أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مختار سعد شحاته - دين أمي.














المزيد.....

دين أمي.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 6678 - 2020 / 9 / 16 - 13:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دين أمي

سؤال من عالم الافتراض:
كنتُ أتصفح حائط الفيس بوك صباحًا محاولا الهروب من صور السيدة الفاضلة (الحاجة صفية) والتي أشعلت تريند سيدة القطار في مواقع السوشيال ميديا، والحقيقة كذلك كنت أجري (جري الوحوش) هربا من عريضة لا أصل لها يتناوب عليها المثقفون المصريون بأنهم يدعمون القضية الفلسطينية ويناهضون التطبيع، وكأنهم فجأة تذكروا القضية الفلسطينية، أو تناسوا أننا أول دولة عربية فتحت سفارة للكهيان المحتل، أو ربما كعادتها بلاد العرب جاءت متأخرة بعد أن اعترف العالم بدولة الكيان المحتل، شئنا أم أبينا، فيبدو أنه حتى التطبيع جئنا فيه مع ذيل الأمم. ما علينا.
المهم؛ وبالعودة إلى حائط الفيس بوك، قابلني سؤال من صديقة افتراضية تسأل: ما الدين الذي يضمن الجنة؟
وجدتني أكرر في سري وبعد أن كتبتها في تعليق على السؤال كإجابة له ثم حذفتها مخافة سوء الفهم وحدوث التباس، كتبت: (دين أمي). ولأني أعرف عن متديني منطقتنا العربية والذين يمثلون وجه عملة آخر مع المثقف الذي أشرت له أعلاه، قررت حذف إجابتي، ليقفز إلى ذهني سؤال، ولماذا ليس (دين أمي) هو الدين الذي يضمن الجنة؟

الدين، التدين الشعبي:
بالنظر إلى كلمة دين (بكسر الدال) في اللغة فهي مصدر للفعل دان، والدين اسم جامع لكل ما يُعبد به الله، ومنه نشأ علم الأديان المقارن أملاً في الوصول إلى فهم موضوعي لدور الأديان في المجتمعات والحياة بشكل عام، وهو ما يجعل الاصطلاح يعرف الدين بأنه ذلك المنهج السماوي الذي ينظم علاقات الفرد بربه وبالناس وبالعالم من حوله، ومن ثمّ فكل منهج سماوي المتكأ استطاع به المرء أن ينظم تلك العلاقات فهو دين لصاحبه.
وأما التدين الشعبي، فنحيل القاريء إلى نص تعريف دون يودر (Don Yoder) "الدين الشعبي" بأنه عبارة عن مجموعة الآراء والممارسات الدينية المنتشرة بين الناس بعيدًا عن اللاهوتية المتشددة وأشكال الطقوس الدينية للدين الرسمي أو بجانبها."
وهنا يُدخل الأراء وينفي التشدد الحاصل بسلفيته عند أصحاب الديانات كلها بلا استثناء خاصة الإبراهيمية.
الحقيقة أننا في تعريفنا للدين يمكن أن نوسع ذلك المنهج ليشمل غير السماوي مما نسميه بالإنساني، الذي ينظم نفس العلاقات بشكل يجعل الفرد مدركا عن ذاته وعن ربه (إن كان مؤمنا بوجود الله)، وعن العالم من حوله، وبعيدا عن الهوى والرأي، وهو ما يجعل لكل منهج فلسفته الخاصة به التي ترى في نفسها ترسيم حدود تلك العلاقات داخل المنهج المتبع.

دين أمي:
بالنظر إلى أمي العجوز التي تخطت الثمانين (بارك الله في صحتها وحفظها)، أدرك أن أمي لها دينها الخاص، وهنا لا أتحدث عن تدين شعبي، قدر ما أتحدث عن رواسخ وقرت في القلب وصدقها العمل، وهذا في أبسط تعريف لمفهوم الدين عند بعض الباحثين. ما أود الإشارة إليه، هو أن ثمة شعرة فاصلة بين فهمنا التدين الشعبي وبين ما أسميه (دين أمي)، الذي ألزمت نفسها به، بل وتجيء طول الوقت بتصريحات تشبه إلى حد بعيد تصريحات أصحاب الديانات الإفريقية التي قابلتهم في خلال إقامتي في شمال البرازيل، والذين لهم طقوس تدين شعبي لا تختلف عن طقوس تدين أهل الديانات الإبراهيمية، لكنها في أصلها ديانات مستقلة.
في نظري أن الأمهات يصنعن داخل بيوتهن ذلك الدين، فيصير لكل أم دينها، وذلك اعتمادًا على التعريف الاصطلاحي واللغوي، حيث تعلمنا الأمهات ما نظل ندين به للأبد حتى الموت، إلى جانب كونه يصير لنا منهجا خاصا ينظم علاقاتنا تلك مع الرب والذات والكون، إذ الفيصل في كل تلك الأديان هو ذلك التنظيم لتلك العلاقات والشعور بالمسئولية الأخلاقية الذاتية تجاهها.

