أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - من يافا إلى بيروت















المزيد.....

من يافا إلى بيروت


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 6713 - 2020 / 10 / 24 - 14:47
المحور: الادب والفن
    


وصل اليهود ليلا إلى ميناء يافا بواسطة البواخر، سكنوا ليلا في خيام أعدت لهم خصيصا، صباحا، لم نجد لهم أثرا، لا خيام ولا ناس، وتكرّرت الحكاية، وصلت باخرة أخرى ليل اليوم التالي، أنزلت فوجا آخر سرّا وتمّ نقلهم صباحا إلى جهات غير معروفة، تجمع اليهود تحت ستار الليل، باتفاق مع بريطانيا، وتواطؤ العرب مع الإنجليز. قال سليم حنانيا.
وأردف قائلا: هرب والدي في النكبة إلى لبنان عن طريق البحر، استأجرت العائلة قاربا كبيرا حمّلهم وحطّ بهم في طرابلس، تاركين بيتهم ومركبهم الصغير في ميناء يافا.
ولدت والدته، أوجيني اللوح سنة 1933 في مدينة يافا، وتعاني الآن من مرض النسيان، استطعتُ استفزاز ذاكرتها، ولو مؤقتًا، فأخبرتني عن الأحداث قائلة:
- كنتُ في الخامسة عشر من عمري، كُنا جالسين في بيوتنا بأمان الله، وإذ بقذائف انطلقت من منطقة بيت غان، أطلقها اليهود علينا، فأصيب الناس بالذعر، فقررنا الخروج سريعا، استأجرنا سيارة شحن (تراك)، صعدت، العائلة بأسرها، وكذلك عمي وعماتي، ورحلنا، بتنا ليلة في اللد عند قريبة لنا تدعى سلطانة متزوجة من بيت الحصري، خالة والدتي، لا أذكر من هذه الليلة أي شيء، ثم أخذنا طريقنا نحو الأردن مباشرة، اتخذنا طريق القدس ورام الله، وبئر زيت، لكن قرّر والدي النزوح إلى لبنان لعدم حصوله على عمل يعيلنا، فشددنا الرحال إلى طريق مجهولة لا يعلم والدي عنه شيئا، كان هدفنا الوصول عند ابنة خالي، وأقامت في منطقة تدعى جلّ الذيب، ثم استأجر والدي بيتا من رجل يدعى سعيد البستاني في جونيه وسكنّا في.
ضاعت الذاكرة القصيرة للسيدة أوجيني، وأكمل ابنها سليم الحديث قائلا:
- نزح الناس من يافا جماعات، أغلقوا أبواب بيوتهم وأخذوا المفاتيح معهم، ذهبت الأكثرية إلى الأردن، قالوا لهم: (روحوا عند عبد الله)، تركوا بيوتهم بنيّة العودة، وهناك عائلات تركت أبناءها وغادرت على نيّة العودة بعد عدة ساعات، هكذا قالوا لهم، أذكر امرأة من بيت الحاطوم، نزحت وحدها وبقيت وحدها في لبنان، بكت عائلتها سنين طويلة، وأكلتها الوحدة والخوف، والتقت بإخوتها بعد خمسين سنة من الهجرة.
خشيَ الناس على بناتهم من اليهود لذلك هاجروا من البلد، لكن وللأسف، في الهدنة، لم يعد والدي لأنه خشي من العودة.
عمل والدي، توفيق اللوح، وعمي زكي إبراهيم اللوح، معا بالسّمانة، بعد تسع سنوات طالب المالك بالبيت، فاضطررنا إلى الرحيل معا إلى بيروت، فاستأجرا، والدي وعمي حانوت سمانة.
بقي عمي الثالث في يافا، ويدعى خليل، كان قد أرسل عائلته مع إخوته، وأبنائه وزوجته، لكنه لحق بهم سنة 1952، فتشارك الأخوة بشراء عقار واستقروا جميعا في بيروت، بعد مدة وجيزة انتقل والدي إلى المزرعة، واقتنى حانوتا وعمل وحده.
وصل النازحون إلى دير مار الياس، أغلقت المدرسة التابعة للدّير لاستيعاب المهجرين، دير مليء بأشجار السّرو، بلغت مساحة الحديقة نصف كم مربع، تآوى فيها النازحون، نصبوا الشوادر لتقيهم من الحرّ، ثم تحول فيما بعد إلى مخيم.
حياتنا معاناة كبيرة، شقاء وتعاسة وقهر، اضطررنا للعمل في أعمال حرة فقط، في العمار أو أشغال يدوية، خرجنا من لبنان لا نملك جنسية لبنانية، رفضها والدي وحلم بالعودة إلى فلسطين، لذلك لم نستطع التقدم في الحياة، إن كان من ناحية التعلم، والتثقف، أو العمل في أعمال أخرى، والتوطين، حضرنا أيضا الحرب الأهلية اللبنانية، من بداية 1973، وعشنا جحيما لا يشبه أي جحيم، وتعرضنا للخطر المهيب عدة مرات، أنا شخصيا لم أستطع الخروج من منطقتي مدة عشرين سنة، حرب وضرب، كانت بين عون وخصمه، حرب على الهوية، لم يستطع الفلسطيني الذهاب إلى الشرقية، من أيام تل الزعتر وغيرها، أضافت إلى خساراتنا خسارات أخرى بسبب أحداث عون، وأحداث الفلسطينيين والجيش اللبناني أيضا.
في الاجتياح الإسرائيلي، تفجر البيت ونزل على الأرض، بدأت في بناء البيت من جديد، لملمت كسر الحجارة لملمة، انتقلنا للعيش في ملعب كرة قدم بجانب الدّير ريثما أنتهي من البناء، استخدمنا غرف ملابس الملعب، واستحممنا في الحمامات الجماعية، كانت حياتنا صعبة جدا، اُغلقت المحال، واستصعبنا إيجاد المؤونة، أغلقت صالونات الحلاقة أيضا، فظهرنا مثل المشردين، شعورنا طويلة وملابسنا قديمة، يعني بالمختصر المفيد حياة بهدلة في بهدلة.
لم تنته المصائب حتى هنا، قام مجهولون بتفجير محلنا وسيارتنا، ربما بسبب الغيرة، أو بسبب بيعنا للمشروبات الروحية، هناك رجل فلسطيني، باع لحم الخنزير فجروا له محله أيضا، ورجل آخر في عنده محل للمشروبات الروحية في الحمراء، فجروا له محله، لم نعرف من المعتدي، وسجلت هذه الأحداث ضد مجهول، بلغت خسارتنا 50.000 ليرة، ما يعادل 3000.00-$- وذلك سنة 1982.
عانينا القهر والعذاب، وتأثر وضعنا المالي والاجتماعي، ضاع جيل بأكمله، لم نتعلم حتى نرتاح من مشاق الأعمال الشاقة، جيلنا مسلوب، استطاع الفلسطيني التعلم، وتبوّأ المناصب، في الأردن وفي سوريا، وفي الخارج، لكن في لبنان كان هذا من المحال.
سنة 1990 ذهبنا إلى سوريا، اجتزنا طريقا خطرة، وصلنا إلى السفارة لطلب اللجوء من لبنان، غامرنا بمخاطر الطريق، وعدنا في اليوم ذاته بعد أن قوبلنا بالرفض، الآن، أصبح كل واحد فينا في منطقة مختلفة في العالم، هربنا من لبنان هريبة، أحدنا هرب إلى السويد، أما أنا، فجمّدوا لي الجواز وأعادوه لي بعد سنة، لذلك لم أستطع اللحاق بأخي إلى أستراليا، وبقيت في لبنان دون عمل ودون دراسة.
سنة 2005 نزحنا إلى أستراليا، استطعنا الخروج من لبنان أخيرا، بعد أن خسرنا العمر وكل شيء، نزحنا وتركنا والديّ وحدهما في لبنان، فتعرضنا إلى التوبيخ من الأقارب والجيران، وتعرضنا للمساءلة والتحقيق، توجب علينا الانتظار مدة غير محددة داخل أستراليا حتى تتم المعاملة، يعني لم تكفنا مصائبنا، وإذ بالآخرين يتدخلون في حياتنا الشخصية، صبرنا حتى هرب الصبر منا.
تحسنت أحوالنا، لكن منذ 13 سنة، لم أستطع تثبيت والديَ حتى يحصلا على الجنسية الأسترالية، لأنهما مُسنان، فخضعا لشروط الهجرة هنا، هما الآن برعايتي، لا يتمتعان بأية ضمانات وحتى الضمان الصحي، رفضت عودتهما وحدهما إلى لبنان، بما أنهما وصلا بدون فيزا إقامة، ما زلنا نعاني من شروط الهجرة الصعبة حتى الآن.



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منطقة كانغرو بوينت
- فظاظة اللسان
- مش غلط أتذكر
- رحلة إلى جزيرة جيمس بوند - تايلاند.
- رحلة الهجرة، إصرار وواقع.
- حملت البومة الأمنيات
- رحلة إلى شلالات هوكا - نيوزيلاندا
- الساعة المقدسة
- الأقصر وأسوان وحِكَم أحيقار - سقطة برديات يمكنها أن تغيّر ال ...
- أقاوم النّوم بالنّعاس
- زِند طائِر البوم
- دينا سليم حَنحَن.. هجرة أسترالية فجّرت ينابيع الأدب
- كورونا عصر وزمان - نَبتَ الضّحك وخرج من قيده.
- بتعرفوا شو ؟
- جيل ضائع بين أهل الكهف والمجرات.
- حكاية البئر والراعي
- الطريق إلى حيث نريد ولا نريد – تايلاند.
- طفلة أيلول 1948 قصة حقيقة من قصص النكبة
- فضة - حكاية تراث من السّلط
- شهادة إيميل وديع أبو منّه


المزيد.....




- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - من يافا إلى بيروت