أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - الواو..















المزيد.....

الواو..


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 11 - 19:23
المحور: الادب والفن
    


كانت تتمدد على حصيرة قريبة من قدميه ،وفي اعماقها تغلي أحاسيس شتى، متلونة بصور متباينة ،تبكي أحيانا أو تكتم غصتها خوفا من أن يرميها بأي شيء قد يدمي جسدها ،أوتتنهد وقد انطبق ضيق المسكن وانعدام النور الا من ذبالة شمعة بينها وبينه ،تضيق لها النفس والخاطر في كوخ موحش مترب ، لا يتعدى ثلاثة أمتار ، صار يهتز من عتو رياح الشتاء ،فتقوم من مكانها تطل من كوة صغيرة تشرف على الزنقة الضيقة ،وهو يتابعها بعينيه حتى اذا عادت قام من مكانه ليتأكد ألا غريب يمر بالحي ، فقط الرياح تدمدم زائرة بين الأكواخ ، الكل قد خرج الى ماتعودوا أن يخرجوا اليه ،تسول ودعارة رخيصة ولصوصية دون أن يتخلف أحد منهم ، كلهم يخرجون بليل ولا يعودون الا بليل ، فالنهار لا يعرف لهم وجوها الا أيام الانتخابات أو حين تريد احدى التكتلات السياسية اوالنقابية زرع الفتنة في مكان ما ، أطفال صغار بأسمال رثة وأقدام حافية ، تركهم أهلهم مهملين يلعبون بين الأكواخ ، شبه عراة لا يخافون بردا ولاعاصفة، يتقافزون على مجاري ماء الصرف الصحي السائبة حيث تخترق الصدور روائح النتانة ، وهي ما يبخر الموقع ويخنق الأنفاس.. ..
تعود الى مكانها ، فتتكوم وعقلها ساه،أشله البرد والجوع..كلما همت ان تقول له شيئا تراجعت ، خوفا من غضبة منه تضيف اثرا الى وجهها
او جسدها..
الجوع يأكل أمعاءها ، فلا هو خرج ليبحث عن عمل حتى يجد ما ينفق على نفسه وعليها ،ولا تركها تشتغل لأسباب تتجاهلها، وتتجاوز الخوف عليها ، حتى حين يعصره الجوع بوجع ،يقفل عليها باب الكوخ بسلسلة حديدية احتراسا من أن يدخل عليها غيره فتنقاد اليه مقابل دريهمات او أكلا يحمله اليها ، فجميع شبان الحي تتطلع عيونهم اليها ،ولا احد يستطيع ان يتقرب منها خوفا من بطش اخيها المعتوه الذي لايرحم ..
كل سكان الأكواخ المجاورة يعرفون حادة ، أنثى بنت الخامسة عشرة من عمرها، اذلها الفقر وزها بها الجمال الذي أبى أن تقهره صفرة وجهها ، وجرحا اسفل حنكها الأيمن من اثر عدوان أخيها ، الذي روضها بعقلية
احتكارية متسلطة ،فهو من رباها على الطاعة والامتثال مذ كان عمرها ثلاث سنوات ، فهي تخشاه أكثر مما كانت تخشى أمها وأباها اللذين ماتا تحت انقاض زاوية من الكوخ كانت سرير نومهما ، وقد زادت شراسته نحوها من يوم ضبطها مع مراهق يمارس عليها الفاحشة ،مقابل خمسة دراهم كانت تريد ان تسد رمقها ورمق أخيها من غرغرات الجوع ..الكل كان يتمنى لو يظفر بها لحظة متعة..
