|
رسالة إلى أبي
أفين إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 6562 - 2020 / 5 / 12 - 10:34
المحور:
الادب والفن
ترك لي أبي رسالة صوتية على هاتف المنزل يقول فيها : " كفوكا مني سبي " أنا ابوك حبيت أطمن عليكم … أتصلي فيني بس ترجعي " . كنت أضحك بشكل هستيري في كل مرة أسمع فيها هذه الجملة (أنا أبوك) الجملة التي تجعل قلبي يرتجف ، تجعلني أفكر ؛ هل حقا نستطيع أن ننسى أصوات من نحب؟ مرت الأيام ، تراكمت الرسائل ، مسحتها كلها دفعة واحدة ، دون أن يخطر لي ؛ بأنى سوف أكون محتاجة يوما ما لسماع صوته … ولن أستطيع ! . ظهر الهاتف النقال ، ظهر معه شلال الدم السوري الذي لم يتوقف حتى الان .. خرج أبي مثل الكثيرين ، و مثل الكثيرين أيضا لم يصل إلى مبتغاه . سألته مرة : كيف يكتب اسمي في هاتفه الصغير جدا ؟ ضحك وأجابني : " كفوكا مني سبي " . مات أبي ، بقيت الحمامة محبوسة في شاشة ذلك الهاتف ، تخرجها أمي كل فترة ، تقبل الهاتف ، تشمه ، ثم تعيده الى الخزانه . ترك لي أبي رسالة صوتية على هاتف المنزل ، يقول فيها : "كفوكا مني سبي " أنا أبوك حبيت أطمن عليكم أتصلي فيني بس ترجعي " . تذكرتها ليلة أمس وانا اشاهد برنامج وثائقي ، عن الخفافيش ، بأنها من الحيوانات الطائرة التي تشكل الكثير من المخاطر للأنسان ، أنها كائنات ليلية تنام مثلنا نحن البشر ، عندما نصاب بداء الحزن طوال النهار . تعيش في مستعمرات كبيرة ..في مواسم التزاوج تغمض عيونها ، مثلنا ، رغم الظلام !. بأنها الحيوانات الوحيدة ، الثدية – بعدنا نحن البشر – تستطيع الطيران . ان الغشاء الذي ينمو بين طيات قلوبنا في كل مرة نخسر فيها شخص نحبه ، يشبه الى حد بعيد تلك التحورات التي تتمدد مع الوقت ، بين أطرافها ، لتتحول الى غشاء طري يساعدها في الطيران . أنها مثلنا ؛ تضع أطفالها مقلوبة برؤوس تتدلى نحو الأسفل .. تغادر لساعات طويلة لتأكل ، عندما يمتلئ ثديها بالحليب ؛ تعود .. تعود للتعرف على طفلها من بين الزحام الذي يضم أطفالا غرباء ، كلهم متشابهون .. تعود للتعرف عليه من خلال ذاكرة المكان .. من صوت صياحه .. تتعرف عليه من خلال رائحته ؛ بين كم كبير من الخفافيش الصغار .. منها من يصاب بفقدان الذاكرة ، مثلنا ينسى مكان المولود . هذا النوع من الخفافيش يشبه الى حد كبير الشعراء ؛ في كل مرة يرى فيها مولود يعتقد انه طفله يطير نحوه بشغف مهول ، يخرج كل مافي قلبه ويعطيه له دون حساب . وجوه الخفافيش متباينة ؛ مثل وجوهنا نحن البشر .. بعض الخفافيش لها عيون كبيرة واضحة ، بعضها بعيون صغيرة ، كالخرز ، لا تستعملها للرؤية ، ولا تبصر بهما . صغار الخفافيش التي يقل عمرها عن 9 أيام ؛ تكون عمياء في البداية ، مثلنا ، لكنها بعد ذلك تصبح قادرة على الرؤية ، تموت بالكأبة أو منتحرة في الظلام !. ترك لي أبي رسالة صوتيه على هاتف المنزل يقول فيها " حمامتي البيضاء " أنا أبوك ، حبيت أطمن عليكم … أتصلي فيني بس ترجعي " . تذكرت الرسالة ليلة أمس ، وانا اشاهد برنامج وثائقي عن الخفافيش ، عن أنها الحيوانات الوحيدة ، الثدية – بعدنا نحن البشر – تستطيع الطيران ، عن أن الحمامة بقيت محبوسة في شاشة هاتفه الصغير ، عن أمي التي تخرجها كل فترة ، تقبل الهاتف ، تشمه ، ثم تعيده الى الخزانه ، عن أنى كيف ؟ كيف ، رغم كل هذا الخراب ؛ مازلت أستطيع الطيران؟ . ظهر الهاتف النقال .. ظهر معه شلال الدم السوري الذي لم يتوقف حتى الآن .. خرج أبي مثل الكثيرين ، ومثل الكثيرين أيضا لم يصل ... سألته مرة : كيف يكتب اسمي ، في هاتفه الصغير جدا ؟ ضحك وأجابني : " كفوكا مني سبي " . .... 1/3/2020 " كفوكا مني سبي " تعني باللغة الكردية ؛ حمامتي البيضاء .
#أفين_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جسد الندم
-
الطائر الأسود
-
لم نتفق
-
ما كان لك من قواقع البحر
-
امرأة في مرآة
-
لم تجده بعد
-
يدفنون قاماتهم في الرمال
-
زهرة اللوتس
-
لا تطرق الباب على امرأة
-
تقولين وداعاً
-
الحب وحشنا الرائع
-
تموت النساء
-
قصيدة
-
الرابعة والربع بعد منتصف الليل
-
كي لا يجرح المطر أصابعة 8
-
كما الآن
-
ركام الشموع , وجوه موتي الكثيرة
-
مطرٌ منك .. مني فراشات!
-
رمياً بالحب
-
خبز الليل
المزيد.....
-
ممثل حماس في لبنان: لا نتعامل مع الرواية الإسرائيلية بشأن اس
...
-
متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 28 مترجمة عبر قناة Tr
...
-
تطوير -النبي دانيال-.. قبلة حياة لمجمع الأديان ومحراب الثقاف
...
-
مشهد خطف الأنظار.. قطة تتبختر على المسرح خلال عرض أوركسترا ف
...
-
موشحة بالخراب.. بؤرة الموصل الثقافية تحتضر
-
ليست للقطط فقط.. لقطات طريفة ومضحكة من مسابقة التصوير الكومي
...
-
تَابع مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 مترجمة المؤسس عثمان الجزء
...
-
مصر.. إحالة 5 من مطربي المهرجانات الشعبية للمحاكمة
-
بوتين: روسيا تحمل الثقافة الأوروبية التقليدية
-
مصادر تفنّد للجزيرة الرواية الإسرائيلية لتبرير مجزرة النصيرا
...
المزيد.....
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
المزيد.....
|