أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - يوميات ملازم -2-














المزيد.....

يوميات ملازم -2-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6569 - 2020 / 5 / 20 - 17:50
المحور: الادب والفن
    


من باب القيام بالواجب وجسّ النبض دعاني المساعد، مسؤول قسم الانضباط، للعشاء ومشاهدة أحد البرامج التلفزيونية في غرفته الكئيبة رغم اهتمامه بتجهيزها لتصير أقرب إلى غرفة مدنية.

عاملني الرجل كما يعامل الكرام ضيوفهم، قدّسني قليلاً، مدح بأهل الساحل، وسيادة الرئيس وقائد الحقل.

كانوا يقولون إن العقيد، بسبب معاناتهما المشتركة من مرض السُّكَّري وبسبب تواجد المساعد الدائم وغيابه الطويل عن أسرته وحرصه الشديد على أمن الحقل وسيرورة العمل والنظام والانضباط فيه وتقديم التقارير اليومية عمّا يحدث في أوقات غياب العقيد، قد أعطاه الاستثناء بالحصول الدوري على إجازة طويلة لمدة أسبوعين لزيارة عائلته في الجزيرة كلما انقضى شهران على دوامه في الحقل، كما سمح له أيضاً باصطحاب عسكري معه ممن يقطنون في مدينته ليعمل على خدمته ورعايته، ناهيك عن إعطائه الحق بأخذ عدة حقائب معه معبَّأة حتى التخمة بالمواد التموينية من سكَّر وأرز وشاي وسمن وجبن وزيت نباتي ومعلبات المواد الغذائية بمختلف أنواعها إضافة للحوم المُجمَّدة.

كان الآخرون من زملائه لا يحبونه حقيقة ومع هذا راحوا يتسامحون معه، ولم يكن ذلك مُستغرَباً فلكل منهم حصته التي يجنيها من البستان، كانوا يقولون إن المساعد يستحق ما يحصل عليه فقد ضحّى الفقير بحياته العائلية كرمى للحقل والوطن.

كان المساء الذي أمضيته برفقته ذاك اليوم مملاً فاتراً بارداً، ودّعته ومشيت إلى غرفتي وأنا أدمدم: يا لخسارة الوقت، ألم يكن أفضل لي ألف مرة لو أني أمضيت المساء برفقة مدرب الرياضة والاستماع معه إلى المواويل العراقية ونحن نحتسي الشاي وندخِّن السجائر!؟

**

في موعد مناوبة المساعد جابر يفلت الحقل عن بكرة أبيه، كل أحد يسرح ويمرح كما يحلو له، شريطة أن يُنتفع منه.

كان جابر من أهالي الساحل ويعيش في ضواحي دمشق، جسده يشبه كرة قدم، قصير القدّ، رأسه ضخم، شاربه عريض، كرشه كبير، كان يضع نظارته الطبية على عينيه وسيجارة حمراء طويلة بين شفتيه ويشبك يديه خلف ظهره ويتمشَّى الهُوينى في دروب الحقل متشمشماً الهواء كالطاووس في نزهة، يتنحنح عالياً يتنقَّل من مكان إلى آخر ومن خيمة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر لالتقاط رزقه.

استطاع جابر أن يرتّب أموره المالية والعائلية باكراً، اشترى بيتاً وافتتح بقربه مطعم فلافل وتوابعه، الشيء الذي أعطاه مزيداً من الثقة بنفسه.

كان وهو يتكلم مع الآخرين يحسب نفسه ضابطاً برتبة لواء، لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، وكان - بحكم منبته الجغرافي - يتكلم مُوحياً لمحدثيه بمعرفته العميقة بأسرار الحقل والسلطة والعقيدة، فحين يذكر شيئاً عن قائد الرحبَّة العسكرية التي يتبع لها الحقل يقول مثلاً: "كنت البارحة بمكتب المعلم الكبير"، وحين يُخبر أحداً شيئاً عن قائد الحقل يقول مثلاً: "كنت وسيادة العقيد في مشوار مهم"، وإذا كان منتشياً بعد نجاحه بعقد صفقة ما، فتراه يقول: "كنت وأبو المجد في مشوار مهم".

وكان على الآخرين على الأقل في حضرته تصديقه، فتراهم يومئون له برؤوسهم إيجاباً.

**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات ملازم -1-
- الحب والغباء
- المُستَبِد اللطيف
- الجَلاَّد الحنون
- هاني أبو المجد
- يا من لم يعرفني قَطّ
- مقتطفات من كتبي
- في المهجع
- فول أخضر
- حصاد الحقل الإلكتروني
- السيدة كورونا
- المثلث
- المنحنى الأُسّيّ
- الكمَّاشة
- شيء أحمر كالقلب
- عن غسيل الزيزفون
- متفرقات
- وباء التاج الذهبي
- الهاربون
- هدية إلكترونية


المزيد.....




- انطلاقة قوية لفيلم الرعب -ويبنز- في أميركا بإيرادات بلغت 42. ...
- الجبّالية الشحرية: لغة نادرة تصارع النسيان في جبال ظفار العُ ...
- فنانون وكتاب ومؤرخون أرجنتينيون يعلنون موقفهم الرافض لحرب ال ...
- سليمان منصور.. بين الريشة والطين: إبداع مقاوم يروي مآساة وأم ...
- أمير تاج السر: أؤرخ للبشر لا للسلاطين والرواية تبحث عن الحقي ...
- العودة إلى زمن (المصابيح الزرق) لحنّا مينه.. علامة مبكرة من ...
- حسين الجسمي يحيي -ليلة من العمر- في الساحل الشمالي وليلى زاه ...
- أنطونيو بانديراس في عيده الـ65: لن أعتزل التمثيل
- مقهى -مام خليل-.. حارس ذاكرة أربيل وقلبها النابض
- بمشاركة 300 دار نشر.. انطلاق -معرض إسطنبول للكتاب العربي- في ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - يوميات ملازم -2-