كثيرون تقولوا عنه اتهاما ،فربما يمارس على حادة سوء سلوك ،كما هو شائع في بعض الأكواخ ،ولهذا تدعن اليه اتقاء شره والفضيحة ،وقد تورط أحد المتهورين من شبان الحي حيث بلغ عنه دون علم من احد ، فداهم الدرك الكوخ ،وهي اول مرة يتشرف فيها الحي برجال الدرك .وجدوا حادة تعد أكلا، بينما اخاها كان متكوما على نفسه يشكو مغصا في بطنه ، ورغم ذلك لم يرحمه الدرك فساقوه الى المركز حيث خضع لاستنطاقات شاقة وعسيرة قاسية، بعيدة عما ألقوا عليه القبض من أجله قبل أن يكتشفوا ما لم يكن يدور في خلد احد حتى حادة نفسها حيث كان رجلا بلا أدنى اثر لما يميز الرجل عن الأنثى ..
من يومها أدركت حادة سبب عصبية أخيها، وعدم قدرته على التحمل ،لكن كلما توسلته السماح لها بالعمل في البيوت ،جن جنونه وتحول الى حيوان شرس يضربها بلا رحمة ، فتنكمش على نفسها وفي أعماقها ظلمة من غربان تائهة لا تعرف متى ستنقشع وكيف ؟ ومتى ستضع حدا لهذا الصبر مما تعانيه ،هي حقا تستظل بفيئه بين سكان جعلهم الفقر قساة أجلافا بلا قلب، عن بكرة ابيهم يتكارهون من الرحم الى القبر ، لكن الى متى ستظل كطفل يسأل البحر عن لعبة ضاعت منه ؟
أحيانا كانت تتساءل ماذا يحمله من خلفيات تجعله يثور بهذا الشكل ،غير ما ضبطها تمارسه ، وهذا ما سبب حقده عليها ، فلا احد يستطيع أن يتحمل ما يتحمله أخوها وما يفرض عليها تحمله ، خصوصا بعد حادثة الدرك وقد انكشفت سريرته أمام أهل الحي، فصار أكثر كرها وحقدا على الكل، يشك في الكل ، ،والكل عنه قد ابتعد خشية من سر قد يكون كشفه للدرك ، أو من عدوانية تحوله الى خنزير بري شرس..
ذات صباح وقد خرج أخوها بعد ان بات ليلة عصية جوعا والما ، تنبهت بان أحدا وراء باب الكوخ ، اقتربت من الباب والتوجس يأخذها وقد خارت ركبتاها من الجوع، أتاها صوت غريب يقول : حادة ، أتيت لك بأكل ومال، مدي يدك من تحت الباب، وخذي ما سأتركه لك ..لا تخافي فلا احد قد رآني ..وكل يوم سانتظرك الى أن تتمكني من الهروب ..
لم يطل وقوف الغريب كثيرا ،فقد سمعت خطواته تعود من حيث أتت ..
مدت يدها كما قال ، فوجدت خبزة محشوة بزبدة وشريحة لحم وبيض مسلوق ، ورزمة صغيرة بها خمس ورقات زرقاء من فئة 200 درهم ،بسرعة وضعتها في تبانها ثم شرعت تزدرد الخبزة بنهم الى آخرها . حين انهت أكلها ،نظفت المكان ، واشعلت ورقا لتطرد بدخانه رائحة الأكل من قلب الكوخ..
أخذ الغريب بكل تفكيرها ،من يكون ؟ وكيف عرف بقصتها : ومن أخبره انها تنوي الهروب ؟ام هو من يوحي لها بذلك ؟ من هذا الآتي الذي وصلته شهقتها فاقبل ليسد نافذة الريح الشرسة من داخل الكوخ وخارجه ؟تهادي في خيالها طيف أبعدته بشك ..ياشهقة قلبها التعب المنهوك.. !!
ما أكلته وما اوحى به الغريب اليها قد نفث في نفسها قوة وفي عقلها انفتاحا ..
