أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - العرافة















المزيد.....

العرافة


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6485 - 2020 / 2 / 7 - 13:45
المحور: الادب والفن
    


جلستُ قبالتها على لحاف اسفنجي ، امرأة في الثلاثين قصيرة القامة ممتلئة الجسم ..عطرها الرخيص النفاذ .. يعكس انتماءها الطبقي ..اما لباسها فلا يدل على انها تتشدد في حجاب او تتعمد إخفاء بعضا من مفاتن صدرها الممتلئ ..حتى ذراعاها تعمدت ان تترك اسورتها الذهبية تعلن بياضهما وجمال البنان مما يدل ألا عمل لها الا ما تمارسه من طقوس وتنبؤات لمن يطرق بابها
ضمتنا غرفة صغير مربعة لا يشي اثاثها بغنى
غير أن ما يؤثتها من شموع ملونة وقناديل زيت عتيقة مغبرة وشمعدانات نحاسية باهتة الصفرة واصص ورد لدائنية غابت ألوانها تحت طبقة من غبار يوحي ان السيدة لها طقوسها الخاصة
التي تشغلها عن الاهتمام ببيتها او تتعمد اظهار ما ينفث نوعا من خصوصيتها لدى الزائر.. ماعدا ذلك فلا تنبعث من الغرفة ادخنة بخور غير ما ينبعث من عطور جسمها الرخيصة وقليل من رطوبة يعم مكانا ما احوجه الى تجديد هواء
حدقتْ في وجهي طويلا كأنها تقرأ كل طيات حواسي ثم تنهدت ..
أخرجت من تحت لحافها عيدانا ثلاثة بألوان مختلفة ورمت بها امامها
اسدلتِ البصر وقالت بعد ان حركت راسها في نوع من الدهشة : ماذا تريد شابة جميلة مثلك أن تعرف ؟
قلت في شبة تمتمات : مايؤرقني في حياتي ..عملي ،زوجي ، ابنائي ...
تبسمتْ وكاني قد اوحيث لها بطريق تسلكه لتمخرنفسي
قالت : اعرف انك متزوجة ، ,وأنك في عملك محسودة... وان ابناءك كثرت مطالبهم حتى فاقت ما في يمينك
تنهدتُّ .. فلحد الآن لم تخبرني شيئا عما اعانيه ..وكأنها ادركت حيرتي بادرتني بامر : خذ اول عود من الثلاثة .. ضعيه على صدرك ثم هاته
فعلت وقد احسست بشدة وجيب الصدر
لما تسلمته ضحكتْ وقالت: ماذا ينقصك ؟غنية ، دخلك الشهري عالي جدا، وزوجك مثلك غير انه متبوع محسود ..
قلت في نفسي : جميع الرجال مثل زوجي محسودون لكن من التبيع ؟
كنت ادرك ان زوجي ليس من النوع الذي قد يبحث عن غيري او قد تثيره انثى بحب ..فحياتنا معا صفحة مكشوفة .. حتى حين يتغير مزاجه أحيانا اعلم انه يريد تغيير سيارته او اقتناء آلة الكترونية جديدة للبيت او تبديل هاتفه بتقليعة جديدة فيشرع في اللف والدوران عن حجة اقناع واغراء لأوافقه على ما يريد
كانت العرافة تتأملني بدقة ، تحاول ان تغزو عقلي لتقرأ مايجول داخله ، تصغي السمع لدقات صدري عساها تهتدي لفكرة تعلل بها وجودي او تقنعني بجدواها في حل مشكل هو مادفعني لزيارتها
قالت: خذي العود الثاني والثالث وانفخي فيهما
فعلت... وانا اناولهما لها سقط احدهما ..لا ادري ان كان الامر عاديا او تعمدا منها
قالت : توجد امرأة في طريقك ماذا اقلقك منها ؟
صعد قلبي الى حلقي ..ما تمة غير حماتي .. لعينة لقد بلغت القصد
بدقة متناهية كانت تقرأ حركاتي وسكناتي .. عيناها مافارقت وجهي
قالت:نعم هي تلك التى وردت الآن على خاطرك
بسرعة قلت :حماتي !!!! ...
يا لحمقي فقد ناولتها راس الخيط ..حتما منه ستشدني
بسمة خبث ظهرت على وجهها
تململتُ قليلا في مكاني وقلت : منك اريد الجواب
ادركت ذكائي ، ....مكري ...لا ادري كيف ستفسر ذلك
قالت: تطورت الحياة البشرية ولازالت اللذة هي ما يربط بين الام وابنها ..لا تريد ان ينفصم عنها ..فهو منها والى جانبها يجب ان يظل ويبقى.. تكره اي انثى غيرها تستحوذ عليه حتى ولو كانت زوجته وأم أحفادها
هي رواسب تاريخيّة شديدة العمق تمتدّ فينا من الخلق الأول
استغربت من حديثها فالسيدة تبدو مثقفة واعية لها قدرة على التحليل والتاويل
تنهدت بعمق ثم استرسلت قائلة :
رواسب أثّرت في ثقافتنا الاجتماعية .. وهذه بدورها تؤثّر في تركيبتنا النفسيّة.. وتؤدّي لعناصر نفسيّة نمطيّة لايختلف فيها متعلم ولا جاهل
باغتتها بسرعة : لا .. يوجد اختلاف.. فاسرتي متعلمة واعية ..ابدا ما تدخلت بيني وبين زوجي وهو عندها كاخواتي الذكور سيان
تنهدتْ مرة أخرى وتململتْ في مكانها كأنها تريد انهاء اللقاء
ـ هذا قليل ويلزمه وعي كبير.. لكن أرى ان في حياتك مع زوجك ما يقلق حماتك بل قد يقلق اسرة زوجك بكاملها
صمتتْ قليلا ثم اردفتْ
يوجد تميز ما يحفر في عمق اسرة زوجك
قد يكون نسبا او نسلا او غنى او تميزا حضاريا
وهذا يحتاج الى جلسات
ووجدت نفسي اني لست امام عرافة وانما محللة اجتماعية نفسية متسلحة بدراية وخبرة وثقافة
بسرعة فاجأتني
هل تريدين أن أخلصك منها ؟
جفلت ..وبادرتها :لا ..هي امه ولها حق فيه لكن اكره تحريضها له، كراهيتي لان تعاملني بجفاء
او تتعدى حدود اللياقة معي بلا رادع يردعها
كانها تملك حصانة ضد كل اعتراض على سلوكها ..
ساد صمت بيننا
لا ادري ان كان ما اعلنته حقيقة ام صدفة
قالت : عليكِ ان تذهبي الآن واليَّ تعودين خلال هذا الاسبوع ومعك ديك احمر وقطعة من ثيابها ان أمكن ..او من ثياب زوجك
صدمني طلبها وحاولت ان أن اخفي امتعاضي وضآلتي ..كيف لانثى بفكري وثقافتي ووعيي ان تزل لهذا الدرك ؟؟
لقد حيرتني شخصية هذه العرّافة، أهي فعلا تمتلك قدرة على كشف الأحداث ؟ أم مجرد قارئة للافكار ؟ أم أن لديها مهارة تمكّنها من التلاعب بالعقول ؟
من اين أكتسب مهارتها ؟ فتحليلاتها تدل على انها دارسة متمكنة ...ام ربما هي اللفظية حين تصير ترديدات يومية ..او ذاك ماحفظته من مجلة او كتاب وصارت تردده على مسامع زوارها
جمعت عيدانها الثلاثة واعادتها تحت لحافها ثم قالت :
ـ ساساعدك
قالتها بهمس وايحاء جعلني ارتاب من سلوكها
حين وقفت احسست بصَغاري وحمقي وتلاعب الشيطان بي .. كيف ساقتني قدماي اليها ؟
كيف أثر بي حادث بسيط مع حماتي الى ركوب مغامرة غير محمودة اغضب بها ربي
تركت لها ورقة نقدية ثم انسحبت مسرعة وانا استغفر ربي وارجو ثوابه ومطارق قوله تعالى تضرب في راسي وصدري
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَاشَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِوَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ
سخرت من نفسي وانا اتذكر موت النبي سليمان
فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ
يالحمقي لو كانت هذه العرافة تعلم الغيب لعالجت حالها
وانا اركب سيارتي تنهدت تنهيدة عميقة
لو كان الدود يداوي كان داوى راسو
انطلقت بي السيارة وانا استغفر ربي كثيرا



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حبي ليس نزوة
- الله يرحم عمي سليمان
- رسالة مخفية
- جدتي
- أهواك
- أرض خصبة لم تكن موعودة
- احزاب...ولكن
- لبيته لن أعود
- نملة
- جف في بيتكم زمزم
- العدة وقلة القبض
- قلب المحارة درة
- شوك صبار
- قهوتي
- ليلة ليلاء
- أعطيني نفسك
- تفاحة
- انزعي عنك غلالة فكر
- فجرت سوق الثرثرة
- وحيدة بين الوجوه


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - العرافة