أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الشاوي - موزة الفنان مارويسيو كاتيلان وآفة العصرنة.















المزيد.....

موزة الفنان مارويسيو كاتيلان وآفة العصرنة.


محمد الشاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6511 - 2020 / 3 / 11 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


موزة الفنان مارويسيو كاتيلان
وآفة العصرنة.
توطئة:
ليس غريبا أن يعرف الفن المعاصرة ثورةً كليةً على التيارات والمذاهب السابقة. فسيرورة تطور الفن وصلت حسب هذه الثورة إلى مستوى التبخيس والاستهزاء، إذا تأملنا هُزأة ما يُقدم. بل ربما إلى مستويات أخرى تجعلنا نُفكر في نُكتٍ معاصرة عن موزة مارويسيو كاتيلان الفنان. وهي موزة ليست ككل الموز. لقد وصلت في السوق الأمريكية للفن إلى مبلغ 120 ألف دولار في معرض "آرت بازل" المقام على شاطئ ميامي. وهذا الارتفاع في ثمن البيع يجعل قاطرة الفن المعاصر تدق ناقوس الخطر. لذلك علينا أن نطرح سؤال المعاصرة من جديد في علاقته بلُحمته الأساس ألا وهي العصرنة، وفي ضوء التأمل الآتي:
هل من الممكن للفن المعاصر أن يبتعد
عن العصرنة contemporanéité
بتعبير آخر كيف يستحضر الفن المعاصر مسألة العصرنة، وكيف يبتعد عنها بخلق تحديثات modernisations بصيغة معاصرة؟
وما موقع الموزة من كل هذا؟

1- العصرنة ومدلولاتها:

ليس من السهل إقامة قطيعة بين محطات تاريخ الفن وسيرورة تكوُّنِه، إذا لم نستحضر خصوصيات تطور تاريخ الفن نفسه. ولعل هذه الخصوصيات -بصيغة الجمع- ستدفعنا إلى تعميق النظر في الأطروحة التي يرتكز عليها مقالنا النقدي، ومؤداها أن السابق يؤسّس للاحق فكرا وفنا وعلوما. فإذا أردنا تحديد دلالة العصرنة فإننا ملزمين بالخضوع لسمة ماهو معاصر. فهي بصيغة صريحة تستدعي جميع السياقات التخطابية والجمالية لمرحلة التاريخ الراهن الذي نحيا داخله. إنه تاريخ ينقلنا للحديث عن "العالم الذي يحيط بنا" كما ذكر الفيلسوف والسوسيوجي الفرنسي ريمون أرون. فهو تاريخ في متناولنا، ومن السهل بلوغه، على خلاف "عالم الذين عاشوا قبلنا" كحديثنا عن الفن خلال فترة ما قبل الميلاد أو الفن عند الإغريق أو الرومان أو في العصر الوسيط... وهذا مثبت في سجلات التاريخ، وسبق للمؤرخين توثيقه بالسند والمادة
التاريخيتين.(1)

فضلا عن ذلك فالتاريخ الراهن يحتوي دلالة العصرنة، بالنظر إلى مختلف العوامل المؤثرة في الفن المعاصر من الناحية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والإيديولوجية والدينية... فمدلولات العصرنة تستدعي أيضا الوقوف عند أهم البارادايمات (النماذج الارشادية للعلم وللمعرفة العلمية) التي ساهمت في تحوُّلِ منظمومة العلم نفسه، وتاريخ الفن في صيغتهما الراهنة. (2)
لكن أن تصل المسألة إلى درجة التبخيس، فهذا دليلٌ على كَبْتٍ داخلي refoulement تحمله الذات الفنية التي جعلت من المزة موضوعا يرتبط بالعصرنة.

وإذا تأملنا وأمعنا النظر، فالموزة رمز معاصر للتوجه الشواذي (نسبة إلى الحالات الجنسية الشاذة وغير المألوفة بين الذكور والإناث إذا ما قارناها بالعلاقات الطبيعية) شأنها شأن الراية القزاحية، ووسادة النوم... وتوظيف هذا النوع من الرموز المعاصرة، يدل في الأصل على اضطراب نفسي ارتبط بالانحرافات الجنسية. ولعل تصنيف رائد التحليل النفسي فرويد للاضطرابات النفسية، يجعلنا نقف عند ثلاثة أشكال رئيسة: العصاب والذهان والانحرافات الجنسية.(3) لكن علماء النفس والطب النفسي في تصنيفهم للأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية لم يجعلو للشواذ والسحاق موضعا داخل كُتب التصنيف المُؤمركة(نسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية) إيمانا منهم أنها ليست حالات مرضية، ولأن منهم من يُحبُ المثلية والسحاقية، بل هناك من ينتمي إلى دائرة المجموعة. (4)

