أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - اسألوا جانيت مربيتي (2)















المزيد.....

اسألوا جانيت مربيتي (2)


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6501 - 2020 / 2 / 28 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


وانا في الطائرة الى فرنسا للعلاج فتحت عيني مرتين: مرة تخيلتني وكأني ساهوي الى بئر عميقة،ومرة حين احسست أن ابرة قد نفذت في ذراعي.
كنت محاطا بممرضتين،في عيونهما كنت اقرأ الفضول و سوء الظن : كيف يتم غض الطرف عن طفل مع مربية بلا مراقبة ؟
بين صحو وغياب سمعت احداهما تهمس لصاحبتها :...
ـ غبية ،كيف كانت قانعة تعوض رغباتها باللعب مع طفل صغير ؟
حين وصلت المطار تظاهرت بالنوم ،وظلت اسماعي وحدها تقتنص من حولي الصدى..
بعد يومين كنت ممددا على اريكة مريحة وامامي طبيب ..أجفلت بادئ الامر ..فكل طبيب هو نسخة شبيهة كالذي كان يتسلل الى مربيتي .. بيننا كانت آلة تسجيل على منضدة صغيرة
كانت أسئلة الطبيب عميقة : عن تعلمي ، عن علاقتي بوالدي ،بأمي ،
بمعلمتي وأصدقائي ...عن الأطفال الذين ألعب معهم في الحي وعن الذين لا أحبهم ...
لم يسألني عن مربيتي الا بعد أن طرح أسئلة كثيرة عما احبه في حياتي وما لا أحبه،ثم فاجأني :
ألا تذكر مربيتك وتحن اليها ؟
قلت: لا .. تلاعبت بي رغم أني كنت أثق بها .. وبصراحة كنت لا اعرف ما اريد ..
قال : حسنا وماذا تعرف عما كنت تريد ؟
قلت : مارايت الطبيب يفعل مع مربيتي ..لقد كنت ألاحظ أشياء ماعهدتها في

