|
مانيفستو ضد مهربي الشعر
حازم العظمة
الحوار المتمدن-العدد: 1599 - 2006 / 7 / 2 - 02:36
المحور:
الادب والفن
لأن الشعر يتعرض لما يتعرض له من إنتهاكات و إدعاءات سأعرض عليكم مشروعاً لحماية الكتابة الشعرية ممن يزعمون الشعر ، و من الواضح أن الأثر السلبي الذي تسببه كتابات تدعي الشعر لن يكون الأخير في ما نراه الآن من الخفة و الاستسهال في هذالإدعاء و أنا أعني هنا أطناناً من الكتابات ، كتابة ما ، تسجل أمامها أو في مقدمتها هذه العبارة : " شعر"، يضاف إلى ذلك سهولة الطباعة و النشر و كذلك النشر الألكتروني
و ثمة الآلاف حولكم – أحدكم ربما- ممن يحسبون أنهم إن أصدروا كتاباً ، أو قصيدة- و لو في الإنترنت - ثم مهروه بهذه البطاقة أصبحوا فعلاً ، و فوراً " شعراء " ، و حتى أزيل أي التباس محتمل أو سوء فهم سأبادر فوراً لأشرح أن نشر الكتب و القصائد لا يثبت ،و المقابل لا ينفي ، صفة " شاعر " عن كاتبه، و انا أعتقد أن ثمة شعراء لم ينشروا في حياتهم قصيدة واحدة فيما هم شعراء حقاً بعكس ما هو شائع و "متفق عليه" ..
الموضوع يتعلق بمسألة أوسع حتى ، أعني أن علينا أن ننظر إلى الكتابة بصفة عامة ، أية كتابة بطريقة موازية ، أو مشابهة إن أحببتم ، هنا أيضا ً أحب أن أسجل وجهة نظري : كونك " كتبت" لا يعني ، بالضرورة أنك ، أنت صاحبها هذه الكتابة ، صرت ، أو صار ، "كاتباً " ..
أشعر في مرات كثيرة أن وضع عبارة " شعر" في غلاف كتاب ما ، غرضه إزالة الإلتباس ، و أولاً لصاحبها ، شيء ما يوحي أن لديه شك خفي غير معلن في نفسه قبل أن يكون في الآخرين فلربما بدون " البطاقة" هذه سيظن بعضهم أن النص – النصوص هذه مقال أو مقالات ، أو ربما " خاطرة "و " خواطر" ، مع أنني لا أعرف تماماً ما هي هذه " الخواطر" ، أو ربما ظن أحدهم ، إن كان جاهلاً ، أنه أمام ما يسمى بـ " النص المفتوح " و ثانية سأعترف بأنني ، أنا أيضاً ، لا أعرف ما هو هذا " النص المفتوح" رغم أنني متأكد ، تقريباً ، أنه ليس عكس " النص المغلق" .. اعذروني ثانية فأنا لا أعرف ماهو هذا الأخير .. أيضاً .
سمعتم ربما بأن " اليونيسكو" لها لجنة لحماية التراث الإنساني من معالم أثرية أو طراز عمارة فريد أو مكتبات قديمة و جديدة لها هذه الصفة : تراث إنساني ، و ما أفكر فيه هو لجنة مشابهة تحمي الشعر لأنه تراث إنساني ، لكنه تراث إنساني حي و متجدد ، ساسرع إلى القول ، قبل أن تصلني الردود السريعة الجاهزة ، أننا هكذا لا نضع الشعر في متحف و نحنطه، بل نعامله كما نعامل الينابيع المتدفقة السريعة و كما نعامل مساقط المياه الهائلة التي رذاذها يبرق في شمس مائلة بدورها سريعة تلمع صادرة من نهارات سريعة لنقل في منابع النيل
المشكلة في الشعر أن لا تعريف له ، مع أنه بديهي لدرجة أنك تعرفه من أول لحظة حين تصادفه و رغم عدم تحديده هذا فالجميع يعرفونه ، لكنهم يعجزون في تحديد أوصافه ، فإذا حاولوا أن يصفوه ، في غيابه، تلعثموا و ترددوا و تحدثوا ساعات بدون طائل
تماماً كما تتردد و تتلعثم و تضطرب في وصف جميلة ما ، يكفي ان تمر الجميلة حتى تشرح بعبورها ، و إن كان خاطفاً ، كل شيء
الوهلة الأولى ( نعم ربما تكون هذه هي العبارة المناسبة ).. هي تماماً ما سأقترحه كـ " معيار" و " مواصفات" تصلح في تمييز الشعر عن ادعاءه ..