ذهب أحد الباحثين إلى اعتبار الموزة قضية ثورية. وأساس ذلك ارتباط الموزة بالاقطاعية الزراعية التي تتحكم في محاصيل الموز بالولايات المتحدة الأمريكية. وهي كما تبين لنا إقطاعية تخدم مصالح الليبراية الجديدة بمرجية الربح أولا، ليتم تعضيدها بالرأسمالية التي تخدم الفرد قبل كل شيء. فهذه مقاربة تُحترم إذا ما طبقنا المنهج الاجتماعي في تحليلنا للعمل الإنشائي للفنان مارويسيو كاتيلان. وكذلك هو الشأن بالنسبة للمنهج الماركسي الذي يلتقي مع نفس المنهج الاجتماعي، لكن باستحضار الصراع الطبقي بين طبقة الفلاحين ومُلاك الأراضي من الإقطاعيين. وما دام الإنسان في ظل الاقتصاد الرأسمالي"يُنتج البضائع، والبضاعة تباع قبل أن تُستهلك"(5) فإن الفنان هنا يُعبِّرُ عن صميم هذا الإنتاج برؤية جمالية نقدية.
فهل تتحقق هذه الرؤية مع مارويسيو؟
لكن دعونا نعود إلى رمزية الموزة فنتساءل: هل مارويسيو شاذ جنسي؟ أم إن الأمر فقط مسألة تعاطف مع فئتين مختلفتين:
فئة الشواذ والسحاقيات، وفئة المزارعين من الفلاحين الصغار؟

لا شك أن الميكانيزمات الديفاعية
Mécanismes de défenses
التي تحظى بها شخصية الفنان ماريزو قوية جدا، إلى درجة التعتيم عن ما يجول بداخله، وما تحمله طاقته الليبيدية Libido من ميول انحرافية/جنسية. المسألة أشبه بورعِ قسٍ وعفتِه، وقَلبهُ يهيم بالغِلمانِ من صغار الدير، هيام المُحبِّ لمحبُوبه. أو كالراهبة التي لم تستطع قتل غريزتها الطبيعية (الجنسية)، فأيقظتها خلسة مع ثوأمها الروحي في الدير على شكل ثنائي متكامل.

2 - تحديات الفن المعاصر عند مارويسيو كاتيلان بين مقعد التغوط الذهبي واستبانة الموزة:

لقد جرى القول عادة حسب المهتمين بالفن المعاصر - وجلهم من الباحثين والنقاد - بأن مسألة القطيعة مع اللوحة تشكل أساسا يرتكز عليه الفن المعاصر. إنها قطيعة من حيثُ التعاطي الفني شكلا ومضمونا، مع ضرورة طرح أساليب جديدة تُوَسِّعُ من أفق دائرة التلقي. لكن ظلت العديد من التجارب المعاصرة (مع استثناء بعض التجارب الجادة) تركن إلى إعادة إنتاج التجارب السابقة لمدارس فنية -لها تاريخها العريق- داخل نسق معاصر، لتعود اللوحة من جديد لكي تطفو على السطح.

كما أن حضور الإنشاءات الفنية والفيديو آرت والتركيبات الفنية والأحجام والمنممات الجديدة... قد ساهم في خلق فكرة << الموضوع/الشيء الفني>> objet d art في قوالب متباينة تحذو حذو النعل الفرانكوفوني، وتتوق إلى التعالي عن الكعب الأنجلوسكسوني حسب الطلب. ووفق أهواء وميول السوق الفنية. لذلك فقد أدرجنا هذه التوجهات الجمالية ضمن ما اصطلحنا عليه ب: <<التحديثات معاصرة>>.