صار تفكير حادة منصبا على أمرين ، اشدهما هيمنة على عقلها، كيف تفر من هذا القفص ،؟ أما عن الغريب فلابد أن تعرفه ذات يوم .. كل لحظة تبني وتهدم خوفا من بطش قد يأتي على عمرها ، كانت تجالس أخاها وهي غائبة بفكرها عنه، تخطط تصاميم ناجعة لفرارها ، لا تنكر انه هو من رباها ، لكن عليها لايحنو ، كأنه ليس اخاها ، فلا يوجد أخ يمار س هذا الحقد من العنف اللفظي والبدني على بنت يدعي انها أخته ،فما عادت تحتمل أكثر امام عقلية لا هي تثق في نفسها ولا في من حولها ..عقلية لم ترب فيها غير الحقد وكراهية الناس والنظر اليهم بالشك والتوجس والريبة؛ صار توقها لنور يملا بصرها، ولهواء نقي يفتح صدرها ، أمام جبروت الليالي ، هو ما يغيب نومها ،ويضاعف ألمها بعد زيارة الغريب، وهي الان تملك ما يساعدها على الفرار ، كانت الالف درهم التي امدها بها الغريب كزخات من رحمة وما ينقصها الا وسيلة لتحقيق هروبها ، بعيدا عن رقابة أخيها وحصاره لها..
لم تنهض من نومها كما تعودت كل صباح ، ناداها أخوها فلم تنبس بكلمة أو تحرك ساكنا ،ظل يحركها بقدمه وكأنه يحرك جثة بلا روح ،حاول ان يبحث عن قشرة بصل او ثوم في الكوخ ظانا أنها غائبة عن الوعي ، فما وجد شيئا ، وضع راسه على صدرها وأخذ يتسمع ضربات قلبها ، جلس الى جانبها ينتظر ..فقد تفيق من غيبوبتها ، بعد أن تأكد من ان قلبها لايزال نابضا..
مرت ازيد من نصف ساعة ولم تحرك ساكنا ، فتح باب الكوخ ورمى بصره على الحي ..لا احد ..حملها بين يديه ، وجرى بها الى مستوصف ، أدخلوها غرفة الفحص في انتظار وصول الممرضة الرئيسية التي لا تبدأ عملها الا بعد منتصف النهار ، ظل يروح ويجئ قلب المستوصف ، يصيح أحيانا ويهدد أخرى ، حين اقبلت الممرضة ودخلت غرفة الفحص لم تجد اية مريضة بالغرفة..
قامت القيامة ، كثر الهرج والمرج ، الكل يبحث عن حادة ، ربما انشقت الأرض وبلعتها..
بعد ان أدخلوا حادة غرفة الفحص انتظرت قليلا الى أن ابتعد الكل عن باب الغرفة ، فتحت عينيها ،لابد ان تلملم وبدقة وسرعة شتات بعضها ، هي خططت ولا يمكن أن تتخاذل ،قصدت نافذة ، حين أطلت منها ،لمحت شابا وسيما شرع يلوح لها بيده ، كان هو من أبعدته عن تفكيرها ، ما ان حاولت القفز من النافذة حتى فُتحت الباب ودخلت ممرضة، قبل ان تصيح هذه اخرجت حادة الألف درهم من ثبانها ورمتها في وجه الممرضة ، ثم قفزت بسرعة راكضة الي الغريب ؛ اخذ بيدها الى قلب سيارة لم تكن بعيدة عنه ، ومن هناك أخذا الطريق السيار..
قبل الخروج الى الطريق ، مر على قرية صغيرة بها مطعم شعبي ، اشترى منه لحما مشويا وخبزا كافيا وفواكه ثم انطلقا ..
لم تسأله كيف تسلل اليها ؟ والى اين يتوجه بها ، يكفي أن حياتها البئيسة قد اتكأت على ظهوره فـهو لها الآن منقد ، اكتفت بالتمدد على المقعد الخلفي ثم نامت بعمق، لم تفتح عينيها الا على منقدها وقد اركن سيارته وطلب منها النزول ، قطعا الشارع الى حمام نسوي، سلمها لاحدى طيابات الحمام كانت تنتظره ، وقال لها سيعود اليها بلباس حادة .
غاب قليلا ثم عاد وفي يده محفظة صغيرة ، وقف بباب الحمام الى ان خرجت المرأة التي تسلمت منه حادة ، ناولها المحفظة ، واوراقا مالية ثم عاد الى سيارته ينتظر ..
