أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - امنحيني فرصة















المزيد.....

امنحيني فرصة


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6517 - 2020 / 3 / 18 - 21:20
المحور: الادب والفن
    


اربع سنوات وهو يعمل سائق تاكسي صغير ، بعد ان نال إجازة في الشريعة ، ولم يجد إدارة تقبل بتشغيله ، حتى مباراة التعليم تقدم اليها مرتين ولم يحالفه حظ في نجاح ،وحدها وزارة الأوقاف فتحت مباراة لتوظيف أئمة راتبين لمساجد في مناطق بعيدة ،لكن لم يكن من الصنف الذي يستطيع ان يتكيف مع عمل يومي روتيني ، يسجنه كامام راتب في مسجد.يفرض عليه التقوى والاحتراس وغير قليل من العفة .فقد كان معجبا بنفسه الى حد الغرور ،يتوهم أن ما وهبه الله من ملاحة الصورة ، وجمال القد قد يرمي عليه يوما بمنصب يليق بما يحلم ويتمنى ، كعمل في مجال السياحة أو مضيف في احدى شركات الطائرات ..
بعد انتكاسات كثيرة في أكثر من عمل بسبب غروره وثقته الزائدة في نفسه ، نصحه زوج أخته الذي عاد من الغربة بان يحاول الحصول على رخصة سياقة، وهو يتكفل بمساعدته الى أن يمكنه من بطاقة السائق المهني ورخصة الثقة ..
وجد صعوبة في بداية عمله كسائق ، فلاعلاقة له بالمدينة الجديدة وشوارعها ، حتى حياته في المدينة القديمة كانت لا تبدأ الا بالحي الذي يسكنه وبه تنتهي ،فهناك مسكنه مع الفقيه ، والمسجد الذي يصلي فيه الجمع، كما هناك الكتاب الذي حفظ فيه القرآن والمتون وملازمة الفقيه كظله ، لا يغادره الا لضرورة ، ثم المدرسة الحرة التي كان ينتمي اليها بتدخل من الفقيه كعضو في أحد الأحزاب ذات التوجه الديني ،والحزب نفسه من فتح المدرسة في وجه أبناء المنتمين اليه من الفقراء ، يدرسون فيها بلا مقابل ، ويضمن بها الحزب أصوات الانتخابات ، حتى في دراسته الجامعية كان البعد عن الجامعة يسرق منه كل فترة صغيرة للراحة، كما كانت خدمة الفقيه ومساعدة أحد الخرازة بتوجيه من حزب الفقيه كدخل يستعين به على اقتناء مراجعه ومطبوعات الجامعة تسرق منه الباقي..
كثيرا ما اقل زبناء ممن كانوا معه أيام الصبا في الكتاب او المدرسة ، أو تخرجوا معه من الجامعة،لكن لم يؤثر فيهم الكتاب كما اثر فيه ، فانتقلوا بعد ه الى تعليم عمومي أو خاص ثم الى تخصصات عصرية فسحت أمامهم وظائف ذات دخل مقبول .. كان يتحسر ندما على نوعية الشهادة التي حصل عليها وعلى سوء اختياره الدراسي والذي كان للفقيه يد فيه، تحسره على اعجابه بنفسه وما وهبه الله من حسن الصورة بلاعائد نفعي ، إن ما كان يمور في دواخله من صراع بين رغباته الذاتية وبين واقعه كتبيع للفقيه يحسسه بالاحتقار واللوم ويخشى الفضيحة أمام أخته وزوجها ، لهذا فهو لا يطلق لغرائزه العنان الا بحذر ،وان كان لايتوانى عن متابعة أنثى بالنظرات وبكلمات عابرات . فمنذ تلمذته كانت أية بسمة من أنثى في وجهه تجعله يهيم وينسى كل ما قرأ وحفظ ، خجول وخيالي الى ابعد حدود الخيال ، كما أن طبيعة تنشئته ملازما لفقيه الكتاب بعد موت أبويه ، لعب دورا مؤثرا في تكوينه وطريقة تفكيره..
ذات صباح أشارت له أنثى بيد بضة ناعمة ، سلبت منه التركيز ،فوقف على جانب الطريق ، وعلى غير عادته نزل وفتح لها الباب ، عيناه تضحكان وقامته الطويلة صارت بقامة قزم من شدة انحنائه و كأنه راكع في صلاة ..