حياتي..
ـ الم تحدثك ماما عن ذلك يوما ؟
ـ لا ..ماما كانت تصر دوما على أن تعلمني ان كل انسان له جسد ..هو ملك له وكل من فرط فيه يعاقبه الله،ومربيتي فرطت في جسدها ،واستغلت جسدي،كانت أمي دوما تقول لي : جسدك ملكك واياك ان تترك أحدا يعبث به او يلمسه ..فقط ماما وبابا لهما الحق في لمسه ومسؤولان عن نظافته وسلامته ..
حرك حاجبيه رضى ثم قال : وهل راقك ما كان يفعله الطبيب مع المربية؟
صمت لحظة ثم قلت : لا ادري .. ولكن حين خلعت ثيابها توهمت اني كنت قادرا على كل شيء ..
قال وقد فاجأني: وهل كنت قادرا حقا ؟
قلت :
بصراحة كنت لا اعرف نفسي ولا اقدر سوء رغباتي..
قال : هي مازالت تريدك ؟ هل تبادلها الرغبة؟
قلت بعصبية : أكرهها ..لا اريد ان اراها مرة أخرى .. فقدت أصدقاء مدرستي ..تغيبت عن دروسي .. جلبت المشاكل لابي وأمي ....
ضحك وقال : الكل راض عنك ..والكل يحبك،اصدقاؤك ينتظرون عودتك الى المدرسة ..معلمتك كلمتني من لحظات تسأل عنك ...
سكت قليلا .. تبسم ثم قال : هل لك صديقة ؟
افرحني السؤال ..قلت : طبعا كل بنات فصلي صديقات لي..
هز راسه وانحنى علي قائلا : صحيح ..طفل مليح الوجه مثلك ..مجتهد ..من اسرة بأصل ونسب لابد ان يكون محبوبا..
وقف وقد كانت بوادر الارتياح بادية عليه وقال :
هل تعرف انك ساعدتني في معرفة ما في عقلك ..كنت أظنك ستكرهني كطبيب وربما تضربني كما ضربت طبيبك المغربي .. الحمد لله انه بخير وهو يتمنى ان يقابلك ليعتذر لك ..
هل تقبل اعتذاره ؟ ....صمت ..ثم قلت :
ما تعودت أن اضرب أحدا .. الخوف وحده جعله امامي شيطانا ..تذكرت قصة عزازيل ابنة الشيطان التي قراتها؛أجهشت بالبكاء .. ماتصورت يوما أن اجد نفسي في موقف كهذا
تابع حديثه :ساخرج من عندك وانا مرتاح لاني تعرفت عليك أولا ...ولاني فجرت دموعك ..ابك حتى تغسل كل مافي عقلك وبين ضلوعك ..
ناولني منديلا ابيض ثم انصرف .
بعد يومين نظمت إدارة المشفى مباراة في كرة اليد بين فريقين احدهما من خارج المشفى وحيث أني كنت اتقن اللعبة فقد اشركوني ضمن الفريق المحلي..كنت أصغر اللاعبين ولكني سجلت ثلاث إصابات رائعة
كنت الاحظ الطبيب المعالج يراقبني من نافذة مكتبه وقد كانت أمي معه
سرني ان أبصرتها سعيدة بلعبي ..
أعرف انها لن تحقد علي وانها ستسامحني ولكني مع الأسف لم أكن في مستوى ثقتها ولا ثقة والدي الذي أحبني بلاحد ..
هكذا كنت ولمدة عشرة أيام أشارك في نشاط رياضي او سنمائي او مسرحي
احسست اني دخلت عالما جديدا خصوصا وخلال ثلاث جلسات أخرى مع طبيبي الذي اقنعني ان مامر بي مجرد حلم .. وكان كل مرة يرد الحلم الى شيء كنت أنا السبب فيه ..
بصراحة بدأت انسى تلك الكوابيس التي ارقت ايامي بل صار عندي ميل الى نوم لايترك لي فرصة لاسترجاع مامر بي .. فانا وطيلة وجودي في ذلك المشفى كنت نائما او مشاركا في نشاط او اساعد مرضى المشفى في الحديقة او المقصف ..
بعد عودتي لوطني كان استقبال طاقم مدرستي مبهجا من خلال حفل صغير نظمته الإدارة ..كان الكل سعيدا بعودتي
في نهاية السنة الدراسية واثناء حفلة توزيع الجوائز قدم الى رجل جائزة المثابرة والنجاح .. أحسست كأني اعرفه .. شكرته بقبلة على خده
لكن صورته ظلت تشغل بالي ..من هو ؟ وأين رأيته ..
حين تذكرت .. ضحكت من نفسي .. كم تتلاعب بنا الأحلام والذكريات
قضيت عطلة تلك السنة في بيتنا بالجنوب المغربي
طيلة العطلة كان أبي لا يفارقني ، صرنا معا أشبه بصديقين حميمين
كل منا يمتطي فرسا ثم نقطع المسافات الطويلة..
كان يحكي لي عن دراسته في العراق ، عن ثورة عبد الكريم قاسم التي حضرها في الستينات ،عن محاولة زواجه بعراقية امتنع أهلها ان تصاحبه الى المغرب .. عن بداية حياته العملية كاستاذ للتربية الإسلامية قبل ان يترك مهنته الى القضاء بعد ان حصل على دبلوم المدرسة العليا للدراسات القانونية ،عن حبه لأمي وزاوجهما ....