خرجت حادة من الحمام ، انبهر وهو يرى طلعتها قادمة اليه بعينين واسعتين ضاحكتين رغم اثر الضنى عليهما ، وخدود متوردة ،وقد ممشوق ، أنف خناسي وشفاه وردية ممتلئة متناسقة مع حجم الوجه الدائري ..جمال أخاذ زاده اللباس الجديد بهاء وحسن طلعة ، أَكُل ُّهذا السحر كان متخفيا وراء غلالة البؤس والجوع وشراسة الأخ؟ ساءل نفسه.
لم تمنع عنه خدها وقد امتدت شفتاه اليه بقبلة ، أحس بهزة تسري في كل بدنه وهو يلامس خدها الدافئ وجسمها الفوار بعطور الحمام ، أغلق باب السيارة بعد ان صعدت الى المقعد بجواره .. فتح الصندوقة الخلفية للسيارة أخرج منها ما اشتراه من القرية الصغيرة ، وإعطاه لمتسولة مع أبنائها كانت قريبة من باب الحمام،.. ثم عاد الى السيارة كطفل منبهر أبله لاتسعه فرحة بحادة ،منطلقا الى اقرب مطعم أنيق ، كان بين كل حين وآخر يلتفت اليها ، يتملاها والفرحة تغمر قلبه..
في المطعم جلست حادة وقد رسمت على وجهها ابتسامة كانها متعودة على المكان رغم أن في داخلها كانت منبهرة بأناقة الموقع ،اتساعه وكثرة الزبائن الذين يفدون على المطعم والذي لم تحلم يوما أن تضع فيه قدما الا متسولة او عاملة على ابعد تقدير ، أحيانا كانت الابتسامة تتلاشى على وجهها كلما تذكرت أخاها..
انتظرت أن يكلمها الغريب ، لكنه هو نفسه فضل الصمت ، كان يريدها أن تأكل بشهية وبعيدا عن اية كلمة توقظ فيها إحساسا بما تركته خلفها ، كان يعرف انها لأول مرة تلج مثل هذه المطاعم ، لكن هدوء وجهها بين اشراقات الابتسامات وغروبها شجعه على الصمت ، فامامه الزمن للحديث..
لم يحرجها فيطلب منها ماذا تفضل كأكل، يقينا منه انها لن تعرف ما تختار، لكنه طلب ما قد يفتح شهيتها مما لذ وطاب ..كانت لا تضع لقمة في فمها الا بعد أن ترفع رأسها ، تحدق في من يتناولون أكلهم فتقلدهم خوفا من ان تثير الانتباه اليها وهي تأكل ،ذكاء وفطنة ، فكثيرا ما سمعت من أخيها عن مثل هؤلاء الناس وطريقة أكلهم ، بغير أصابعهم ،اقتصادا او خوفا من السمنة ،وكيف يطلبون من الطعام فوق حاجتهم دون أن يفكروا في غيرهم ، ممن يتضورون جوعا في الأكواخ او يتسولون بلاحياء في الطرقات وأبواب المساجد : تنهدت حين تذكرت قول أخيها:
اموت ولا اتسول وكنت أكره أمي وانا صغير وهي تخرج للتسول. و.....
لم تعرف يوما ماذا كان يريد قوله بعد و .. ثم يصمت وحين تلح عليه ان يتمم كلامه ، يركبه قلق جنوني ، فيضربها بقبضة يده ، أو يركلها برجله ..
لما اقترح عليها الغريب قهوة بعد الغذاء لم يتعد ردها : كما تريد أنا لم أتذوقها في حياتي ..
وحين كان الغريب يشرب القهوة ويدخن كانت تسرق اليه النظر ، تتذكر كيف ساومها على نفسها بخمسة دراهم ، كان لازال مراهقا صغيرا ،وهي طفلة في الخامسة ، سمحت له بما أراد بعد ان تسلمت منه الخمسة دراهم؛ لكن يالحظه التعس !! .. داهمهما أخوها ،هو فر ناجيا بجلده ،وهي تورمت عيناها وانتشرت الزرقة على جسدها ، من يومها ارتدت رداء الاستسلام لضرب أخيها وتحقيره لها ...
