أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح6















المزيد.....

رواية (حساء الوطواط) ح6


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 02:41
المحور: الادب والفن
    


عاد جو العمل من جديد ينشط في المكتب وعين ميمي على كل حركة من حركات رضاب تتابعها بدقة، فليس من المعقول أنها تسكن في ذلك البيت الفخم على طريق الدورة السريع براتبها وحده، لقد عرفت الكثير عنها من صلاح ومتابعته لها فهي تعيش مع والدتها فقط براتب الألف دولار شهريا، منذ أن عادت قبل أربع سنوات من عمان حيث عملت هناك فترة طويلة بعد تخرجها من الجامعة المستنصرية بأختصاص اللغة الفرنسية، كان أبيها وأخيها الأصغر قد قتلا في تفجير أنتحاري أبا أحداث 2006 وهما في الطريق إلى البيت، هذا لا يعني أبدا أن تكون بهذا الترف والمكانة، تتعاطف معها أحيانا لجهة مصابها ذاك، وأحيانا ترى أن هذا التكتم والأستايل ليس له علاقة بما حدث، ما علاقتها إذن بجورج الذي هو الأخر يتعامل معها برسمية باردة وكل ما يمكن أن يفعله أن يناديها بالست رضاب (لو سمحتي) أو (تفضلي عندي)، هذا الأمر لا يفعله الكنغ حتى مع الكل ولم تسمع منه كلمة طيبة بالرغم مما يربطها به من علاقة قديمة متجددة.
كل ما عرفته وحصلت عليه من خلال بحثها اليومي عن بعض الأشخاص والأسماء تدونه في دفتر حرصت أن لا يطلع عليه أحد، كتبت حتى الأشياء الغير ضرورية فقد تحتاجها يوما ما، لكنها لم تصل إلى صورة ما قد تفتح أمامها الأبواب على بنك الأسرار المغيبة عن حياة جورج وماضيه وعلاقته بالحجي أبو إيمان ورضاب ووو، المهم أنها عرفت الآن كيف يمكنها أن تعيد رسم الصورة لما جرى بدون أن تثير أي شبهة في عملها، عرفت أن جورج ليس ذلك الإمبراطور المالي كما كانت تعتقد وأنه ليس أكثر من واجهة لبعض الشخصيات الخفية، وما يظهر به أمام الناس ما هو إلا ستارة للغير يوهم به من يعتقد أنه رجل أعمال ناجح، البيت كله مراقب بالكاميرات وحتى محل العمل والسيطرة التي تتحكم لها موجودة في الخزانة، لا أحد يمكنه أختراق المكان فهو مؤمن تماما من قبل من يقف خلفه، حتى أنها تأكدت تماما أن الآمن الذي يتمتع به مكتب الصرافة فهو مفروض من قبل نفس المافيا التي تضرب الأخرين في أي وقت.
صار أيضا من المؤكد لديها أن رضاب جزء من هذه المافيا وقد تعرف أكثر مما ظنت أول مرة، المكالمات الواردة لجورج من خارج العراق وحتى بعض المكالمات المحلية هي المسؤولة عن الرد عليها ثم تختلي بالكنغ لتخبره بها، هذا العمل ليس عمل تجار عملة ولا هو من أصول العمل العادي كما تعرفه في كل مكاتب الصيرفة الذي تزورها بحكم العمل أو لأداء مهمات عادية تكلف بها، أيضا هناك خلف المكتب غرفة لا يسمح لأحد الدخول لها ولا يمكن لأحد حتى التقرب منها، إنها مفصولة تماما عن المكتب والمفتاح عند جورج فقط، يا ترى ما الذي يجري فيها؟، هل هي خزانة الأموال ولم تشاهد يوما أنها فتحت أو تم وضع أو إخراج المال منها.
