أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - روايتي الجديدة ( عرف الديك) ح1















المزيد.....

روايتي الجديدة ( عرف الديك) ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6568 - 2020 / 5 / 19 - 21:06
المحور: الادب والفن
    


البدء

قبل أكثر من ثلاثمائة عام ولد الشيخ عواد وحيدا لأبويه كما ولد إسماعيل لإبراهيم، والد الشيخ شيخ متسلسل الحسب والنسب وأمه شيخه وكل ما في القبيلة أتباع لآل الشيخ، منذ ولادته كان محط العناية الإلهية فقد ولد وكل أسباب العز معه، لا شريك له في إرث المشيخة ولا منافس يدنو من ملعبه أو يعكر صفو أيامه، تتلقفه أيدي الوصيفات وترضعه كل المرضعات وأمه الشابة الطافحة بالأنوثة قرت عينها به، لا أحد في القبيلة يستنكف أن يكون ظهره تحت مقعد الشيخ عواد، بل ويتسابقون للتشريف والتشرف إلا واحد وواحدة كانا من المنبوذين لا يعرف سرهما إلا من شهد الواقعة.
في النهار بين أيدي العبيد يترقبون طلباته وأمانيه بعيدا عن عيون الناس فقد ولد جميلا يخاف عليه من عيون الحساد، وفي الليل جليس أمه وشلة النساء التي يتغزلن به لتفرح الأم بشبلها الذي سيكون كيوسف مع صويحباته، مع أنه بلغ مبلغ الحلم لكنه ظل بعيدا عن أعين القبيلة إلا ما ندر، كلما أراد الأب أن يكون قريبا منه بين الرجال وهو رجل القرية وحاكمها القادم تستمهله حتى حين، فينصرف الرجل مهموما أن تفسده بدلالها ولا يكون كما تقتضي أعراف الناس، حين مرض الآب أستشعر الخطر فأجبرها أن تترك الولد ليكون رجلا، فصحابه رجل حكيم بأمر الشيخ ليعده للأيام البعيدة والقريبة.
كان الرجل حكيما من نظرته الأولى لعهدته فقال كلمته التي لم تنسى من ذاكرة عواد (أنت ديك على مملكة دجاج)، قالها ليرضي غرورة الشاب وعينه تجول خلف كل سواده تمر أو رائحة أنثى تعطر المكان، علمه كل ما في خزينه من حكم وعرف مسنون وقص عليه القصص، صار بعدها ولسنتين متتاليتين شيخ مشايخها، فقد رحل الكبير مطمئنا أن ولده يمكن الركون لعقله فقد نال الغنى والحكمة والخير، وبقى عواد ديكا على الجميع وديك لا يشبهه ديك أخر لا هنا ولا في الجوار.
مرت أيام الحزن ثقيلة على القبيلة والقرية فقد ذهب رجلهم الذي لم يفارقهم منذ خمسين عاما، عرفوه وعرفهم ويعلمون ما يريد قبل أن ينطق ويعرف ما يريدون من لحن القول، سلموا لقضاء الله وشكروا ربهم أن مكانه لن يشغر ولن يخلو من ذكره، بين واجب العزاء وواجب التهنئة أختلطت الأحاسيس وتوحدت القلوب فما مر ليس بالهين ولا القادم لهم بين مهما قيل ومهما كان، فالتغيير ليس سهلا ولا تقبله ببساطة ممكن على أي حال، ما يطمئن أن كبار ألرجال حول شيخهم يسندونه ويسددون له خطاه، ومرت الأيام وكل شيء تمام لا من حدث مزعج ولا من قلق يبدو من قريب أو بعيد.
أشهر قليلة مرت والشيخ الجديد يذهب كل صباح يتفقد ناسه ويسأل عن أحوالهم، فالشيخ أب العشيرة وإن صغرت به سنينه أو كبر أبناءه فهو أبوهم بحكم المشيخة، أراضيه واسعه وقسم منها بعيد فلا بد من فرس تنقله ورجال يصحبونه وعبد يرافقه ليكون ظله في كل حاجة، الجميع يهاب الشيخ ويحترمه يمر على الفلاحين في موسم أعمالهم يزيدهم أطمئنانا ويتعرف عليهم عن قرب، هكذا علمه الحكيم أقترب من أبناءك شبر يقتربون منك ذراع، حبهم يحبوك ويفدوك بأرواحهم، الشيخة ليست صفة فقط بل حياة ونظام راعي ورعية... يتفكر بكل ذلك شيخ عواد ولكن ذكر الديك على باله لم يفارقه وهو يرى دجاجات الحقل أمامه فيوكزه الأول بعصا الهيبة فيهرب الديك بعيدا.
