|
إعصار الكورونا يشل حركة الحياة .
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 00:34
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
كانت الحياة نابضةً بالنشاط ، وافرةً بالحركة ، غزيرةً بالدأب و المثابرة ، معنيةً بمشاغل الناس . بالرغم من الحروب و مخلفاتها من المجازر و الفظائع و أعمال النهب ، و تدمير وجه البلاد الجغرافيِّ و الديموغرافيِّ و الإبادة الجماعية ، و أمواج الناس المبعثرة تشريداً و نزوحاً ، و هدم معالم المجتمع من كل الجوانب . و ناهيك عن أشكال الاحتلال و المزيد من مسميات العدوان .
إلا أن صادفتنا صفحةٌ هامدةٌ راكدةٌ من صفحات الحياة . و لأول مرةٍ قدرة الجبابرة و الطغاة باتت مشلولةً ، تتساوى مع قدرة المستضعفين المعدومة بالأصل . في كفتي الميزان تتعادل القوتان . و لسخرية القدر أمام جبروت الكورونا كلتاهما منبطحتان . و في مواجهة أصغر و أدق فيروسٍ ينحني القاهر ، و يمتثل المتكبر قبل المقهور المنكسر .
المشاعر تبلدت ، و الأحاسيس في طريقها إلى النضب ، و جداول الحب لم تعد تنساب بغزارةٍ ، و صدى الصوت يعود إليك متصحراً يابساً ، و عمق الروح طالته أكسدة البلادة و الكسل . رضوخٌ و استسلامٌ ، و حالة ذعرٍ في أوج نشاطها .
و لأن قدرة المختصين المتمرسين و حنكة المتحكمين غدت معدومةً لدفع البلاء ، فالعضلات في حالة استرخاءٍ ، و النبض منخفضٌ إلى درجة الخدر ، و هرمون التوتر ينعش بشكلٍ متسارعٍ ، ولا شيء يحفز الحركة بوتيرةٍ أسرع . كوابسٌ مرعبةٌ .. اضطراب النفس ... اختلال النوم ...... الطرقات أطبقت أحداقها مستسلمةً لنعاسٍ ثقيلٍ ، البيئة كلها هامدةٌ ، و عزيمة الشوارع خاملةٌ تتأرجح بين اليقظة و النوم ، و الأرصفة موحشةٌ كئيبةٌ يسكنها صمتٌ مطبقٌ . محطات القطار ينتابها ألم صدمة فقدان زحامها ، و تختزن في أحشائها وجع غياب ركابها و النزلاء . المدارس تعطلت ، و الجامعات و المعاهد قاعاتها من طلاب العلم أُفرغت بالمطلق ، كما كل المؤسسات التعليمية . الأنشطة التجارية محظورةٌ .. المحلات و صالونات الحلاقة أُقفلت أبوابها ، يستثنى منها متاجر الأغذية و مخازنها و الصيدليات و المرافق الصحية . الشركات العالمية الكبرى توقفت أعمالها ، كما الحدائق العامة و صالونات التجمهر للأفراح و الأتراح . الزيارات بين الأحبة و الأقارب اُمتنعت ، و الخمول أوصلهم إلى عالم السكينة و الوجوم . حتى دور العبادة أضحت خاويةً مهجورةً ، و من ضجة التراتيل و التكبير و رنين النواقيس بكماءٌ خرساءٌ ، لم يعد يُسمع فيها سوى صدى نعيق البوم . حالة طوارئ عامةٍ تعم البلدان شرقاً و مغرباً ، و العالم كله يتحصن و يتقوقع ، و يمارس إجراءاتٍ احترازيةٍ لكبح انتشار فيروس كورونا اللعين .
سخريةٌ لاذعةٌ من شلل قوة المتحكمين بالعالم في مواجهة سطوة كورونا . فيروسٌ تافهٌ ألقى العالم كله في رعبٍ و ورطةٍ ، يصعب الخلاص منها . يلثم خد القويِّ المستحكم ، و يمد إليه يد الموت قبل العاجز الخائر ، ليعيش الناس في أسوأ أيامهم . وباءٌ متغطرسٌ أكان وجوده مفتعلاً مصطنعاً أو تلقائياً عفوياً ، فهو القاهر الغالب ، و حتى اللحظة فهو منتصرٌ و فائزٌ . و في مقابل بأسه لا أمان ولا طمأنينة ، و كأن الحياة بلغت خريف عمرها تنتظر النهاية . لم يعد هناك ما يردعه حتى اللحظة سوى سلاح الصدفة ، و الأنظار كلها برسم ترصد المحصلة و ترقب الختام ، لتخطي حواجز الحيرة و إعادة سريان الدم في أوردة الحياة المتفائلة بالطمأنينة و الجمال ، و نمو بذور الحب و التواصل و المواظبة على العمل و الإبداع .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غلاء المهور عنفٌ موجعٌ بحق الفتاة .
-
نداء الفاسد لا يحظى القبول بالمطلق .
-
للمرأة في كل أيامها .
-
و ماذا في صالات العزاء غير المفاخرة و الرياء ؟!
-
الاحتفاء بالحب ليومٍ واحدٍ تقزيمٌ لقدره .
-
هل حقاً : عصا الجنة وسيلة ردعٍ و امتثالٍ ؟
-
حينما يكون الوطن مختطفاً .
-
ليس من طبع المرتزق ، البحث عن ذاته .
-
العطاء حكمةٌ راقيةٌ ، و سلوكٌ أنيقٌ .
-
الكيل بمكيالين ، أم غشاوةٌ على الأعين ؟!
-
كل عامٍ و مستقبلنا يصنعه المستعمِرون و الطامعون .
-
براعة الشرق في صناعة الأصنام ، و عدم الأوطان .
-
إطلالة نافذتي مفعمةٌ بمشهد الحياة .
-
الشعور بالعار ليس من شيم الطغاة .
-
و أخيراً تمسك لا فروف بقرنيِّ الثور .
-
بكثرة الطهاة يفسد الطبق .
-
حينما تكون الصرخةُ مفلسةً .
-
شبحي لكم مرعبٌ .
-
ردٌ هادئٌ على مداخلة الأخ مسهوج خضر .
-
خذها من قلمي ، أيها العاشق .
المزيد.....
-
بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير
...
-
الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي
...
-
السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن
...
-
التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد
...
-
-السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل
...
-
البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
-
بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب
...
-
هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
-
تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
-
إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد
...
المزيد.....
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|