حازم العظمة
الحوار المتمدن-العدد: 1589 - 2006 / 6 / 22 - 09:37
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
تصلني على بريدي ، كما لغيري ، للجميع ربما ، عشرات الرسائل في كل شهر من المنظمات و الأحزاب الكردية تتضمن بيانات و بيانات مضادة تتعلق بالقضية الكردية ، إحداها منذ يومين كانت في مديح جلال الطالباني ، هي هكذا في شرح شمائله و خصاله ، ثم في بيان " كاريزميته " ... و في شرح كيف أن الشعب يسميه تحبباً بـ" مام جلال " و كيف أنه طراز جديد من الزعماء لم تشهد المنطقة له شبيهاً من قبل ... ، من حيث طيبته و خفة ظله و شعبيته ...
رسائل غير هذه تتحدث عن " كوردستان الغربية" .. و في الرسائل خلافات و اجتهادات في هذه المسألة و حولها ، و مزاودات و إعادة مزاودات و ...
المقصود هنا ، لمن لم يسمع بـ "كوردستان الغربية "، إقامة كردستان في المنطقة التي تسمى عادة " الجزيرة" أي المنطقة الشمالية الشرقية من سورية ( أو على جزء منها حسبما يجتهد المجتهدون .. )، لتنضم ربما ، أو لا .. ، لا أحد يدري على وجه التحديد ، إلى كوردستان العراق
( لاحظوا أن كوردستان يكتبها هؤلاء بالواو و ليس كُردستان بضم الكاف كما هو بديهي و صحيح بالعربية )، و كذلك يكتبون كور د و ليس كُرد كما هو كاف و صحيح تماماً ، و كأنه توقيع للمتعصبين و علامة مسجلة ما ... ، بنفس الطريقة ربما عليهم أن يكتبوا توركيا بدلاً من تُركيا ، و التورك بدلاً من التُرك أو الأتراك ...
أما الأهم فهو الموضوع نفسه أعني مسألة "كوردستان الغربية" هذه ، أنا استغرب تماماً مسألة كهذه و أعتبرها دعوة للإقتتال بين الأكراد و العرب ، فبصرف النظر عن مسألة من أتى أولاً و من أتى آخراً ، المسألة التي هي دائماً في الجدال العقيم في قضايا مشابهة ، فهي حتماً دعوة للتطهير العرقي
لكل ثقافات و أقوام هذه المنطقة حق أن يقول كنا هنا منذ آلاف السنين ، الآشوريون مثلاً و السريان و الأكراد و العرب ، ثم ما ذا يعني هذا ، هل تطرد الآخرين لأنك كنت هنا ( منذ آلاف السنين .. )
هل ، بحجة من أتى أولاً و من أتى آخراً نطالب أو يطالب أحد بطرد الإنجليز من الجزر البريطانية ( لأنهم أتوا آخراً ) ...
هل لأن التونسيين أو الجزائريين قادمون جدد مثلاً إلى فرنسا كان على " القوميين" الفرنسيين أن يطالبوا بترحيلهم
حليقوا الرؤوسskin heads و حزب "لوبن " القومي اليميني يطالبون فعلاً بترحيلهم
المجتمعات المتمدنة تعتز بتعددها لا بـ " نقائها العرقي " البريطانيون المتمدنون ، لا بريطانيو " بلير " و " حليقي الرؤوس" يفخرون بمجتمع " الوست أنديز " الذي في لندن العاصمة لأنه أضاف إلى ثقافتهم و نقل إليها ثقافة الوست أنديز ، و هو بهذا أغنى ثقافتهم و دفعها إلى الأمام كما في كل المجتمعات المتمدنة
لا وجود لحليقي الرؤوس في شرقنا هذا بالصفات التي لهذه الحركات في أوربا ، ولكن لدينا " حليقي رؤوس " ما محليون ، هم هؤلاء الدعاة إلى "النقاء القومي العربي" و " النقاء القومي الكردي" .. و غيره من أصناف التعصب
، هذه العاصمة دمشق كانت تعتز دائماً بأكرادها و أرمنها و شركسها وكل أقوامها ، و بكل من قدم إليها ، بما في ذلك يهودها الذين و حتى قيام دولة إسرائيل ، التي هي بدورها "قومية" و عنصرية ، كانوا دائماً دمشقيين و سوريين
ثمة حي كبير في دمشق يعيش فيه عشرات آلاف الأكراد ، ربما منذ مئات السنين و ربما أكثر بكثير
نوروز الذي هو عيد كردي أيضاً ، كان يحتفل به كل أهل دمشق ، أكراد دمشق هم جزء من دمشق يستحيل فصل عراها عنه ...