في ليلة من ليالي السمر بعد أن أنصرف الناس عن مضيفه لم يجد غير أن يذهب ليواسي والدته الشيخة، فلم يعد لها من يواسيها وقد ترملت وهي لم تزل نظره غضة تجتاحها أحزان الفراق، تسامرا وتذاكرا أيامهما القديمة وفي لحظة سبقها صمت قالت يا ولدي لو تتزوج فيكون لك زوجة تغدق عليك دلالها وتنعم عليك بجميل غنجها وتخلف لك عيال تملي عليك وحشة الوحدة وتكمل بها دينك.... بنات السلف وما حولنا كلها تتمنى تراب قدميك... صمت ثم صمت وهمهمة دون جواب وقال أخيرا أريد بنت الحكيم ماهود...
_ ولماذا الحكيم ماهود دون غيره ففي العشيرة عشرات البنات من هن أجمل من وردة وأرق من قساوتها وغرورها.
_ أريدها هي لذات السبب قساوتها وغرورها...
_ لكني لا أطيقها ولا أطيق أمها وأبوها...
_ إذا أغلقي باب النقاش عن الزواج...
_ ألهذا الحد أنت عاشق ولا أعرف أنا وكنت أظن أني أسمع كل دقات قلبك قبل أن تدق؟.
_ لا ليس عشقا لكنني أرغب فيها كما يرغب الفارس بالفرس الجموح... قد يأت العشق لا حقا...
_ ولكنني ارى أن سهمك لم يكن دقيقا فمالك ومال الجموح تتعبك وتتعب من يتعب لأجلك...
_ سأراود أباها في وقت مناسب ويبقى الكلام بيننا...
لم تكن ليلة سعيدة كما أرادت الشيخة وتمنت وحتى أرهقها التفكير فلم تستطعم نوما ولم تهجع وقد أنتابتها كوابيس من أحلام اليقظة، كيف سيكون لها أن تجتمع مع نقيضتها فهي لم تحتمل رؤيتها ولا أمها في أي محفل يجمع نساء القرية؟ من زرع برأسه هذه الفكرة؟ وأين رأها وعرفها؟ هل لمح أحد له بها أم نصيبه هو من جعلها تقفز من بين كل بنات العشيرة لتكون مطله، خرجت وما زال الصبح لم ينبلج ونادت على عبدتها شنوة بمزاج متعكر، هبت المسكينة من نومها وهي عادة ما تنام في باب غرفة الشيخة منذ أن أختارتها وصيفة لها وكاتمة أسرارها...
_ نعم عمتي خيرا...
_ لا خيرا ولا بارك الله بك...
_ أمري عمتي...
( أذهبي نادى على مناور سود الله وجهه نائم كالجاموس لا يدري ما يجري حوله... أركضي لعنة الله عليكم...
_ صار عمتي ....
هرولت تجري كالمجنونة نحو المضيف حيث ينام مناور عادة برغم من أن له زوجه وعيال، إنه ملك الشيخ وليس أكثر.... فز مرتعبا على صوت شنوة الذي يشبه صوت رغاء البقرة وهي تختنق بأنفاسها..
_ خير ا يا شنوة عمي الشيخ جرى له مكروه؟.. قولي أنطقي..
_ عمتي الشيخة تسأل عنم وتشتم بك ماذا فعلت يا مسكين؟..
_ لا شيء فعلته تركني الشيخ عواد بعد أن أوصلته وهو الذي أمرني أن أعود...
_ تعال بلا كلام لن تمضي هذه الليلة بسلام... سود الله وجهك أكثر مما هو أسود.
حضر ماهود وشنوة بين يديه الشيخة يرتجفان كسعفة مر عليها ريح أذار وهم لا يعلمون ما سينالهم من غضب... جرت ماهود والشرر بعينيها ...
_ أخبرني أين شاهد الشيخ عواد بنت ماهود؟ تكلم أخبرني وإلا أمرت العبيد بسلخ جلدك....
_ ( لا يكاد يستطيع أن يتنفس من شدة الخوف) يا عمتي شاهدها مرة واحدة تمتطي فرسها وهي راجعة من بيت أعمامها قرب الإيشان.. سألني من هذه التي لم تنزل من فرسها وهي تمر من قربنا... أخبرته عنها ... فقط هذا كل الذي حصل..
_ ولماذا لم تنزل عن فرسها والمحفوظ سكت عنها...
_ لا أدري وسألته عنها قال رأس برأس والأصلب من يكسر الأخر... لا أعرف ماذا جرى..
_ منذ متى هذا الحادث؟... لماذا لم تخبرني؟.. ألم أنبه عليك أن لا تدع شيئا يراه المحفوظ إلا نقلته لي .. لا كلام وسلام ولا حديث... لن أتركك تنجو ستنال من غضبي ... أذهب لعنة الله عليكم..