لم ينس ان يذكر المرحوم خالي وزوجته التي صارت مربيتي بعد موته
كنت ألاحظ انه كان يراقب كلماتي وانفعالاتي بدقة متناهية وهو يحدثني عنهما ..
كنت اصمت وأحس بضيق من ذكرها الى أن كان ذات مساء وقد خرجنا من المسرح بعد مشاهدة مسرحية رائعة اسمها فولبون : لبن جونسون
سألني : مارايك في فوسكا خادم فولبون ؟
قلت : الخدم قد يظلون خدما ولو استغنوا، لكن اول ما يستغنون يصيرون خطرا على من أحسن اليهم ..
صمت قليلا ثم قال : ليس بالضرورة يابني لكنها النفس البشرية تصير شرسة اذا غزاها الخوف وقلة الوعي،كذلك كانت زوجة خالك الخوف مني جعلها تتجاوز حد الاخلاق والقيم،هي غير ملومة على ما اقترفته مع صديقنا الطبيب ،فهو من تعدى على حقوق الجوار وحرمة الصداقة .. لو لم يتحرش بها ويستغل وحدتها وطيبتنا لما وقعت في ما وقعت فيه...
كان يتلفظ كل كلمة ويترقب ردة فعلي ...
قلت له :هل تعلم انه هو من قدم الي هدية النجاح ؟
ضحك وقال : ادري وانا من اقترحت ذلك على إدارة المدرسة ..كنت أحب ان أرى ردة فعلك ..وان اغيضه عساه يدرك ان ليس جميع الناس حيوانات بلاعقل مثله،فما جدوى علمه اذا لم يفده في حماية الإنسانية ؟
أحسست كانه يحدث رجلا عاقلا كبيرا لاطفلا في مثل سني،وتذكرت انها كانت عادته حتى حين كان يناقش معي مضمون كتاب فلسفي اوقصة مما كان يدفعني لقراءته..
قال بعد صمت ساد بيننا
هل تعبت ام تفكر ؟
قلت أفكر ..
بسرعة اتاني رده : لاتفكر في شيء كلنا خطاؤون ..هي تجربة كم اسعدني ان تمر بها وان نتادرك نتائجها قبل أن تستفحل،لكن اظن أن ابني اكبر من ان تؤثر فيه حادثة بسيطة ... هي تجربة مفيدة لكنها في غير وقتها اخرجتك عن طهرك واوقعتك في انفعالات قبل الأوان ،ولكنها علمتك معادن بعض الناس وكيف يجب ان نتعامل معهم بالحذر وبلا حقد عليهم لان لهم ظروفهم الخاصة..بالمناسبة هل تعلم ماذا قالت مربيتك في التحقيق :
وقبل ان ارد عليه قال: قالت : وحدي اتحمل مسؤولية كل ما وقع ..انا من أغريته وشجعته .. لماضبطني مع الطبيب كنت أخاف ان يبلغ عني ..
وبدل ان افجر الحدث تكتمت عليه وأغريت صبيا بما لا يستحق..
قلت : ماعاد يهمني أمرها ولن انام بعد اليوم الا وحدي..
ضحك وقال : يابني الانسان الحقيقي هو من يشعل شمعة ،يخرج بها في يده
والجو عاصف ،فيحتاط من ان تطفئها الرياح ..اين قوة العزيمة اذا عالجناها بالهروب ؟
ادركت ماذا كان يرمي اليه .. كان يريد مني ان اصير رجلا بعقل وعزيمة لا امعة اميل حيث الريح تميل .....
بعد نهاية العطلة كنت انسانا آخر،انسانا هو ما اجده اليوم في شخصيتي وقراراتي ، في تعاملاتي مع غيري..
ربع قرن مرت على الحادثة وقد التقيت بمربيتي خلال هذه المدة مرتين
مرة حين أتت تودعنا بعد ان قضت فترة سجنية تدخل فيها ابي لتكون خفيفة ومرة حين كنت طالبا في فرنسا..
في المرة الأولى احسست نحوها ببعض من نفور اما في الثانية فكانت كاي امراة قد رسمت السنوات اثر الضنى والتعب على وجهها وفي عيونها الزرقاء التي صار يتخللها نوع من الضبابية،حتى سمرتها قد تحولت الى لون قمحي باهت وتوزعت على جبهتها بقع بيضاء ،كانت تجتهد في تغطيتها بمساحيق وادوية



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسالوا جانيت مربيتي (1)
- لا رحمة في ليلة عشق
- استنبات
- هل أنا لديك اكتفاء؟
- بلا اثر
- الثعلب
- بداية سمفونية
- العرافة
- حبي ليس نزوة
- الله يرحم عمي سليمان
- رسالة مخفية
- جدتي
- أهواك
- أرض خصبة لم تكن موعودة
- احزاب...ولكن
- لبيته لن أعود
- نملة
- جف في بيتكم زمزم
- العدة وقلة القبض
- قلب المحارة درة


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - اسألوا جانيت مربيتي (2)