كانت السيدة فاتنة بحق ، شغله محياها وهو يسرق اليها النظر عبر مرآة السيارة أن يسألها حتى عن وجهتها ،فقد كانت مثيرة بكل شيء فيها ، بجلبابها الأنيق ، بزينتها الأخاذة وبعطرها الذي جعله يكاد يفقد توازنه ، كان يسوق السيارة وهو مسلوب حتى أنها نبهته الى ان يهتم بالقيادة بدل الاهتمام بالمرآة والنظر اليها ..
قال ووجهه قد صار طمطمة ناضجة واللعاب يسيل من بين شفتيه :
الزين احبه الله والعشق بلية..
طلبت منه ان يعرج على اليمين ويتوقف بباب الزنقة الثانية ..
أنتبه أنه لم يسألها عن وجهتها ، لما وصل الى حيث ارادت نقرت على كتفه باناملها من خلف كرسي القيادة ،فتوقف ، ثم التفت اليها، تمعن فيها ثم قال:
اسألك الله ان كنت غير مرتبطة ان تمنحيني لقاء نتعارف فيه أكثر فقد تعلقت بك ..
تبسمت بسمة اغراء أتت على البقية الباقية من عقله وقالت :
للي غادي نطولوه نقصروه اركن سيارتك واتبعني..
بسرعة اركن السيارة عند منعطف الزنقة ثم لحق بها..
فتحت باب مصرية وشرعت ترقي ادراج السلم وهو وراءها مأخوذ بقدها من خلف؛ما ان بلغت راس السلم وشرعت تفتح باب الشقة حتى لحق بهما حارس كان واقفا بمدخل باب المصرية ، ذو منكب عريض التف حوله ثم طوقه حتى الذراعين..
خنقت الدهشة حواسه ،وجحظت عيناه من شدة الرعب ،ومالبث ان وجد نفسه مرميا فوق حصيرة والرجل يقيد يديه خلف ظهره ..
غابت عنه السيدة لحظة ثم عادت وهي ترتدي تنورة قصيرة الى ركبتيها تكشف عن ذراعيها ، خرج الحارس وتركه معها وجها لوجه ؛كان بين القيد الذي يطوقه ،ورغبته قد تحول الى قطعة زجاج تتفتت تحت ماء ساخن فاق الحد ..
أراد أن يبلع ريقه فوجد حلقه كومة حصرم دامية ، أنفاسه تكاد تتوقف ،فلا هو يستطيع تنفس هواء من أنفه الذي انسد، ولا من حلقه الذي تذبحه سكين تخنقه ، لم يجد غير اغماض عينيه وترديد الشهادة بأنفاس متقطعة لا يدري ما أحل به ..
وضعت السيدة قدمها على خده ،ثم أطلقت ضحكة انتقام كادت أن تأتي على ما تبقى من احتماله قالت : ألم تعرفني ؟
حدق فيها وعيناه غائمتان ثم حرك رأسه بطيئا بالنفي ،
قالت :هل تذكر فقيهك وولي نعمتك في الكتاب ؟ أشار اليها إيجابا برأسه ..
حولت قدمها من خده الى فمه وقالت :
جميل أن تتذكر كل هذا ،و الصبية التي كان أبوها يسفدك يوميا كبغل بلاحياء هل تذكرها ؟
ارتعب أكثر ، وركز النظر في الانثى الماثلة أمامه ...هي .. ملامح الطفلة عليها بالغة الأثر .. كيف غابت عن عقله وهي تشير عليه بالوقوف ؟ كيف لم يذكرها وهو يسرق اليها النظر من مرآة السيارة ؟ لعل دقة المساحيق على وجهها وافتتانه بها هو ما جعله ينساها كما كان ينسى كل دروسه كلما شغلته انثى بنظرة أو بسمة .. و بدأت الصور تتداعى على عقله تباعا .. بين احتقار لنفسه ومذلة لرجولته ، تذكر كيف كان يستغل الفقيه جماله ، وكيف اتخذه من دون غلمان الكتاب نديما محظيا بالليل والنهار ؛الفقيه هو من ركب فيه نرجسية جعلته يعشق نفسه كما يعشقه الفقيه ، ألبسه رداء الغرور والاعجاب بالنفس :صدى كلمات الفقيه تخترق سمعة كدقات الطبول :
"حين تكون معي أجدني ملك زماني ،بك قد استهمت ،فانت عندي "مهج "افضل من ألف امرأة ؛أنت ملكي وانا سيدك ، وانت أجمل من في هذه الدنيا ، أبهى من الخيزران واجمل من شغب وامتع من دنانير .. صب البيرة باردة ياغلام ..