الحدس أيضاً عبارة مناسبة ، ما أقترحه هو استخدام " اللامعايير " و " اللا مواصفات" لأنه كما هو و كما نعرفه كائن لا يحدد .. ، و هش و متبدل و غامض ، رغم وضوحه ، و تصيبه الجراح هيناً و هينة ً، و يموت كما يموت حيوان صغير في لحظة إن حجزته في قفص أو تعريف أو دائرة أو بين متفلسفين أو عباقرة و منظرين و "اتحاد"أو " بيت" و يموت سريعاً إن تفحصه عن كثب – كما يقال - " النقاد" و " الأنثروبولوجيون "و "البيولوجيون " و علماء اللسانيات .. خاصة
الذين أقترحهم للهيئة التي لها أن تصف كتابة ما بأنها " شعر " أو لا ، لن يتفحصونه و لن يضعوا علامات و " نقاطاً " و " روائز " و لن يقارنوه بجداول أو بـ " أعمدة" إيقاعية ، و لن يصنفوا الشعر في " موزون" أو " نثري"و " متزن " أو " غير متزن " أو " وطني " و " عاطفي ".. أو " عدمي" و " عبثي" و خاصة "وجداني " ... فتصنيف الشعر هكذا يصيبه بالسكتة (الشعرية)... حسبُ سيقولون هذا شعر أو لا
إلا أن قرارهم هذا لن يلزم أحداً لن يلزم أحداً لأننا لو اعترفنا بأن الشعر لا يخضع للمواصفات و لا يصلح لجمعية " المعايير و الأوزان" و جمعية " حماية المستهلك" كما هو الحال مثلاً مع F.D.A (وكالة الدواء و الغذاء الأمريكية) أو ما يشابهها من وكالات عربية – إن وجدت – لعدنا بالوراء إلى شيء ما يشبه "محاكم تفتيش " شعرية فيما الشعر لا يتنفس في المحاكم و يضيق بالمختبرات و بالحواجز و الأقفاص و لا يتنفس إلا في فضاء الحرية ...
الحرية، بما في ذلك حرية اللاوزن و لكن حرية الوزن أيضاً ...
ثم أن هؤلاء الذين سأعينهم – ستعينونهم أنتم ربما- لجنة لتقييم و قياس القصائد و "فرز" الشعراء عن غيرهم .. و وضع بطاقات (ترخيص) ممهورة بخاتمها ( و ليكن هذا الخاتم " شعر" بنفس الخط الذي كان لعنوان المجلة التاريخية الشهيرة " شعر " ، فهذا يعطيه مصداقية أكيدة .. ) أقول : هؤلاء ألن يقعوا تحت تأثير العلاقات العامة و الخاصة و ميكانزمات المحاباة و الترويج ... ،ألن يقعوا في نفوذ دوائر المافيات ، نعم سمعتم جيداً : المافيات .. "الثقافية"و السياسية و دور النشر ، و جمعيات رعاية الصم و البكم و لجان الدفاع عن الحياة البرية و .. و ..
ثم ما الذي نفعله بهؤلاء الذين يطلبون من الأطفال و التلاميذ في المدارس ، في بلاد غير هذه طبعاً ، أن يكتبوا قصيدة .. ، و ما يكتبونه ، الأطفال ، يسمونه ، معلموهم ، قصائد ، هكذا بدون مواربة... ، طبعاً هذا لا يحدث عندنا ، لأننا بعد لم نغادر السلطة البطريركية للمتنبي .. و البحتري و الجواهري .. ، و أقصى ما نعلمه لأطفالنا من "الحداثة" سليمان العيسى ...
و لأننا نقيم سوراً (عربياً ) عظيماً بين الشعر و "غيره" ( لأن الشعر ديوان العرب..) فنحن لا نعرض أطفالنا لمخاطر أن يقرأوا "مغامرات شعرية"... المغامرات بصورة عامة- شعرية أو لا - فاسدة و تفسد الأجيال و النشأ .. لذا و حرصاً على قيمنا العربية و الإسلامية، و عاداتنا و تقاليدنا، أطفالنا لا يقرأون غير " عيون الشعر "... حتى لا تفسد ذائقتهم " عيون الشعر " هذه ربما هي المسؤولة ، بطريقة ما عن أن الأطفال بعد أن غادروا مدارسهم غادروها و هم يمقتون الشعر ...
ثم ألا تلاحظون معي أنني في هذا المقال- المانفستو ، انتقلت من موقف إلى نقيضه و لكن ببراعة .. و أنني بعد أن اقترحت هيئة- لجنة (عالمية) لحماية الشعر من أدعيائه تخليت سريعاً عن هذه الفكرة بل و هزئت بها و دعوت –مواربة- لأن يكتب الشعر أي أحد ... أقول "ببراعة" و أخشى أن يتهمني أحدكم بالغرور أو بالنرجسية... مثلاً
#حازم_العظمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام البطريركي ، الإستبداد و العلمانية
-
الفضاءُ إلى الغربِ حتى-خان العروسْ-
-
أنظمة الإستبداد دريئة ً
-
في حجة من أتى أولاً و من أتى آخراً ...
-
الزرقاوي شهيداً .. .... ، صنعته أمريكا و قتلته أمريكا
-
كَ وِ ه ْ ...
-
ذرقُ الطيورِ عليها تضيئه النجوم ْ
-
من الذي يضع الخطوط الحمراء ...
-
ديموقراطية فرق الموت .. و التطهير الطائفي
-
عدوى السياسة تنتقل إلى الشارع الأمريكي الشمالي
-
منذ متى بدأ فساد الدولة الفلسطينية
-
مدينةٌ من صخور ٍو أعشابَ
-
كأس نبيذٍ من أجل لوسي
-
هؤلاء ، هل هم حقاًعلمانيون ...
-
امرأة بالأحمر ، منحنيات معروضة لليل - ثلاث قصائد
-
نوروزْ ... ، متأخراً قليلاً
-
في نقد الليبرالية ... السورية
-
تجارة حرة ...
-
حوار هادىء مع وفاء سلطان
-
الحَصانة السعودية ، و الحَصانة السورية ..
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|