ازيد من عشر سنوات مرت على الحادث ولازالت صورة الغريب تنطبع في مخيلتها ..
التفت اليها بعد أن أكمل سجارته ، وضع يده على يدها ، نظر اليها نظرة لامست أعماقها ، نظرة لم تتعودها حتى من أمها وأبيها وهي صغيرة ؛
لأول مرة تحس بان لها قلبا يتحرك على غير عادته ، وضعت يدها فوق يده ثم قالت:
من أعاد بك الي ؟ ومن اخبرك أني افكر في الهروب من أخي ؟
قرب الكرسي منها حتى كاد ان يلتصق بها ، رفع يدها الى فمه ، قبلها ثم قال:
أولا ، أعتذر عما بدر مني في لحظة طيش ، كم ندمت عليها ،هي شيطنات المراهقة ، قبل ان يضبطنا أخوك كنت أنجذب اليك كلما مررت بالحي تمنيت لو ألقاك ، كثيرا ما كنت آتي من الملجأ ليلا الى باب كوخك عساني أراك ، لكن بعد ان ضبطنا أخوك لم اعد أرى لك اثرا،
و كثيرا ما مررت فسمعت صوتك باكية أو صائحة ، كنت أدرك أنه يضربك ، هو مشهور بشراسته بين سكان الحي ، يحس بنقص في رجولته وبأمر آخر ربما هو ما كان يحرك تلك الشراسة و...
صمت وقد حرك لهفتها لتعرف ما بعد الواو ، هو نفسه كأخيها يجبن بعد الواو .. كم داخلها شك في سلوكات أخيها، لكن هذا لاتعرف عنه شيئا غير ماحكاه لها !! .. فماذا بعد الواو ؟
قالت له : قل ،أخبرني ..
تلكأ وخاف مما قد يخبرها به فقال : لا داعي المهم اني عدت اليك بعد سنوات قضيتها في ملجأ الايتام ثم رعتني امرأة فاضلة وبي قد تكفلت ،لن أنسى معروفها، لكن تعلمت ونلت شهادة عليا ثم توظفت ، و سرعان ماغادرت الوظيفة بعد ان توفيت السيدة وتركت في اسمي ثروة هي مصدر تجارتي اليوم..
بلاعقل كانت تسمعه ، حتى أنها لم تنتبه لكثير مما حكاه ،كان عقلها مع الواو ماذا بعدها ؟ فهي الى اليوم لازالت تحس بركلات أخيها على جنبها وبقبضته القوية على كتفيها، الآن تضيف الى ذلك وسواسا يعبث بصدرها..
ماذا لم تعرفه عن أمها ، عن ابيها ، عن أخيها ، عن سلوكات كانت تحيرها وتأخذ براحتها النفسية الموثقة مع الفقر والجوع وبؤس الحياة وشقائها
قالت : احك ، أريد أن اعرف كل الحقيقة..
قبل يدها وقال : لا يهمك انسي ، انت معي الآن وسأحاول ان أدبر لك وثائق تجعلك معي في واضحة النهار تحت حماية الشرع و القانون ..
سلت يدها من بين يديه وقالت : معناه تدعوني الى العودة لأخي فقد تعودت حياته،لا بأس ..ذاك قدري ومنه لن أنفلت !! ..تحركت دمعات في محاجر عينيها،وضع يده على فمها وقال:
لا لن تعودي ،لكن عديني انك لن تغضبي لما سأقول ..
ضحكت من بين دموعها وقالت:
أغضب على ماذا؟ وهل ما ستقوله أفظع مما عشته من فقر وجوع والم وكراهية وحقد ؟ قل ،قل ،بربك اذا كنت تنوي ان ارتاح بوجودي معك.