فر مذعورا كأرنب تخلص فجأة من مخالب ذئب يلاحقه لا يلتوى على شيء، وشنوة ما زالت ترتجف من غضب سيدتها التي دخلت غرفتها وبقيت تنتظر أن تعود لها أو تحتاج شيء..
قبل أن تشرق الشمس دبت الحركة في بيت الشيخ أو عواد فما زال هو كما كان بيت الشيخ الأب، كتل حجرية مبنية بطين ومصقولة واجهته وكأنه شبه قلعة فوق مرتف مسطح وبعض أشجار من الفاكهة تين ورمان وعنب، الشبابيك العليا مغلقة على الدوام لا تفتح إلا ليلا ولا ينظر لها بأمر الساكنين، لا من مار عابر سبيل ولا من أهل الجيرة، ثلاث شبابيك خشبية متتالية كلها غرف تعود للشيخة الوسطى لجلوسها مع النساء، وتلك التي على اليمين في زاوية البيت محل نومها وراحتها، أما التي في الجانب الأخر ففيها كل ما تحتاجه من لباس وفراش وزينة، لا يدخلها أحد سواها وشنوة فقط.
الغرف التحتية مطبخ كبير في مدخل الدار وعلى اليسار وبقربه مخزن المونة والطعام صيفا وشتاء وهناك ينام بعض العبيد ممن يخدم في الدار، أربع غرف أخرى متجاورة كانت أحداهن لأم الشيخ أبو عواد وهي مقفلة منذ أن رحلت المرحومة وغرفتين للضيوف من النساء إحداهن ومخصوصة والثانية لعمة الضيوف....
الساحة الكبيرة في وسط الدار مزروعة ببعض النباتات التي يحتاج لها أحيانا تتوسطها شجرة تين عملاقة من عهد قديم يقال أنها نبتت قبل أن يبنى البيت، لا أطفال في البيت سوى صبايا صغيرات بنات العبيد ممن لهن عمل محدد أو يأتين لمرافقة أمهاتهن، المشهد داخل الدار كأنما أنت في عصر الآلهة حيث طبقات العبيد فيه كطبقات خدام المعبد، هناك عبيد كبار وهناك من هم مثل عبيد العبيد والرأس الأكبر وسيد العبيد كلهم الشيخة أم عواد، تتحكم بشعبها الذين أشترتهم أو ورثتهم عن زوجها وزوجها ورثهم عن أبيه وهكذا ولا نعرف كيف أستعبدوا ومتى ولكنهم أيضا يفخرون بعبوديتهم...
وصيفة الشيخة شنوة هي المعدلة عمرها تقريبا من عمر سيدتها قصيرة ممتلئة الجسد ذات خدين منتفختين وصدر مكور كأنها بطة حين تمشي، تأكل من أكل سيدتها وتلبس من ما تهبه لها، تأمر وتنهى على الجميع، فعبدة الشيخة شيخة العبيد هذا نظامها ومن لا تعجبها سيكون العقاب أليم، ومن لا يطيع من العبيد الرجال ولا يلتزم بأوامر شنوة لا يدخل الدار وعليه أن يجد له عملا في مكان أخر...



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات فكرية في سورة النمل
- مظاهر السلطة والتسلط في المجتمعات الدينية
- الزمن والزمن الأخر في سورة المؤمنين
- ثلاث دروس من سورة الحج
- نسخ أم فسخ
- المغضوب عليهم والضالين
- صورة الحياة الأخروية في النص القرآني
- سورة الكهف بين الصورة والتصور
- منهجية الدعوة لله في سورة الإسراء بين الترغيب والتخويف
- الأمر الرباني بين الإلزام والألتزام
- رواية (حساء الوطواط) ح 20 والأخيرة
- جدل التوحيد في قصة يوسف ع
- إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في القرأن حقائق مغيبة وأفتراءات تاري ...
- مصاديق مصطلح الكتاب.. قراءة في سورة هود
- الدعوة الدينية وأساليب الجدل العقلي في سورة يونس
- لماذا الكاظمي رئيسا...
- الأستنباط المنطقي منهج الأنبياء وأولي الأمر في الكشف عن موضو ...
- الراهنية الزمكانية في النص القرآني واثرها في ترتيب الحكم الش ...
- رواية (حساء الوطواط) ح19
- الدين وفلسفة الوجه الأخر.


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - روايتي الجديدة ( عرف الديك) ح1