أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح10















المزيد.....

رواية (حساء الوطواط) ح10


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


اليوم الخامس عشر من أذار لم يبقى من هذا الشهر الكئيب الذي مر على العراق إلا نصفه الاخر، في حين خلت ساحة التحرير من شبابها إلا أعدادا قليلة جدا أصرت على البقاء في خيم الأعتصام مقدمين أنفسهم قرابين لبقاء صوت الناس مسموعا، الكورونا تأكل الناس بلا رحمة والأرقام تزداد يوميا بشكل رهيب، الحياة شبه مشلولة لولا حاجة الناس للغذاء والدواء لصارت بغداد كباقي المدن في العالم مجرد أطلال خاوية لا أحد يمكنه الخروج إلا لسبب أقوى، التشاؤم بادي على الوجوه خاصة أولئك الذين لا يملكون قوت يومهم... في هذا الجو وفي هذا اليوم رن هاتف ميمي.. الطرف الثاني كان الحجي أبو إيمان يسأل هل أنها مهيأ لإكمال مشروعه... كان مصرا وبإلحاح أن يتم الامر هذا اليوم أو غدا لأنه وحيد فقد ذهبت عائلته إلى منطقة سكناهم الاصلية حيث الأمر أفضل هناك.
لم تجب بأي كلام وتذكرت هذا اليوم تحديدا منتصف أذار بما فيه من رعب يجتاحها كلما مرت ذكراه، في هذا اليوم من عام 1982 جاءت الأخبار تطرق باب بيت لم يكتمل بناءه بعد ليسمى بيتا حقيقيا، ولكنه كافيا على كل حال أن يجمع عائلة صغيرة ما زالت تخطو أولى خطواتها نحو مستقبل مجهول، زوجة شابة في أوائل العشرينات من عمرها كانت يتيمة الأبوين، فتزوجها أبن العم كحق إرثي دون أن يكون لها قرار، تزوجت أيضا وهي راغبة أن يكون لها وجود بين من مسحوا أي أثر لها منذ أن غادر الأبوان بلا رجعة.
عاشت أسعد أيام حياتها بعد إن أستقلت بهذا البيت الصغير مع ولادة أول رقم في سلسلة الأولاد والبنات التي كان يخطط لها الزوجان، الحلم المتكرر الذي رافق القلق والخوف من المجهول سكن عقل الزوجة بلا إنقطاع، تجري سعيدة في وسط طريق لتلحق بزوجها وكلما أقترب منه لتمسك به يختفى وكأن شيئا ما أصطاده أو خطفه منها.. لا يمكن أن ترى سببا أو شيئا ما في حلما ينبئها أن كامل زوجها سيهرب أو يختفي... كل شيء طبيعي هناك يتكرر باستمرار في لحظة غير متوقعة تسقط يدها بالفراغ أين أنت يا كامل؟... أين ذهبت؟، كثيرا ما جلست مفزوعة من نومها وهي تمسك بيدها الهواء بقوة...
فجأة وبدون سابق إنذار طرقت الشرطة باب الدار لتعلمهم بضرورة مرافقة أحد من العائلة إلى مركز الشرطة.... ماذا يعني؟؟؟؟؟ أخبرها الجيران الذين تعودوا المشهد ذاته يوميا...لقد رحل صاحب الدار شهيدا، شهيدا دون أن يودع عائلته ولا حتى تراب وطنه، كيف له أن يتخلى عن حلمه وعن هذا البيت الصغير وهذه الطفلة التي لم تمضي أشهرا قليلة من أول حياتها معه...ذهب غريبا ووحيدا في منتصف أذار...وترك زوجة وحيدة وبنت وحيدة ومات الحلم الكبير ليدفن معه في أرض النجف... أيضا بعيدا..
أه كم هو الوجع ظالم عندما يقتل فسحة الضوء الصغيرة الباقية في مسرى الروح... ألم تجد يوما أخر أيها الذئب البشري لتدعوني إلى مقصلة أخرى من مقاصل الموت المنتشرة في كل مكان في بلدي؟.. كرهت هذا الاسم قبل سنين أيضا حينما أتصل بها صديق سلام زوجها من مستشفى اليرموك طالبا حضورها فورا فسلام لا يكاد يبقى منه إلا الاسم... هيا تعالي لعلك ترين وجه زوجك لأخر مرة... إنه يذهب وحيدا بلا وداع... لا نعرف عنه غير ما تحمله هويته الشخصية وأنت....أه كم ظالم أنت أيها المتلحي المخادع تختار يوما لتحتفل به مرتين.. مره بقتل الزوج ومرة بأغتصاب حلمه الجميل... يا للعنة.