وهذا من شأنه أن يجعل قاطرة الفن المعاصر تنزاح عن مسيرتها داخل نظام يتكرر فيه ما ثَم تناوله من تجارب ومنجزات تشكيلية يصعب الاقرار معها بالقطيعة. لكن أن تصل المسألة إلى التعبير بواسطة مقعد التغوط في حُلةٍ ذهبية أو بواسطةِ موزةٍ مع لاصقٍ يُستغدم في اسكات المعتقلين من ضحايا التعذيب... فتلك موجة جديدة تجعل المتلقي يستصغر الفن المعاصر، ويسخر من الفنان مارويسيو كاتيلان. إنه "موت الفن" (6) كما تنبأ له الفيلسوف الألماني هيجل في محاضراته حول علم الجمال التي جمعها تلميذه هغليش غوسطاف هوطو Hotho.

لذلك فموت الفن عند هيجل دليل على نهاية النسق الجمالي بالنظر إلى النسق الفلسفي الذي انتهى مع فلسفته المثالية الجدلية. فتأويل فكرة موت الفن أو نهايته يجعلنا أمام فنٍ جديد لم يستطع الفيلسوف هيجل أن يتنبأ به، نظرا لما حققته الرومانسية من طفرات نوعية داخل سيرورة تاريخ الفن. بتعبير آخر فالرومانسية هي الفن الذي كان يحلم به هيجل والذي لطال ما تأثر به. وعلى هذا الأساس فإن السابق يؤسس للاحق كما سبق أن أشرنا فكرا وعموما وإبداعا، وفق مرجعية دائرية شبيهة بكرة الثلج التي تتدحرج. وهذا ما اقتنع به هيجل، وشكل به فكرة الروح المطلق وأطروحته في تاريخ الفلسفة وفي الفن أيضا. أما بالنسبة للفنان مارويسيو كاتيلان فقد أعلن موت الفنان نفسه تحت رجلي الرأسمالية الجديدة. هي رأسمالية أسعفته بنقودها من أجل العرض حسب الطلب. فهل مات الذوق الفني ومات معه الفنان؟

هوامش وإحالات مرجعية:

(1)  R. Aron, Leçon sur l Histoire. Cours du Collège de France. Établissement du texte, presentation et notes par Sylvie Mesure. Revue Belge de Philologie et d Histoire. 1992.

(2) voir: Nathalie Heinich, Le paradigme de l art contemporain. Structures d une révolution artistique, Gallimard, Paris, 2014.

(3) S. Freud, Névros, psychose et perversion, Traduit de l allemand sous la -dir-ection de Jean Laplanche. Introduction de Jean Laplanche, Paris, P.U.F, 2010.

(4) voir:
La classification prédominants pour les troubles mentaux- La classification internationale des maladies réalisée par l organisation mondiale de la sonté (OMS) et le Manuel diagnostique et statistique des troubles mentaux (DSM-IV) (DSM-V) (DSM-X)réalisée par lAssociation Américane de psychiatrie (AAP).

(5) عبد الله العروي، مفهوم الإيديولوجيا، المركز الثقافي العربي، 2003، ص.87.

(6) Hegel, Cours d esthétique, t,I. trad. J.P. Lefebre et V. Von Schenck, Paris, Aubier, 1995. p. 17.
_____________
(*) فنان تشكيلي مغربي وباحث في النقد الفلسفي للفن.



#محمد_الشاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا رفض نيتشه فكرة الفن من أجل الفن؟
- مقال في الفن المعاصر
- الفن المعاصر نحو تحديد جديد
- عائق التجريد إلى أين؟
- عندما نحلم مع فان غوغ
- محمد خصيف باحثاً في اللامفكر فيه  وطبيباً معالجاً للجسم التش ...
- إلى أين نتجه؟
- هل طابق هيجل بين الفن وتاريخه؟
- الواقعية التشكيلية بإسبانيا بين الفكر الكنسي وإيديولوجية الم ...
- المشاركات في التظاهرات التشكيلية بين حقيقة الخطاب ومزالقه
- الوعي البصري عند المواطن العربي بين أزمة التشخيصية وحلم التج ...
- في نقد ديداكتيك تدريس الفن بالمغرب
- هل يمكن الحديث عن إستحالة بناء ملكية برلمانية في  تأويل الخط ...
- حوار مع الذات المشكّلة
- إستبانة الأستاذ عبد الله العروي ورهان التاريخانية
- قضايا في بلاغة الإقناع الفلسفي عند المهدي بن تومرت
- في نقد الفكر التشكيلي العربي ، عوائق إبستيمولوجية في تلقي ال ...


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الشاوي - موزة الفنان مارويسيو كاتيلان وآفة العصرنة.