|
أمرأة الباص
محمد مزيد
الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 02:43
المحور:
الادب والفن
كان علي الذهاب الى أنقرة بقصد تجديد شهادة الحياة في السفارة العراقية . غالبا ما أسافر ليلا ، حتى أصبح فجراً في العاصمة . لم أنم قيلولتي هذا اليوم ، بالرغم من أن سفري ليلا . أستعداداتي للسفر هذه المرة ليست مضبوطة بسبب أنشغالات جانبية حصلت مع شريكة حياتي وغضبي عليها ، مع تفاصيل أخرى لم تخطر على بالي ، أنتهت هذه الانشغالات بعدم لحوقي بسيارة السيرفس التي تقلني من منطقة سكناي الى الاوتوكار ( الكراج الرئيسي ) وكان يجب علي أن أستقل سيارة تاكسي حتى ألحق بموعد أنطلاق باصات شركة سها في الساعة الثانية عشرة ليلا . وصلت سيارة التاكسي قبل الموعد بنصف ساعة ، جلستُ بالإنتظار في كافتيريا تطل على ساحة الكراج يسمح التدخين بها . كان جلوسي أمام سيدة جميلة جدا ، فاتنة ، بيضاء ، شعرها حنى ، على خدها شامة ، تدخن سيجارتها حزينة ، جعلت أبليسي يشتعل ألف مرة . لاحظتُ عينيها تترقرق بالدموع . بحثت عن ورقة كلنكس لتمسح قطرات نزلت على خدها البلوري فلم تجده ، بادرت ، وأعطيتها علبة كاملة ، شكرتني بالتركي ، قلت لها بالعربي عفوا . ألتفت فرحة وقالت بعربية ركيكة : أذن أنت عربي . نعم أنا عراقي . ساد صمت بيننا ، ثم بادرتُها بالسؤال : لماذا كنت تبكين ؟ أطلقت تنهيدة قوية : أنا مسافرة للتخلص من عبء ثقيل حصل في بيتي .توقفت ، أكملت : زوجي من أهالي هذه المحافظة وأنا من محافظة أسكي شهير . أشتغلت لدي الهسهسه ، فكرتُ : لابد أن زوجها سبب بكاءها . لمحّت لها بذلك فأشارت أن نعم . ماذا فعل كي يجعل ملكة الجمال تبكي . أشاع الاطراء في نفسها الراحة ، قالت : أنتم الرجال لاتشبعون من النساء . أجبت : وجهة نظر ليست دائما صحيحة . قالت إنها معلمة لغة عربية ، وزوجها يشرب الخمرة كثيرا ، وصلت معه الى مفترق طرق . بقيتُ أصغي لها حتى عرفت تفاصيل قصتها . قلت لها : أسمعي سيدتي ، يمكنك مواجهة زوجك بالصبر والحكمة وليس بالهروب من الواقع . قطع كلامي أعلان مذيع الكراج عن وقت أنطلاق الباص . فقالت هذه باصنا يدعوننا للصعود . صعدنا الحافلة ، ومن المفارقات إننا جلسنا في مقعدين معا ، أخذت هي جهة النافذة . ثم أصبحت أكثر مرحا وخفة وتخلت عن الوقار والبكاء ، قالت : أن فكرة مواجهته بالحكمة وعدم الهروب من الواقع راقت لي . ماذا ستفعلين ، هل ستعودين إليه ؟ كلا لن أعود . في تلك الإثناء سارت الباص ببطء لعبور تجمع الكراج قبل أن تستلم الطريق السريع . قالت : سأفعل مثلما يفعل ، سأرقص وأغني وأمارس الجنس مع كل شخص يروق لي ، سأدمره من خلال جسدي الذي لم يحترمه . لا أعرف ماذا أقول لها ، أرتبكت ، صعدت الدماء الى راسي ، خفق قلبي بشدة ، وصارت الهسهسة في روحي مثل موسيقى ابليس ، خفت الا أكون أنا هدفها ، وبنفس الوقت تمنيت ذلك . في تلك اللحظات تنازعني شعوران ، أحدهما شيطاني والآخر رحماني ، فاذا سرت مع الشيطان ستكون خسارتي فادحة ، بقيت أفكر في التماهي معها ، ونصحها كي لاتخسر نفسها. حسمت أمري وقلت لها : هذا خطأ ، ما تفكرين به زنى ستحاسبين عليه يوم القيامة ، أرجوك لاتخسري نفسك بسهولة . بكت المرأة بحرقة ، سمع الركاب صوت بكائها ، طلبت مني أن أسمح لها بالنهوض وفسح المجال . وفعلا ذهبت مسرعة الى سائق الباص ، تحدثت معه بعصبية ، لا أعرف ماذا قالت له ، ثم توقفت السيارة ، فتح لها الباب بعصبية أيضا وترجلت السيدة الوقورة بعد أن شملها الرحمن برعايته . وقفت على جانب الطريق تودعني وترمي لي قبلة عبر يدها الجميلة . ثم تحركت الباص الى أنقرة ، وانا مازلت أراقب المرأة الجالسة إمامي في الكافتيريا بعد غفوة قصيرة ، لقد فاتني الباص .
#محمد_مزيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجنون
-
قصة قصيرة - علاقة خطرة
-
رواية ( سرير الاستاذ )
-
رواية الغرق - الفصل الثاني
-
رواية ( الغرق )
-
بحر ايجه
-
ليست قصيدة
-
قصة قصيرة جدا
-
الجارة
-
قراءة في رواية شاكر نوري ..- جحيم الراهب - .. التجديف خارج ا
...
-
اعتراف بالحب
-
المفوهون العرب
-
دولة الاحزاب ام دولة المؤسسات
-
قصة قصيرة
-
الثقافة العراقية والتسييس المهمش
-
رد على نقد
-
الناشر والبوكر وحارس التبغ لعلي بدر
-
صحراء نيسابور
-
نجيب محفوظ .. الصانع الامهر
-
كيف ينبغي قراءة نجيب محفوظ
المزيد.....
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
-
أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب
...
-
-يونيسكو-ضيفة شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
-
-ليالي الفيلم السعودي-في دورتها الثانية تنطلق من المغرب وتتو
...
-
أصداء حرب إسرائيل على غزة في الشعرين الفارسي والأفغاني
-
رحلات القاصة والروائية العراقية لطفية الدليمي
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|