أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - ليس أبي















المزيد.....

ليس أبي


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 6 - 14:27
المحور: الادب والفن
    


وضعت يدها في يده وسارا معا كما تعودا أن يسيرا كل يوم الى مدرستهما .وكما يلتقيان عند الذهاب كذلك يلتقيان عند الإياب الى ان يصلا الى الحي حيث يدخل كل منهما الى منزله ..
طفلة وطفل تِربان من حي واحد ، ،منذ أن تسجلا في المدرسة وهما لايفترقان ..
من يومين لاحظ سعد أن رغد تتعمد الخروج قبله ،وتأخذ طريقا غير الطريق التي تعودا أن يسلكاها معا ، استغرب من سلوكها ،و حين سألها صباحا عن السبب اتى ردها :
احب ان أتعود الذهاب وحدي الى المدرسة .
اغتم قلبه الصغير ،وقد تعود ان يرافق صديقته ، كما كانت هي دوما حريصة على أن تنتظره ، لم يقتنع بكلامها ،أوشك ان يسألها عن السبب لكنه فضل الصمت ..
كانت أم رغد تطل من نافذة البيت تترقب عودة الطفلين ،رات سعد وقد عاد وحيدا ، سألته : أين رغد ياسعد ؟ قال : لا ادري من أيام وهي تتعمد ألا تنتظرني وتعود لوحدها من طريق غير طريقنا ..
اهتز قلب الام ، وساورها شعور غريب ، رمى على عقلها جبلا من ركام التخيلات ، أحست كان الدنيا تضيق بها قلقا على البنت التي ما تعودت ان تعود بغير صحبة سعد .. بسرعة دخلت في جلبابها وخرجت كالمجنونة وعقلها كشلال هواجس ، ما ان توسطت الطريق حتى بانت رغد آتية وخداها مبللتان دمعا ، جثت الام على ركبتيها هلعا ، مسكت بيدي طفلتها وقالت :
مابك قولي ؟
من بين دموعها ردت رغد: لا شيء ،فقط رايت ابي واقفا هناك لكن بعد ان كلمته : قال :هو ليس أبي
وقفت الام والفزع لازال يأكل قلبها ، مسكت بذراع رغد وعادت بها الى حيث رات البنت أباها :
كان بباب الدائرة شرطي يجلس على كرسي ، ما ان رأى الام حتى بادرها بالنداء : هل انت أم هذه الصبية ؟
ردت ووسواس الشرر يتطاير من عيونها : نعم أنا ماذا وقع لابنتي أخبرني ..
رسم الشرطي على وجهه بسمة وهو يترك الكرسي مشيرا للام بالجلوس
ـ اهدئي ــ سيدتي ــ لم يقع أي شيء ، ارتاحي أولا، وانا سأحكي لك كل شيء ..
قالت الام وهي تستعجل ما ستسمع : لاعليك احك..
قال الشرطي :
منذ يومين وهذه الصبية تمر كل مساء وحدها فتظل واقفة تحدق في وجهي ، ثم تنصرف ..منذ قليل مرت بي ، تقدمت مني وقالت : انت بابا .. ربت على كتفها ومسحت على شعرها ثم أخبرتها أني لست بابا ، وطلبت منها أن تسالك عن بابا ..
أحست الام ببعض الراحة ونوع من السكينة تعود الى صدرها ، حدقت في الشرطي ، فوجدت ان رغد دقيقة الملاحظة فالشرطي شبيه بالصورة المعلقة في بهو المنزل ؛اعتذرت الام عن قلقها ،شكرت الرجل بكلمات ، وعادت مع رغد الى البيت دون ان تقدم أي شرح للشرطي ..
لم تصل الام الى البيت الا ورغد تكاد تنهار من غصات بكائها ، لم يكن على لسانها غير هذه العبارة : أريد بابا ، اشتقت اليه واحب أن اراه ..
أحست الام أنها تائهة ، لا تدري ماذا تقول لرغد ، هل تخبرها الحقيقة ، لن تجرؤ على ذلك ، فالحقيقة بعيدة عن فهم الصبية وادراكها ..
رفعت بصرها الى الصورة في البهو ..ليتها لم تطاوع أباها يوم أتاها بالصورة وقال لها : علقي هذه في البهو حتى تتعودها الصبية وكلما سألت : قولي لها "ذا بابا وقد مات في حادثة "
كيف تعالج الامر الآن ؟هاهي تبكي جرحها العميق كما تبكي الطفلة فقدان ابيها ، يلزمها سبب واضح ومقنع يريح نفسية الطفلة ..
لم يؤثر في الام موت والدها ولا أمها من قبله كما اثرت فيها حالة بنتها اليوم ،كم مرة نزلت عليها الذكرى باثقال من أحزان فاكلت كل أثر لنسيان فرضته على نفسها لتعيش لابنتها ..غيرت المدينة التي ولدت ونشأت فيها حتى تقي ابنتها ألسنة القوالين ومن يقتفون أثر الناس ..
كانت تتصور ان نهر حياتها قد أخذ طريقه وأنها تعودت صغائر الامل تستأنس بها وهي تنبث يوما بعد يوم في أعماقها كلما رأت رغد
تكبر أمامها ،
ـ غيري يعيش ذكريات الشوق والحنين ونفحات الهوى وانا أعيش غصة غلطة ارتكبها حقير في حقي ..
أحست بارتجاف في ساقيها ، كأن الحدث قد وقع اللحظة ، لم تعد تستطيع الوقوف ، بركت على ركبتيها كما يبرك البعير على الأرض، هيمنة الحزن تخرب كل اثر للقوة فيها ..
تحاملت على نفسها ، وجرت قدميها الى المطبخ لتعد أكلا للطفلة فقد انستها الواقعة الوجبة الخفيفة التي تعودت أن تقدمها للصغيرة كلما عادت من مدرستها ؛سمعت نسيج رغد يتعالى ، من غرفة مجاورة ، أسرعت اليها ، ضمتها الى صدرها :
ـ ياصغيرتي العزيزة ،كفاك بكاء ، ابوك مات كما مات أبي وكما سيموت جميع خلق الله ،
أحت رغد وقد خنقتها عبراتها وقالت : لكن لم تقولي لي ابدا كيف مات ، وحين رايت الشرطي ظننته ابي ..
ضمت البنت الى صدرها ، تنفست بقوة ثم قالت بعد تنهيدة عميقة :
اسمعيني سأخبرك الحقيقة ، اهدئي واستكيني :
كنا من أبناء القرية نعيش على ما تهبنا الأرض وتدره الابقار ، كنت وابوك نحلم بأننا سنعيش بما وفره الله لنا من كد تعبنا ، ذات ليلة ممطرة اتانا خبر وفاة جدتك ــ أم أبيك ـ كانت نزيلة احدى مستشفيات المدينة ، أصر والدك أن نسافر الى المدينة في تلك اللحظة ، وحيث اني كنت حاملا بك فقد حاولت إقناعه ان نؤخر السفر الى الصباح ، لكنه امتنع. كانت الطريق ظلاما تغيب عنه الرؤية ، خرجت لنا كلابا ضالة نابحة حاول السائق ان يتجنبها فانقلبت السيارة ، مات السائق ومات ابوك بعده ونجوت انا وانت في بطني .. منذ أن خرجتِ الى الحياة وأنا قريرة العين بك وبعد أن مات جدك لم أجد غيرك عزاء ومؤنسا ...
كانت الام تعلم أنها لا تلفق الا كذبا تحاول به اقناع الصغيرة وأن الحقيقة هي ماغاب عن لسانها ، وهل تجرؤ ان أن تقول: أنا ضحية خالك وانك بنتي وأبوك هو أخي ،أشاحت بوجهها عن رغد ..
تذكر كف دخل اخوها ذات ليلة ووجدها تشكو صداعا حادا ،وكيف بادرها بحبة ادعى أنها خاصة بالصداع النصفي ، تناولتها وقد انساها ارقها وصداع راسها أن اخاها ليس الا سكيرا عربيدا قد أعطاها ما افقدها سيطرتها على نفسها لم تفتح عينها صباحا الا وهي امرأة بلا بكارة دمها بين فخديها والم في حوضها ؛كيف تشرح للصبية أنها عانت من أهانته وجبروته
وهو من كان السبب في موت جدتها .. وما استكان بيتهم تحت رداء الراحة الا بعد ان مات مقتولا في عراك ليلة خمرية مع صعاليك من رفاقه ..
بدأت الصغيرة تستكين ، ثم مدت يدها تمسح دمعات تدحرجت على خد أمها ، كل منهما تعيش اسى متباينا ، ام عازبة مغتصبة حرمها أخوها أبسط أحلامها وتجاهد على أن تنسى ، وطفلة محرومة من حنان الابوة قد يغيب عن حياتها الكثير مما يدعم شخصيتها ويحقق لها توازنها الذاتي والنفسي



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم الفيل
- اسألوا جانيت مربيتي (2)
- اسالوا جانيت مربيتي (1)
- لا رحمة في ليلة عشق
- استنبات
- هل أنا لديك اكتفاء؟
- بلا اثر
- الثعلب
- بداية سمفونية
- العرافة
- حبي ليس نزوة
- الله يرحم عمي سليمان
- رسالة مخفية
- جدتي
- أهواك
- أرض خصبة لم تكن موعودة
- احزاب...ولكن
- لبيته لن أعود
- نملة
- جف في بيتكم زمزم


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - ليس أبي