خبر تسجيل أول أصابة بوباء الكورونا في اواخر شباط تقريبا قبل يومين أعاد لميمي أهتمامها في متابعة أخبار الوباء، لذا قررت أن تشتري جهاز كمبيوتر محمول للتخلص من المتابعة على جهاز الهاتف الصغير، كانت هناك أسباب أخرى لذلك، لم يكن الأمر بالغريب على جورج فكثيرا ما طلب منها ذلك حتى تستفيد من وقت الفراغ بعد العمل أو حينما تكون وحيدة في الشقة بدل الملل ومشاهدة التلفاز، أتاح لها الجهاز الكثير من الإمكانيات التي كانت متعذرة عليها، فقد ركزت في كل أهتماماتها على البحث في كوكل عن أسماء وشخصيا وصور وأحداث، حتى أخبار الكورونا وتطورات الموقف أصبحت من السهل عليها أن تحصل على كل ذلك دون أنتظار أخبار الشاشات والقنوات التلفازية.
قادتها الصدف أن تستخرج صورة (حجي أبو إيمان) للبحث في غوغل لتجد له عشرات الصور المشابهة أو التي لها علاقة بها، بالتأني والصبر عرفت الكثير عنه وعن عمله وما كان خفيا عنها، إنه ليس أكثر من تابع لأحد أهم الزعامات السياسية في العراق ويقود واحدة من أذرعه وما يتصل بها من مصالح ودوائر ووو، ها هو المجرم أمامي حتى فضيحة العقد مع الشركة اللبنانية والتي راح ضحيتها زوجها كان هو أحد أبطالها، سلسلة طويلة من المعلومات لكنها تبقى في حدود المعلومات العامة دون إثباتات أو قد تكون من باب الحروب السرية بين حيتان الفساد من ساسة العراق ومفسديها.
بحثت أيضا عن كل ما يتعلق بوباء كورونا وأعراضه وأسبابه وكل ما يدور حوله من حقائق وأوهام... أكتشفت شيئا مثيرا عنه، إن أصل الوباء حساء لا غير حساء ساخن في منتهى الطعم الشهي كما تذكر الأخبار.... يا له من حساء قاتل ولكنه ظريف... بالتأكيد سأتمكن من معرفة طريقة إعداده... لا بد أنه لذيذ وإلا من يستطيع أن يرى قرف الوطواط حتى يستطيع أن يتناول حساءه... لا يهم أن نعرف أصل الطبق بل كل ما نريده أن نتذوق الطعم الرائع... هذا يذكرني بحساء السلاحف الذي قرأت عنه وهو وجبه لذيذة جدا لشعب من شعوب الكاريبي... إنه طعام الأغنياء فقط أما الفقراء فيتناولون حساء الضفادع النهرية...... لن يفلت من يدي... سأتعلم ذلك ولو كلفني الشيء الكثير... يا هلا بالطعم اللذيذ... يا هلا بطائر الليل البشع وأنت توزع لذة لحمك لمن يستحق.
كم جميل أن تمارس السياحة في العالم وأنت جالس في مكان وبدون أن تدفع مالا ولا تحتاج إلى تذاكر وفيز... إنه عالم التواصل الذي لا حدود له، أشتركت في العديد من المجموعات على الفيس بوك وخاصة ما يتعلق منها بساحات التظاهر متخذه أسما غريبا بعض الشيء (الثائرة المنتقمة)، تقرأ وتستمتع بما يكتب لكنها لم تشارك بكتابة منشور واحد، قد يكون السبب أنها ما زالت مترددة في التعبير عن نفسها... إنه القمع اللا شعوري الذي عاشته منذ إن عرفت أنها فتاة وإنها إنسانة لديها الحق في كل شيء، بعد أستشهاد أبيها في حرب الثمانينات كما كان يطلق عليه الآن، وترملت أمها وهي شابة في أوائل العشرينات هربت بها والدتها من أقارب زوجها الذين كانوا يرون فيها وفي إبنتها جزء من تركة الشهيد وعليهم أن يستحوذوا عليهن بالقوة.
لا أحد عرف مكانها بعد أن أوكلت لأحد الأشخاص أن يستلم رواتبها وحقوقها دون أن يعرف الجميع أين ذهبت رغم كل محاولاتهم بذلك، من خشيتها أنها لم تدعها تخرج من الغرفة التي سكنتها مع عائلة خوفا من أن يتم سلبها منها، حتى الذهاب إلى المدرسة كان محاطا بالكثير من التعقيد والخوف حتى تعود لتحجر في الغرفة إلى اليوم التالي، أسمها عند الناس مريانا وهكذا عرفت به، لم تستطيع أن تنهي دراستها الثانوية بالرغم من أنها وصلت للبكلوريا وكانت تطمح أن تدرس الصيدلة أو طب الأسنان، لكن ما جرى في العراق خاصة أواخر أيام الحكم السابق زاد من تعقيدات الأم وأنهى المسيرة، لتعمل لاحقا في المكتبة بأجر أسبوعي لأنها ستكون بعيدة عن عيون أهل أبيها وأن صاحب المكتبة يعرف أيضا القصة بحذافيرها، لم ينقطع خوف الأم على أبنتها حتى بعد زواجها من سلام وسكنه معهم، كانت شديدة الحرص أن لا يعرف أحد عنها شيئا حتى ماتت بحسرة الكمد، وتولى سلام والبعض من أصدقائه تجهيزها دفنها على أكمل وجه.
