أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الدين وفلسفة الوجه الأخر.















المزيد.....

الدين وفلسفة الوجه الأخر.


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6554 - 2020 / 5 / 4 - 10:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من الحقائق المنطقية أن لكل الأشياء في الوجود وجه أخر قد يكون في وضع عدم المشاهدة أو الغياب عنا، وحتى الحقيقية في حقيقتها أن لها وجه أخر قد يصعب حتى التسليم بهذه الفكرة فضلا عن إمكانية نفيها بأعتبار أن الحقيقة واحدة ومطلقة، وهذا لا غبار عليه إن كانت في ذاتها المحضة، أما من ناحية المشاهد لها تبقى الحقيقية وضع جزئي لعدم إمكانية إدراكها بالكامل لأنها أكبر من أن تحاط أو يحاط بها، هذا الكلام ليس تنظيريا أفتراضيا بل هو واقع حال وسببه قصور العقل الإنساني على تصور الحقيقة كامله لأنه لم ولن يصل للعالم الكامل أو منتهى حدوده، هذا الأمر يمهد للأعتراف الكامل بأننا دوما جزئيون في تقيمنا للأشياء وفي فهمنا للحقيقية ويبقى جانب الغيب هو الجزء الأكبر الذي لم تدركه العقول ولكنه يتقلص جزئيا كلما تقدمنا بالفهم والعلم بحقيقة الأشياء.
فالغيب هو جزء من الحقيقة من الوجه الأخر لها وليس نفيا للوجود ولا تعد تبريرا لعجزنا عن فهم ذلك الجزء من الوجود حتى لو قلنا ذلك بصراحة أن جزئية الغيب لا تعد وجودا طالما لم ولن ندركه على حقيقته تلك، ومع كل ذلك يبقى الغيب يلاحقنا في وجودنا ويدفعنا لتحدي العقول في محاولة الإنسان لأكتشاف وجوده الكلي، فهو محاط بالغرائب وبالأسئلة التي لا يوجد لها جواب إلا من خلال البحث عن ماهيات الغيب ووجوده أيضا، الحقيقة لا تنكشف للعقل البشري بدون جهد عقلي ولا تفصح بتلقائية عن نفسها بأي حال، وعلى الإنسان يسعى وراء ذلك طوال وجوده ولكنه في النهاية لا بد أن يصل لدرجة ما من إدراكها عندها سيكون الوقت قد أنتهى وتوقف الوجود عن الحركة.
الدين واحدا من أكثر القضايا المعرفية تعقيدا وأكثرها تعلقا بالغيب، ليس لأنه كقضية خيالية كما يعتقد البعض وليس لأنه يؤمن بما لا يتوافق مع العلم، ولكن لأن العلم نفسه لا ينكر الغيب والمغيب وإلا فقد ضرورته هو أيضا والدليل أن أختراقاته للغيب والمغيب هو سر قوته وديموميته، فلولا المجهول المغيب عن إدراك العقل البشري لما كان العلم موجودا ولما كان العلم ضروريا، فالدين إذا منساق مع هذه الطبيعية ولا يفارقها ولم يتجاوز حدود المنطق العقلي حين تم تضمينه جزء كبير من الغيب بشقيها الممكن العلم به واللا ممكن العلم به، لأنه أيضا ينتمي لذات القانون الذي يحكم الأشياء بوجود وجه أخر.
فلسفة الوجه الأخر تتضمن عدة مرتكزات تبنى عليها قوانين قبولها واولها أن التعدد في في الصورة الذاتية للأشياء هو تعدد حقيقي وليس توهما أو أفتراضا، بمعنى أننا ننظر للوجود بزوايا مختلفة وبحالات ذاتية وذهنية مختلفة من حيث الزمان والمكان، فلا صورة واحدة يمكنها أن تكون ثابته أو كافية لوصف الأشياء حتى لو كان الأمر ذهنيا، لأن هذا يتطلب منا دوما أن نكون في ذات اللحظة زمانا ومكانا وحالا حتى تتطابق الصورتان مع بعضهما، وهذا ضرب من المحال لأن هناك متغيرين أثنين الزمن الذي لا يتوقف ولا يعود لذات اللحظة التي تم التقاط الصورة الأولى فيها، والمتغير الثاني هو أن العقل وإن بدا ساكنا ولم يتغير لكنه لا يمكن أن يكون تحت نفس ظروف الألتقاط لأن التجربة تؤثر عليه ومرور الزمن يجرده من تلك المعطيات والمقدمات والحال الذي كان عليه في المرة الأولى.
المرتكز الأخر من هذه الفلسفة وهو نتيجة للمرتكز السابق ومتصل به أن الأشياء والحقائق قد تبدو في أحيان كثيرة متناقضة فيما بينها، السبب في ذلك ليس لأنها ذلك ولكن لأن صورها وماهياتها تتبدل في العقل وإن لم تتبدل في الحقيقية، هذه التحولات هي التي تدفع العقل البشري أن يتنوع ويتعدد، وبالتالي لا يمكن العودة بالعقل إلى نقطة البدء مهما حاولنا، وكلما مر الزمن أصبح التفاوت بين العقول عريضا بمعنى أن التفاوت يكون في عرض الإدراك لا في طوله، فهو يسير بشكل أفقي مستعرض مع قليلا من التطور في رؤيته الطويلة للأشياء، في حين أن الرؤية الطولية أو المحورية هي التي تكشف لنا الوجه الأخر، بينما الرؤية المستعرضة تساهم في زيادة التشويش على العقل.
أهتمام الدين بالجانب الغيبي يعتمد على قدرة العقل على تبني فهمه لما يكون في طول القضايا المطروحة من الغيب لا تلك التي تتناقلها صوريات الذهن وتنشرها دون وعي حقيقيا بها، فلو عرف وعلم العقل الذي يتبنى الصور الذهنية السطحية من مفاهيم ومقولات الغيب لما بقى في حالة السكون والركون للواقع (أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) ﴿١٤ سبإ﴾، هذا النص وإن كان يبدو للغيب فيه جزم بعدم العلم بالغيب تسانده نصوص أخرى تجزم بذلك مثل (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ﴿٢٠ يونس﴾، لكن الحقيقة ليست كذلك مع أن الله هو الذي يملك الحقيقة كاملة وبكل وجوهها لأنه صانعها وخالقها، ولكنه أيضا يسمح بشيء منها مع الإنسان ويطلعه على بعضها وفقا لما يتحصل درجة بعد درجة (ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) ﴿٤٤ آل عمران﴾، إذن إمكانية العقل على أن يفهم الغيب وإن كان ليس بفعله الخالص ممكنة لا تتنافى مع أستحالة ذلك حسب نصوص الدين (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) ﴿١٧٩ آل عمران﴾.
الحقيقة أن الدين يؤمن بقضيتين كلاهما منفصلين بالذاتية ولكنهما متصلين بالموضوع أولا، فالله أولا يملك الغيب وحده ولا نقاش في ذلك هذه أولا، والثانية أنه يملك مفاتيح الغيب وهذه القضية الأهم، إن التفريق بين الغيب كمطلق وجودي وبين مفاتيح الغيب كقضية أخرى هو السر الذي من خلاله يمكن فهم بعض قضية الغيب بما أوحى للبشر منه، فلو تأملنا جيدا النص التالي (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ﴿٧٥ النمل﴾ لفهمنا أن الغيب موجود بحقيقته كاملة، أولا لأنه مدون ومكتوب وبالتالي فهو بالنسبة للوجه الأخر من الوجود جزء من الحقيقية الصعب الوصول إليها، وثانيا أن وجوده في الكتاب يعني أنه لا بد من لحظة يتم فيها القراءة بشكل ما (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ﴿٢٠ يونس﴾.
الركن الثالث من هذه الفلسفة تشير لقضية أزلية عند الإنسان تتعلق بتركيبته النفسية والفطرية، وهي ميله الطبيعي للمعرفة والبحث خلف الواجهة أو تحتها أو فوقها، فالإنسان الطبيعي كائن باحث فضولي ولكنه في بعض هذه الفضوليات إيجابي، فحتى أكتشافه للعلم هو محاولة منه للبحث عن تلبية للنوازع النفسية وليس بحثا عن العلم مجردا أو سعيا خارج رغباته الشخصية (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) ﴿١٨٨ الأعراف﴾، فالبحث هنا عن الخير لا ينفك عن تلبية الذاتية لا سيما وأن الخير ورد بالنص القرآني كمكسب ذاتي للفرد يتناسب مع الأنا حينما يكون طالبا له، وبين الخير الذي يريده الله له وبأعتباره قضية عامة وكلية لا تحدها حدود.
فقضية الخير ينظر لها مرة على أنها مكسب نفسي خالص كقول الله تعالى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) ﴿١٨٤ البقرة﴾، ومرة ينظر لها مع فارق المورد على أنها إرادة للكل خارج ما هو ذاتي وشخصي (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ﴿٦١ البقرة﴾، فالتفريق بين الخير الخاص والخير العام هو تفريق بين ما يسعى له الإنسان فردا وبين ما يريد الله له كلا، فسعى الإنسان للعلم هو سعي وإن ترك أثر على الوجود هو سعي للذات والأنا الخاصة به، عكس ما جاء به العلم الذي نزله الله أو ما أطلع عليه البشر بحكم أتصاله بالله تعالى (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ) ﴿٤٣ مريم﴾.
الركن الرابع والأخير في قضية الوجه الأخر يدور حول ما نعتقد أو ما يعتقد الأخر، فمهما تضاءل العقل في تصوراته وفعله فهو يرى جزء من الوجه الأخر، كما أن العقل البشري مهما على وتكامل نسبيا هو يملك أيضا جزء متناسب من الوجه الأخر، هذا ليس تكرارا لمبدأ التنوع أو التفاوت الذي تكلمنا به سابقا، ولكنه بكل الأحوال جزء من حقيقة الوجه الأخر حينما ندرك ما ندرك من واقعنا الوجودي فإننا بالضرورة ومع كل ما تعلمنا ننظر إلى جزئنا نحن ولا ننظر إلى جزء الأخر مهما كان هذا الجزء صغيرا أو قليلا لكنه في النهاية هو جزء من وجودنا.
إن ما بين أيدينا من فهم لفلسفة الجزء الأخر يوصلنا لنتيجة مهمة وحاسمة مفادنا (أن الدين كباقي المعارف وحتى العلوم يرى أن الإنسان في مرحلة مستمرة من التطور، لا تتوقف ولا يمكن أعتراض مسيرتها، ومن الأصوب للإنسان أن لا يؤمن بالمطلق والبديهي ولا يسلم بنهائية أي حقيقة طالما أن جزأ كبيرا منها لا نراه، أما بعلنا أو أنه بذاته مؤجل للحظة تأريخية نشهدها ونكتشف أن كل ما عرفناه من علم ومعرفة وأدركنا الكثير، كنا على وهم أكبر وغرور أعظم وعجز ضروري وبالقوة أن نعلم بكل شيء لأنه خلاف ذلك هو المحال مطلقا، وهنا تكون وظيفة الإنسان السعي دوما دون أستسلام للعجز فهو أيضا له وجه أخر).