هونوا عليكم يا حضرات:
ربما يرى البعض تسطيحًا لهذا الطرح، خاصة من هؤلاء الذين يمررون لنا تعاريف الدين والتدين الشعبي باعتبارها مسلمات لا يجب القفز عليها، فنقول لهم هونوا عليكم يا حضرات، فالدين والتدين كلاهما خاضع لوجهات نظر أصحابه وممارسيه ودارسيه، ولا شح أنها محل اختلاف ربما يصل إلى الخلاف كثيرا في بعض الأحيان. وعليه؛ وما دام الأصل هو محاولة العيش في سلام على الأرض، وهذا السلام تلبيه قواعد تربية الأم وعقيدتها الخاصة التي تثق فيها، وتحاول غرسها في أطفالها ظنًا منها أنها طريق النجاة لأولادها في الدنيا وما بعدها (بحسب كونها مؤمنة بوجود الله أو منكرة لوجوده)، وإذ يختلف هذا المغروس في نفوس الأبناء باختلاف طبائع الأمهات وتكوينهن على كافة الأصعدة، لذلك فهو في نظري إنتاج لنهج خاص تغرسه الأم لضمان تنظيم العلاقات في حياة أولادها مع كل موجود في الكون، ولذلك فلكل أم دين، خاص بها وحدها، يتبعه الأولاد أو يحيدون عنه أو حتى يطورون فيه بما يضمن البقاء على تكيف تلك العلاقات وهو ما ينقلهم من دين أمهاتهم إلى دين أمهات الجيل الراتب، وفي تلك النقطة دلالة هامة تفرق دين الأم عن غيره من الأديان وهي كونه دينًا مرنًا طيعًا، يصح لكل زمان ومكان شرط فهم طبيعته المرنة تلك التي تسمح للأبناء إقامة توافقات جديدة تضمن استمرارية تنظيم تلك العلاقات مع الذات والله والكون بأسره.

قفزة نوعية واعية:
والحقيقة أن دين الأم ذلك على اختلافه الواسع والمتنوع ليس شرطًا فيه أن يكون مراعيًا لأبعاد إنسانية واجتماعية وثقافية وسياسية بل ربما لا يراعي إلا الحفاظ على تلك العلاقات وتنظيمها بالشكل الذي يرتضيه المرء أو ترتضيه الأمهات ضاربًا بعض الأسس في الدين أو التدين بشكل عام، وهو ما يفسر النقلات الفكرية بين جيل وجيل ونظرتهم إلى معنى الدين والتدين حتى ولو لم يدركوا أنهم يتبعون دين أمهاتهم في الغالب، وتلك طبيعة فريدة وخاصة لا توجد إلا في دين الأم.

أخيرًا؛
في النهاية، فإنني أعيد الإجابة على السؤال عن ذلك الدين الذي يضمن الجنة، وأقول بملء الفيه إنه دين أمي، وبالنسبة لك دين أمك، وبالنسبة لهم دين أمهاتهم، شرط أن يلزم كل منا الحدود العقلانية في دين أمه، فكل الأمهات لها جنتها المتخيلة التي رأت في سعيها حسب دينها الخاص الذي تغرسه في أبنائها أنه دين يضمن الجنة.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضريح التنوير المصري يدفنه إبراهيم عيسى بفيلم صاحب المقام
- أشباه المدن
- الشيخ أحا
- خرافة الصنم والأجيال المستقبلية
- فاصل من تاريخ النشر العربي وأزمته الآنية
- بلوك وريح قلبك؛ بلا مثلي بلا ديني متشدد!!
- رسائل إلى المشترى، الرسالة الرابعة
- المرأة والفيزياء
- حكايات كتاب الألم المقدس
- ترامب... البطل الشعبي العنصري
- طفلان
- مرآة السيارة
- نص البنت التحتاني، كله حلاوة رباني. (أزمة المهرجانات)
- الطفلة
- مقتنياتي من الكتب!! اللعنة!
- ماذا؟
- عامان
- لا تحزن!!
- عروسة أختي القماش
- سرقة أعضاء بشرية


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مختار سعد شحاته - دين أمي.