|
دعوا العلوم و السياسة و التخصص لأهلها .
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 6542 - 2020 / 4 / 20 - 02:41
المحور:
الادب والفن
استوقفتني عبارةٌ طريفةٌ متداولةٌ في بلاد الغرب تقول : " توقفوا عن جعل الحمقى مشاهيراً " . لست من دعاة الشهرة ، ولا من هواة النجومية و التفاخر ، أو ممن يجوب الآفاق و يستبدل حزباً بآخر ليكون ذائع الصيت ، ولا من عشاق الظهور على الشاشات لأخطف الأضواء و أكون نجماً لامعاً . كما لست من دعاة وضع القيود على مواهب المبدعين أو احتجاز نبوغهم الفطريِّ ، ولا تكبيل براعتهم في الابتكار و الاختلاق ، أو إقصاء مختصين مشهودٌ لهم بالكفاءة و جعلهم على الهامش . بل إطلاق العنان للفطرة بالتدفق للإنشاء و الإبداع و البناء
لكنني أقف بالضد لمعتوهٍ اعتلى منصباً لا يناسبه ، أو جاهلٍ أبلهٍ تبوَّأ مركزاً لا يلائمه ، أو ثعلبٍ ماكرٍ يلبس ثوب النصح و الرشد فيتولى أمر الناس . أو مسؤولٍ لا يفك أبجدية السياسة فيحتل مكاناً مرموقاً ، يجترئ ألفاظاً لا عهد له بها ، و يطلق شعاراتٍ مضللةٍ ، و يحرز فشلاً تلو الآخر . أو بهلولٍ مغفلٍ ينقصه كل شيءٍ ، ويعمل في مجالٍ ليس فيه شيءٌ ولا أهل له ..... الخ أمثال هؤلاء تنطبق عليهم حكمة القدماء و تعبيرهم الجميل : " من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب "
من سمات عصرنا المشؤوم تسلط المغفلين و المعتوهين و المهرجين على زمام الأمور ، و شغلهم لمناصب رفيعةٍ ليس بالكفاءة و الجدارة . بل بالمحسوبية لمتربعٍ على عرش السلطة ، و بالتصفيق للسلطان و التستر على جرائم الطغاة و مساندتهم في النهب و السلب .
مشهدٌ سوداويٌّ لمجتمعات الشرق البائس ، يبعث على الاكتئاب و القلق لتنحية الجهود الجدية و الانحدار الفكريِّ ، و اختطاف الطاقات المبدعة ، و السعي الحثيث للعبث بالوطن و إذلال المواطن ، من خلال منح القيمة لمن لاقيمة له .
إعلامٌ فاسدٌ لتلميع الوجوه القبيحة و تجميل صورة الحاكم الجائر . و اختيار القلم الرخيص ، و مناصرة اللسان الماجور لاختلاق الأخبار الكاذبة و المبالغة في التصريحات المثيرة للفتن . وصمة عارٍ على مهنة المتاعب حينما تحل ضيفاً رخيصاً ذليلاً على موائد الطغاة ، فتستمد حصانتها بتمجيد أصحاب النفوذ ، تشرعن الفساد و السلب و النهب ، و تثير النعرات ، و ترتزق على الطائفية البغيضة ..... يا للخزيِّ !! بدلاً من وفاء المبادئ وحماية القيم الأصيلة ، و توثيق الصلة بين الجماهير و السلطة ، تجعل الحق باطلاً و الباطل حقاً . ألم يقل أرسطو عن القلم : " هو العلة الفاعلة ، و أن عقول الرجال تحت سن أقلامهم ؟ " أقلامٌ بهذا السوء يجب مواجهتها بالنعال و كسرها بالأحذية .
و دكتاتورٌ يقدم نفسه على أنه نصير الشعب و حامي الوطن ، مع أنه ميكيافيليٌّ بطبعه ، يجر البلاد و العباد إلى هلاكٍ محتمٍ . وسياسيٌّ يعزف على وتر الوطنية رغم انتهاكه حرمة الوطن و فضَّ عذريته ، و يسعى جاهداً للإجهاز على ما تبقى من نبضه ، ولا يهمه سوى المال و الجاه ، و بسط النفوذ لإرضاء القوى الداعمة له خارج الحدود . فكم من ساذجٍ مأفونٍ لا يؤدي سوى دور الكوارس ، كجمل الظعينة يقاد حيث يصار به ، فيظن نفسه سياسياً محنكاً من الطراز الأول .
إدعاءٌ كاذبٌ يستند إليه بعض المتسلقين ممن اختارهم أصحاب النفوذ - على مقاسهم - كي يظهروا أمام الملأ بأنهم ينتمون للشعر و الخطابة و الثقافة ،و يستكثرون بما ليس لديهم . سلوكياتهم تكشف الغطاء المزيف الذي يحيط بهم ، مهاراتهم زائفةٌ تسقط أقنعتهم على الفور لأنها بلا جذورٍ ، يقحمون أنفسهم فيما لا علم لهم به ، فتنكشف عوراتهم لأنهم بلا تخصصٍ ، ظناً منهم أنهم أتقنوا صنوف العلم ، فيدلون بدلوهم بما ليس فيهم ، يتطرقون لمصطلحاتٍ لا يفقهون فحواها ، فتأتي النتائج عكسيةً كارثيةً . ألم يقولوا : " فاقد الشيء لا يعطي ؟ " يتكلمون بجهلٍ ، و يتفوهون بغير علمٍ ، و يفعلون بلا تخصصٍ ، كأنهم شيوخ العلم و مشاهير الثقافة ، مصيبون بحمى وهم الشهرة ، و كل ذلك في محاولةٍ يائسةٍ لمن يقفون خلفهم لتحويل الجهلة إلى مشاهير . و ماذا قدموا غير خراب البلاد ، أو أنجزوا غير هلاك العباد ؟!
ماكينةٌ هدامةٌ ، و منظومةٌ فاسدةٌ مبرمجةٌ ، و منهجٌ هابطٌ إلى حد التقزز . قلة احترام المهنة ، و تدمير التخصص ، و إذلال العلم ، و الحط من شأن الثقافة . الأوطان تُهدم ، و البلدان تُدمر ، و الشعوب تُقتل و تُشرد . و الناس يُجرون للأوهام القاتلة ، و العقول بجهلها تتبع المشعوذين و الدجالين ، و المجتمعات في تفككٍ واضحٍ ، و الفضائيات تعج ببرامج الهرج و المرج .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأخبار الملفقة تغزو العقول .
-
فلتكن عزلتك حصاداً مثمراً .
-
إعصار الكورونا يشل حركة الحياة .
-
غلاء المهور عنفٌ موجعٌ بحق الفتاة .
-
نداء الفاسد لا يحظى القبول بالمطلق .
-
للمرأة في كل أيامها .
-
و ماذا في صالات العزاء غير المفاخرة و الرياء ؟!
-
الاحتفاء بالحب ليومٍ واحدٍ تقزيمٌ لقدره .
-
هل حقاً : عصا الجنة وسيلة ردعٍ و امتثالٍ ؟
-
حينما يكون الوطن مختطفاً .
-
ليس من طبع المرتزق ، البحث عن ذاته .
-
العطاء حكمةٌ راقيةٌ ، و سلوكٌ أنيقٌ .
-
الكيل بمكيالين ، أم غشاوةٌ على الأعين ؟!
-
كل عامٍ و مستقبلنا يصنعه المستعمِرون و الطامعون .
-
براعة الشرق في صناعة الأصنام ، و عدم الأوطان .
-
إطلالة نافذتي مفعمةٌ بمشهد الحياة .
-
الشعور بالعار ليس من شيم الطغاة .
-
و أخيراً تمسك لا فروف بقرنيِّ الثور .
-
بكثرة الطهاة يفسد الطبق .
-
حينما تكون الصرخةُ مفلسةً .
المزيد.....
-
سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح
...
-
منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز
...
-
فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي
...
-
سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
-
وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق
...
-
رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة
...
-
الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
-
صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|