اشعل سيجارة ،اخذ نفسا عميقا ، تنهد بعمق ثم قال:
هو ليس أخوك ، هو طفل وجده من كنت تتوهمينه أباك. في صندوق قمامة ملفوفا في خرق ،وحيث لم يكن يستطيع انجابا مع امرأة قبل أمك كانت تُمارس التسول والدعارة ،فقد ربياه دون إشعار السلطات بذلك..وأخوك كان يعرف الحكاية وهو ما كان يؤرقه ويعذبه وقد تضاعف عذابه يوم ماتت المرأة التي ربته رغم ما كان يكرهه فيها :التسول والدعارة ، أما أمك فلم تكن غير خادمة في احد البيوت، وقد أنجبتك سفاحا مع صاحب البيت ثم مالبثت أن سممت ابنه بعد ان تنكر لفعلته وفرت وهي بك حامل الى بيت من كنت تتوهمينه أباً والذي كان يصلها بقرابة ، ربما أنت لا تعلمين ان الحي الذي تربيت فيه لم يكن غير بؤرة مجرمين وفارين من العدالة ، كل واحد منهم يتستر على غيره ،لهذا فهو منسي من قبل كل السلطات ، ويوم اقبل الدرك لأخذ أخيك بعد ان تم اتهامه بزنا المحارم معك فذلك كان لغاية أخرى وهي البحث عن مجرم قتل سيدة من علية القوم بعد ان سرق بيتها ثم غاب ..وأخوك هو من اطلع الدرك على هذا التاريخ الأسود من حياة الكوخ ،بعد استنطاق عسير ..
صمت قليلا ثم أضاف :احد من تربوا معي في الملجأ هو من كان مكلفا باستنطاق اخيك ،وهو من خصني بهذا السر ولأجل ذلك بادرت اليك عازما على إنقادك..
تنفست حادة بعمق ، وعلى غير ما كان ينتظره الغريب منها قالت:
أنت أزحت عني هما كبيرا ، أنت وضحت الكثير مما كانت تعكسه سلوكات محيرة ،غامضة ، كنت لا اعرف لها سببا، ريحت نفسي لدرجة اني صرت أحس برغبة قوية الى النوم . هو ماضي حقير يلزم أن ابني عليه خرسانة اسمنتية وقناطر الى حياة جديدة ، لم أسئ لاحد. أبدا في حياتي،المرة التي اسأت فيها الى نفسي كانت معك .ما بلغته الان ان كل انسان هو امتداد لأصله وجذوره الأولى فهي الدفق في تشكيل أعماقه وان تباينت بصمات التنشئة والتربية ، كل والجناية التي سببت وجوده ..
ضمها اليه،طبع قبلة على جبهتها وقال:
كم من نواة لا تعرف لها اول تربة ولا مسقى ،لكن عطاءها عليها شاهد هو ما يتذوقه الناس ويشهدون بمنافعها ،لنكن معا. تلك النواة
أخذت يده بين يديها ،قبلتها ثم قالت :
اريد أن انام هل لك مكان ؟
بسرعة رد : طبعا بيتك ،
جفلت !! .. وهل ستعيدني الى الوكر القديم ؟
ضحك وقال :لا ابدا اليه لن تعودي ، سأطير بك من كل ظلام الليالي الماضية ، الى صفاء الأحلام أليس بيتي بيتك ؟
هيا !! ..قومي من هنا نخرج ونحن أبناء يومنا ،غدا تغني لنا نجوم زاهرة نحن لها النواة ،هو فرج الله قد حل فله الحمد والشكر



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وله في راية بيضاء
- رضوض - من ذكريات الكتاب-
- جئتك مولاتي عاشقا
- في عيدها
- زمن
- عدالة الله
- نساء مررن من هنا
- عرقنا لقاح
- معا يا حبيبتي
- نفوس بعنادها متناحرة
- تجربة صادمة
- امنحيني فرصة
- منك أريد ولا اريد
- رجومك قادفات
- عطر...من بصل
- مابعد الحلم (ج2 من حلم الفيل )
- ليس أبي
- حلم الفيل
- اسألوا جانيت مربيتي (2)
- اسالوا جانيت مربيتي (1)


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - الواو..