هل يطالب أحدهم ، في المستقبل ، أو الآن ، بترحيل أكراد دمشق إلى " كوردستان الغربية " حين ولادتها – المشؤومة بكل تأكيد –
فما الذي يعنيه إنشاء كردستان " غربية" غير هذا ، الدعوة هذه ، أو المشروع هذا ، ألا يشبه ، و لكن مقلوباً ، الدعوة البعثية للتطهير العرقي التي أتى بها نظام 8 آذار 1963 البعثي لسورية و تحديداً لمنطقة الجزيرة و نفذها إبتداءً من إصدار ما سمي بـ "الحزام الأخضر " المشؤوم و الذي كان أدق لو سمي " حزام الشوفينية العربية "
دعوة التطهير العرقي هذه و التطهير الطائفي و ما يتبعها من قتل و تهجير قائمة الآن بنشاط برعاية الهمج الأمريكان في بغداد و في كركوك
الدولة السورية و منذ صدور قرار "حزام الشوفينية" ، قانون العار هذا ، نزعت هويات عشرات الآلاف من الأكراد بحجة أنهم أتوا من تركيا
مع إحترامي لكل الأبحاث التي كتبت في حركة الشعب الكردي و هجراته في هذه المنطقة ، إحترامي الأكيد ، بل أنني أطالب بمزيد من هذا البحث التاريخي و الموضوعي ، إلا أن السؤال يبقى و ماذا يعني هذا سياسياً و واقعياً و فيما يتعلق بحياة الناس ... لا شيء سوى أن كل هذه الشعوب التي هي هنا الآن كانت دائماً إما هنا أو في مكان قريب و أن كل الشعوب تحركت في هجرات تاريخية هنا و هناك
هل نعيد عرب نجد الذين أتوا إلى سورية في القرن الخامس عشر إلى نجد …
الأرض ، لولا الحكام ، لاعتبرها الناس لهم جميعاً ، المستبدون هم من أقاموا حدوداً ليرسموا "ممتلكاتهم "و ممالكهم ، الطغاة و الطامعون هم من فرق الناس و أقاموا بينهم المذابح
الطغاة و المستبدون هم من يميزون الناس في أقليات و أكثريات و عروق و أصناف و يثيرون بينهم العداوات ليحكموا هم
الدعوة لـ " كوردستان الغربية " هي النسخة المقلوبة للحزام " العربي" أو الحزام " الأخضر " ، العصبيات القومية مثلها مثل كل العصبيات الأخرى الدينية و المذهبية و الطائفية ، تغذي بعضها بعضاً ...
كأنما ينقصنا إقتتال " قومي" يضاف إلى مالدينا ، و كأنما تلزمنا مزيد من الحروب الأهلية ، إضافة لما لنا
منها حتى الآن أو ما كان لدينا ، أو أن لنا ، أعني لهم ، شغفاً لمزيد من حروب الطوائف و الإثنيات ، المستترة منها و المعلنة ، أو أننا نستدعي المزيد من المآسي للشعبين الكردي و العربي كليهما ،
لطالما عاشت في منطقة الجزيرة متجاورة و متداخلة قوميات عديدة و ثقافات عديدة منها العرب و الأكراد و الآشوريين و الأرمن و أيضاً الشركس و الشيشان ، كل ذلك في نسيج متواشج ، بل ان من يأتي من هناك – أعني من منطقة الجزيرة - سيروي لك قصصاً مؤثرة عن كيف أن الثقافات – القوميات هناك بينها تلك العرى المتينة منذ التاريخ القديم ، بل أن سورية كلها كانت دائماً وطناً للأكراد و العرب و السريان و الآشوريين و غيرهم بدون تفرقة إلا ما أثارها الطغاة و المستبدون ، و في ثقافة المنطقة ذلك الإعتزاز بتجاور هذه الأقوام و التضامن و التعاطف فيما بينها ضد الظلم و الإ ستبداد ، من ذلك قصص مؤثرة جداً سمعتها عن كيف أن الأرمن اللاجئين من مذابح الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين ، آواهم و أضافهم البدو ، و حتى أن مصاهرات قامت بين البدو و الأرمن و كذلك بين الشيشان و العرب ، لا أحد في سورية يستطيع أن يدعي " نقاء عرقياً " .. ،لا أحد في العالم ، و النقاء العرقي هو مفهوم متخلف و رجعي و لا يفضي إلا إلى النزاعات و العنف
القومية هي عشائرية ثانية و قبلية ثانية و لكن أوسع ، و لا تقل عنها تخلفاً
كنت أقول و ما زلت أقول : الكردي هو عربي آخر و العربي هو كردي آخر و أضيف أن من يثيرون " القومية الكردية " هذه القومية التي لها ، هي أيضاً ، كل صفات الشوفينية و التعصب هم من يسكبون الزيت في طاحونة الشوفينيين العرب أصحاب "الحزام الأخضر " و "الحزام القومي العربي"
أخيرً فيما يتعلق بـ " مام جلال " و نظامه الإقطاعي العشائري ، أقول أن الأمريكان أيضاً يدعونه هكذا ، تحبباً ...
#حازم_العظمة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