تعرفت على قيمة نفسها وتشجعت أن تبدي أراءها مع سلام فقط كان يمنحها الثقة بالنفس، حاول أن يحررها من الخوف الساكن في أعماقها من كل غريب وأي شيء غريب، رحل سريعا عنها وتركها وحيدة فريسة الخوف والشعور بالضياع والإستلاب حتى سقطت في فخ الكنغ، إنه سجن أخر وأستغلال بشع لمخاوفها وشخصيتها السلبية دون رحمة، لا تقاوم أي رغبة منه ليس حبا في ذلك ولكن الخوف من أن تعود للشارع مرة أخرى لتقع فريسة بيد من هو أبشع وأكثر فظاظة.
أحداث ما بعد مقتل سليماني وما عرفته عن أخطبوط جورج منحها شيء من القوة، أو بالأحرى كشف لها أن القوة ليست دوما هي صاحبة الكلام الأخير ولا هي السيف المسدى على الرقاب، يمكن لأي إنسان أن يكون قويا في لحظة ما بشرط أن ينزع غشاء العين ويسند قلبه بالحقيقة والحق، أيضا كان تشجيع صلاح لها وإن كان لمصلحة ربما أو تبادل منافع بينهما أن تستل من داخلها أعشاش الخوف وسجون العجز الذي دمر حياتها كلها، أن لا يكون لك ما تخسره غير خوفك من المواجهة وتجازف هو أنتصار بحد ذاته لو قاومت، فقط مقاومة.
أصبح من السهل لها التواصل مع صلاح من خلال مواقع التواصل دون أن تضطر للتكلم بهمس أو في أماكن بعيدة عن كاميرات جورج المزروعة في المكتب والشقة، أيضا صار من السهل أيضا أن تتعقب كل حركات السوق وأن تفهم ما يجري من حولها، يمكنه الآن أن تمارس هوايتها في البحث عن الأطباق الغريبة والشهية التي كانت تتابعها عبر الكتب أبان عملها في المكتبة، لديها الآن عيون حرة تخرج عن الزمان والمكان بكل حرية، يبقى همها الرئيس هو البحث عن قضية سلام والأشخاص المتورطون معه، من هم؟ كيف تصل لهم؟ ماذا فعلوا مع غيره؟ لا يمكن أن يبقى هؤلاء أحرار دون أن يتذوقوا حساءها اللذيذ لو نجحت في إعداده يوما ما.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (حساء الوطواط) ح5
- رواية (حساء الوطواط) ح4
- رواية (حساء الوطواط) ح3
- رواية (حساء الوطواط) ح2
- رواية (حساء الوطواط) ح1
- عالم ما بعد الكورنالية الراهنة. تحولات كبرى وأزمات متجددة.
- العراق .... بعين العاصفة.ح2
- العراق .... بعين العاصفة.ح1
- حسابات الوهم وحسابات الدم
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح11
- كتابات يتيمة قبل الرحيل
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح10
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح9
- بيان المعتزلة الجدد ج2
- بيان المعتزلة الجدد ج1
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح8
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح7
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح6
- من يفكك الأزمة؟ ومن يؤزم الواقع؟ ح5
- نصوص من دفتر خدمتي الضائع


المزيد.....




- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح6