دفع المنكر فلا إحتكار لأحد فى ذلك فهذا ما يفهمونه عن لا كهنوت فى الإسلام .
للخروج من إشكالية النهى عن المنكر ودفعه لابد من وجود محددات للمنكر وفقا لمفهوم وتطور المجتمع الموضوعي وأن تنزع السلطة عن الأفراد والجماعات والأحزاب بل الحكام ذواتهم لتؤول إلى مؤسسات المجتمع المدنى فى صياغة القوانين والتفعيل والمراقبة أما غير ذلك فهو الخراب والدمار والتمرغ فى أحضان التيارات والأحزاب الأصولية الرجعية ولا عزاء بعدها لحرية أو كرامة .

* إشكالية المسلم مع مثل هكذا آيات .
( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسعَونَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقتلُوا أَو يُصَلبُوا أَو تُقَطَعَ أَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم مِن خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/33-34.
دعونا نسأل كيف هى محاربة الله ورسوله , فماهى الأشكال التى نقول عنها أن الإنسان يحارب الله ومن يحدد هذه الأشكال , فترك تقدير المفسدين فى الأرض ومناهضة الرسول والله للإجتهادات ستفتح الباب على مصراعيه للكهنه والأوصياء والتقديرات البشرية فى الحكم على البشر وإقصائهم فيمكن أن يكون مقال أو كتاب أو فيلم هو إفساد فى الأرض بل أى سلوك غير مقبول من قِبل الكهنه الإسلاميين وأصحاب السطوة إفساد , لتفتح الباب على مصراعيه لقوى الاستبداد والتسلط والقهر ومنح المشروعية للطغاة والحكام أن يحددوا أوجه الفساد والإفساد لأى مشروع يناهض وجودهم ومصالحهم .
إن المنكر والإفساد فى الارض ومحاربة الله ورسوله مقولات عائمة مطاطية وتركها هكذا بلا تحديد تفتح الباب للأهواء والمصالح والأوصياء ليعتلى المنصة القامات التى ترى فى نفسها الحق أن تفتى وتحدد المنكر والافساد وهذا هو الكهنوت بعينه لذا يكون علاج هذه الظاهرة الجالبة للخراب والفتنة والتناحر بتحديد المنكر والإفساد وفق رؤية قوى المجتمع المدنى مع تحفظنا على العقوبات ولكن تبقى الأولوية لقطع السبل عن الطغاة والأوصياء وأصحاب المصالح .
يمكن التخلص من الحرج والإلتباس والتأويل بالقول بأن هذه الآية وفق زمانها فهى تعنى من يحاربون الرسول ولم يعد هناك رسول بوفاته فألا نتعامل بمرونة وعقلانية .
أأمل أن تجد هذه الرؤى والحلول من يتبناها من المسلمين المستنيرين الغيورين الآملين في صيغة تعايش سلمى مع العصر فلم يعد هناك خيار ولا وقت للتماطل ودفن الرؤوس فى الرمال .

دمتم بخير وعذراً على دسامة المحتوى .
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه مانحلمش .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل مسلم مشروع إرهابى متى تأدلج وتمنهج بالإسلام
- فوقوا بقى-الأصول الوثنية للأديان-المسيحية(2)
- فوقوا بقى-الأصول الوثنية للأديان-المسيحية(1)
- فوقوا بقى - خمسمائة حجة تُفند وجود إله
- فوقوا بقى-آيات تفصيل حسب الطلب والمزاج
- فوقوا بقى..الخرافات بالهبل والعبيط - جزء ثانى
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
- فوقوا بقى-الأديان فكر بشري ساذج يفتقد للتركيز
- فوقوا بقى..الأديان كلها سذاجة وتهافت وهراء
- المناظرة – الجزء الرابع .
- المناظرة - الجزء الثالث .
- تأملات فى أسئلة تطلب التوقف والتفكير .
- المناظرة - الجزء الثانى
- المناظرة – الجزء الأول .
- الأديان بشرية تُمنهج البشاعة والإزدواجية والبلادة
- ليس وهماً فحسب بل فكرة شديدة الضرر والإنتهاك
- الحياة لاتحتاج لإله فالطبيعة العشوائية تُفسر
- الإله كما يجب أن يكون إذا كان موجوداً
- تأملاتى أثناء التوقف .
- تأملاتى وأفكارى وخواطرى


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - بحث فى حلول لخروج الإسلام من أزماته وتصادماته