في أذار أيضار وفي اليوم السابع عشر منه رحلت اخر حلم من بقاياها، إمها التي ما كادت تفرح بزواج أبنتها من سلام حتى تلاشت يأكلها المرض بعيدا عن الأهل والأقارب ما عدا السيدة أم مريانا التي سكنوا معها في دارها لمدة طويلة... كانت سيدة تخلى عنها أبنائها وبناتها بعد أن هاجروا من العراق فردا فردا، ليتركوها وحيدة تعيش على ذكريات محطمة في بيت البتاوين.. هي من منحتها الاسم (مريانا) أو (ميمي) لتعوض عن وجود الراحلين جبرا من أوطانهم... وتبعد الخوف عن قلب أمها..... ألا يعرف أحد ما من هي هذه الطفلة الصغيرة التي سكنت في المحلة، فليلتقطها من هربت لأجلها الأم وعاشتا وحيدتين في الظل معا كي لا تكون إرثا للعائلة مرة أخرى...
من التعاسة أن تستجيب ميمي لمن يريد أن يبني عرش نزواته على حطام ذكرياتها المرة... حقا أنها مفارقة أن تسعد أنت والجميع من حولك ينتابهم الألم... نعم الجميع الآن يحاصرهم الموت في كل لحظة لا تدري بأي منها سيحل عليك ضيفا وأنت عاري تماما من أي دفاع إلا طوق الله...الناس في بيوتهم قد ينتظرون من يطرق عليهم الأبواب ليخبرهم أن عليهم أن يتهيؤوا للرحيل أو يستقبلوا زائرا غير مرغوبا به بالمرة... وباء كورونا يتجول بكل حرية ويختار وحده الأبواب المفتوحة فهو لا يحتاج أن يأت بشرطي ليطرق الباب... يكفي أنه خارج نطاق السيطرة وقد لا يجد من يمنعه أصلا من ذلك ..هكذا فهمنا من الجميع عليكم أن تنكفئوا مرغمين وتختبئوا من أن يراكم خارجا.
ظل هاتف ميمي يرن ويرن بدون أن تستطيع أن تمد يدها له وهي غارقة في دموعها ووجعها، لا تملك ردا ولا خيار أمامها فقد باعها الكنغ في سوق نخاسته هذه المرة، مقدار الوجع الحاضر في قلبها لا يسعه إلا القبر هكذا تشعر به الآن... قد يقتل أيضا معه أخر أيامها ولو أنها تعتقد أن لعبة الموت كما أخبرت صلاح به ليست سهلة لكنها مجبرة على أن تواجهه بأي وسيلة.. تذكرت هذا الكلام جيدا... إذا لا بد من اللعب معه الآن هو الوقت المتبقي قبل نفاذ رصيدها من القوة.
أستجمعت كل قواها وحاولت أن تتغلب على الحزن المتربص قريبا منها، أمسكت بالهاتف وأتصلت بعرابها ومالك أمرها جورج البدين لتخبره أن رفيقه وصاحبه يطلبها اليوم لتكون كعروس النيل، لم يفهم الغبي الإشارة وقال لها مباركا.. ستكونين جميلة ومثيرة كما عرفتك... أنا لن أعود للشقة خلال هذه الأيام... يمكنك الذهاب له أو الأتصال به ليرسل لك من ينقلك حيث يريد.. ولكن؟ قبل أن تكمل كلمة واحدة أخبرها أنها لا تفرط بهذه الفرصة فأنت لا تعرفي الرجل جيدا... إنه يتحكم أيضا بالأقدار متى ما شاء.. أخاف عليك من غضبه... (أعرف جيدا) أنه كذلك أجابته بسرعة وأعرف أن لغته أحيانا تنطق بصوت الرصاص وصدى الموت، لا يهم سأهتم بالأمر لا تقلق.
لم تتبلور أي فكرة سريعة ناضجة في بالها للرد على أبو إيمان لكنها تشعر أنها لا بد من أن تشرب من كأس تعرف أنه قاتلها، ولكن لا تريد أن تسبقه للموت، على أقل تقدير يجب أن تراه صريعا أول مرة وبعدها الأمر في غاية السهولة طالما أنها ستلعب لعبة الموت، قدحت في ذهنا أن تمارس دلال النسوان عليه لعله يخضع فليس أشرس منهن في هذا المجال، .... ألوووو... أهلا من الطرف الآخر كنت في الطريق وأحببت أن نذهب معا فكل شيء يقول هيا... تعالوا معا... يا رجل أن تريد أن تتزوج وليس بمحل بقالة أو ذاهب لشراء بقرة... وحتى البقرة لها ثمن واجب الدفع... نعم هذا حقك.