صوت الفقيه يجلجل في مسامعه و يسري في جسده بتأنيب ضمير ، وصورته تتبدى له بكل جنونه وجبروته الذي كان يرتعب منه فلا يرد له طلبا ..
شرعت عيناه ترمي مطرها وهو يستعيد لحظة لم يكن فيها الفقيه في الكتاب ، فدخل بيته من مدخل صغير بين الكتاب والبيت ، وجد بنته تعد طعام الغذاء في المطبخ ، كانت بجمال أذهله .. في غفلة منها ،وبعد كلمات تبادلاها معا ..مسكها من خلف ، سد فمها براحة يده ثم أجبرها على ما أراد ..كان يدرك أن الفقيه لن يبدي اعتراضا والا فقد وجوده معه ..
ضغطت بقدمها على وجهه فادمته ، كانت ترسل دموعها كامطار مارس بزفرات وغصات في حلقها ، تعمدت أن تتركه في ماضيه يسبح ؛احس بأن قدمها تخف عن وجهه شيئا فشيئا ، بلع ريقه بصعوبة وهو يتلفظ بكلمات متقطعة ويبكي كثكلى فقدت كل من أنجبت من أبنائها :
ـ كلانا ضحية جبروت ، لم يكن برغبتي ، عشت فقيرا معدما فأواني أبوك ، ثم اغراني كما اغرى قبلي الكثير من الأطفال .. ارحميني ..
رفعت قدمها عن وجهه ، جرت كرسيا خشبيا ثم جلست عليه وكأنها ترتاح من جهد قد أخذ منها كل طاقتها .. تملت فيه طويلا :
"غيره بهذا الطول وهذا الجمال الذي وهبه الله جدير بان يحتل كراسي مرموقة لو لم يضربه الفقر واليتم ونسيان أخته له بعد ان هاجرت مع زوجها وتركته مضيعة بين يدي فقيه كان يرتدي الدين قشرة وجه واعماقه من مراجل الشيطان "
كان يطأطئ الرأس لا يجرؤ على رفع بصره اليها .. يختصر كل ماضيه في شهقات تفضح ما يحسه الآن من حقارة نفس ومذلتها .. قالت :
هل تصورت نهايتك الآن ؟
اخذ يرمي دموعه هاطلات وهو بين الموت والرجاء .. زحف ينجر الي قدميها يريد أن يقبلهما ويتوسل ..
هي نفسها اثر فيها موقفه، فكانت تشاركه دموعا لا تتوقف ، وكأنهما يغسلان ماض قليل منه هو مسببه مما لحقها من كل من حولها ، وكثيره كان ابوها الجاني الأكبر ، من تنكر لكل القيم تلبية لغرائز حيوانية ومرض مكبوت كان هذا المعذب أمامها مرماه بلا رحمة..
شرع الندم يتلبسها ، كيف استطاعت ان تمارس كل هذه القسوة على رجل كان هو نفسه ضحية نفاق وجبروت أب ؟ هي فقط ابرت بيمين كانت قد قطعته على نفسها لئن صادفته يوما لتنتقمن منه ، وتسقيه مما سقتها نظرات سكان الحي وتقولاتهم بعد أن افتضح أمرها ليلة زواجها من رجل رماها بفضيحة لن تنساها، هو تنشئة ؛مجتمع رجعي ،.."أنثى بلا كرامة تلك التي تفقد الطهر والحماية فتسلم في بكارتها ، وهاهي قد برت بوعدها ..صادفته مرة ، ثم راقبته حتى ادركت مكان مروره اليومي فتربصت له الى ان اوقعته ..
حين فكت قيده ارتمى على رجليها يقبلهما ويتوسل ويطلب غفرانها .قالت :
ـ ضيعت نفسك وكنت عنها مسؤول وكسرت نفس غيرك بلا جرم ، هل أذنبت في حقك حتى تعبث بطهري ؟
قال: أنا عن تلك النفس مسؤول ، وانا جابر عثرتها ، اتزوجها وانا لها عبد حتى ترضى ..... امنحيني فرصة ،وزوجيني نفسك ..



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منك أريد ولا اريد
- رجومك قادفات
- عطر...من بصل
- مابعد الحلم (ج2 من حلم الفيل )
- ليس أبي
- حلم الفيل
- اسألوا جانيت مربيتي (2)
- اسالوا جانيت مربيتي (1)
- لا رحمة في ليلة عشق
- استنبات
- هل أنا لديك اكتفاء؟
- بلا اثر
- الثعلب
- بداية سمفونية
- العرافة
- حبي ليس نزوة
- الله يرحم عمي سليمان
- رسالة مخفية
- جدتي
- أهواك


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - امنحيني فرصة