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة صلاة الجماعة في الإسلام...لا فرض ولا سنة.
- دور الكذب كعامل النفسي في هلاك القرى
- دروس رمضانية قرآنية في سورة الأعراف.
- رواية (حساء الوطواط) ح18
- دروس قرآنية من وحي رمضان.
- رواية (حساء الوطواط) ح17
- رواية (حساء الوطواط) ح16
- رواية (حساء الوطواط) ح15
- رواية (حساء الوطواط) ح14
- رواية (حساء الوطواط) ح13
- هل تنجح الفلسفة في تنوير العقل الديني التاريخي ج1
- الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن
- الترتيل بين الفهم والمفهوم.
- رسالتي المتمردة إلى حضرة الكل
- العبد والعبودية في الفهم الديني... القرآن الكريم أنموذجا.
- العنف ضد المرأة في مجتمعات الفضيلة
- رواية (حساء الوطواط) ح12
- تخاريف عراقية في زمن الكورونا
- رواية (حساء الوطواط) ح11
- رواية (حساء الوطواط) ح10


المزيد.....




- هكذا أنشأ رجل -أرض العجائب- سرًا في شقة مستأجرة ببريطانيا
- السعودية.. جماجم وعظام تكشف أدلة على الاستيطان البشري في كهف ...
- منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي محذرًا: الشرق الأوسط ...
- حزب المحافظين الحاكم يفوز في انتخابات كرواتيا ـ ولكن...
- ألمانيا - القبض على شخصين يشتبه في تجسسهما لصالح روسيا
- اكتشاف في الحبل الشوكي يقربنا من علاج تلف الجهاز العصبي
- الأمن الروسي يصادر أكثر من 300 ألف شريحة هاتفية أعدت لأغراض ...
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب -نشاطات تخري ...
- حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره ويستهدف مواقع للاحتلال
- العلاقات الإيرانية الإسرائيلية.. من التعاون أيام الشاه إلى ا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الدين وفلسفة الوجه الأخر.