لا بد أن تتسلل له من هذه النقطة وتعرف كيف تدخل بأمان لعالم لا تعرف عنه إلا النزر القليل، قررت أن تواصل اللعبة بما تملك من أنوثة ودهاء فطري مسيطر على بنات حواء... هل شيخك موجود لنوثق زواجنا فأنا أعرف أن الوضع الصحي في البلد خطير وقد لا نجد من يعقد لنا بورقة معترف بها قانونا،... أتركي هذا الامر ليوم غد وسنعقد أولا بيننا هذه الليلة وفي الصباح رباح... لا يمكن يا رجل هذا الأمر بالقطع لن يحصل ولا بد أن أعرف حقي وحدودي.. صعقه الجواب وقال... بل تفعلين ما أطلب وأعتبري الأمر ليلة من ليالي الكنغ.. لكنه رجل فاسق وأنت أبو الإيمان لا تدع الشيطان يهوي بك، الشيطان لا يستطيع أن يلعب معي فقط كوني جاهزة وأتركي الأمر فحلالي حلال وحرامي حرام.. بلا ثرثرة الآن أذهبي وأستعدي جيدا أمامك ساعة أنتظرك تحت بوابة العمارة ... مفهوم.
يبدو أن لعبة الموت بدأت قبل أوانها المتفق عليه وحتى قبل حضور اللاعبين والجمهور والحكم، ما العمل؟ لا يمكن أن يصرعني بدون نزال حقيقي وبدون قانون للعبة، لا بد أن يجبر حتى تسوى صفوف المقاتلين جبهتين للقتال، ما العمل يا ترى؟ هل أذهب رخيصة بلا ثمن منهزمة من كلمتين حادتين كشفرة حلاقة تقطع أنفاسي، لن يكون لك ذلك ابدا... أبدا...
جلست تبحث عن حل أخره ليس اقل من الموت بإرادتها، أه لو كنت مصابة الآن بالكورونا ما أجمل أن أسقيه كأسا منها، يا ترى هل تباع في الصيدليات جاهزة.... تذكرت أنها يمكن أن تكون مصابة بعوارضها فقد تعرضت من قبل للسعال الحاد وضيق النفس والعطاس حين خلطت مرة وهي تحاول تنظيف أواني الطبخ، يا لها من فكرة عظيمة جاءت بوقتها... إلى المطبخ وضعت قليلا من الكلور (القاصر) على قليل من سائل التنظيف وخرجت رائحة لا تطاق منها ، تنفست قليلا حتى بدأت بالسعال الذي يجرح حنجرتها وضيق في التنفس، تحول لون وهها المورد قبل قليل إلى الشحوب التام، تحاملت على كل ذلك وسعت لغرفتها لتغير ملابسها وتنتظر عريس الغفلة في الباب، لم يعد هناك من وقت كاف.
على رأس الساعة تماما وقفت سيارة الحجي أمام بناية السكن حسب الموعد، لم يكن السائق الذي نزل من السيارة هو من كلمها قبل قليل، إنه من يقوم بتوصيل رضاب للعمل يوميا، جفل من منظرها وهي تسعل بشدة وخاف الإقتراب منها، قالت له لو سمحت نذهب أولا للمستشفى قد أكون مصابة بالوباء، طلب منها الأنتظار دقائق حتى يتصل بالحجي، بعد قليلا وأجرى أتصاله ثم ركب سيارته وفر سريعا دون أن يرد لها جواب، فرحت برغم ما تشعر به من ضيق وسعال... وعبرت للجهة المقابلة لتركب سيارة أجرة لأقرب مستشفى.... إنه الهدف الأول في مرمى خصمها.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (حساء الوطواط) ح9
- هل ساهم الإعلام الفوضوي في نشر وباء الكورونا؟
- رواية (حساء الوطواط) ح8
- رواية (حساء الوطواط) ح7
- رواية (حساء الوطواط) ح6
- رواية (حساء الوطواط) ح5
- رواية (حساء الوطواط) ح4
- رواية (حساء الوطواط) ح3
- رواية (حساء الوطواط) ح2
- رواية (حساء الوطواط) ح1
- عالم ما بعد الكورنالية الراهنة. تحولات كبرى وأزمات متجددة.
- العراق .... بعين العاصفة.ح2
- العراق .... بعين العاصفة.ح1
- حسابات الوهم وحسابات الدم
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح11
- كتابات يتيمة قبل الرحيل
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح10
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح9
- بيان المعتزلة الجدد ج2
- بيان المعتزلة الجدد ج1


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح10