أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الواقعية الفلسطينية في رواية -العناب المر- أسامة المغربي















المزيد.....


الواقعية الفلسطينية في رواية -العناب المر- أسامة المغربي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6453 - 2020 / 1 / 2 - 02:56
المحور: الادب والفن
    


الواقعية الفلسطينية في
رواية "العناب المر"
أسامة المغربي
الظرف والواقع له أثره على الكاتب، فمن يكتب هو إنسان، من هنا يصعب على الكاتب التحرر كليا من والواقع/الظروف التي عاشها ويعيشها، فنجده يستحضرها الواقع/الأحداث في أعماله الأدبية، وبما أننا في فلسطين نتأثر بكل ما يجري على أرضنا ومحيطها، فبالتأكيد سيكون حضور للواقع فما يكتب من أدب.
رواية "العناب المر" يمكننا أن نقول عنها رواية واقعية، أدب واقعي، فهي تتحدث عن فترة الانتفاضة الأولى وكيف استطاع الشباب "إبراهيم وحسان وأحمد" أن يخرجوا من "ثوب التنظيم" وينخرطوا في العمل المسلح، والرواية تقدم الطرق والأساليب التي استخدمتها المخابرات الإسرائيلية في تجنيد العملاء، والطريق التي انتجوها هؤلاء العملاء لجلب مجندين آخرين يخدمون مصالح الاحتلال، وبما أن الرواية تتحدث عن المجتمع الفلسطيني، فسيكون للمرأة حضور في الرواية، لكنه حضور الضحية، كحال "سحر" التي كانت ضحية المخابرات والعملاء والمجتمع.
والرواية تعرج على طرق تعذيب المقاومين في سجون الاحتلال، وتقدم فكرة واضحة عن غرف العصافير، وهذا ما يجعلها رواية معرفة/معلومات في كيفية مواجهة اساليب التحقيق، لكن اهم ما قدمته الرواية نفسية والطريقة التي يفكر فيها من يقوم بعملية قتل العملاء، فهي توصل لنا أفكار واضحة عن حالة منفذي التصفيات، وكيف أنهم يتألمون حتى وهم يطهرون المجتمع من آفات الاحتلال.
ورغم هذه الأجواء القاتمة إلا أن الرواية لا تخلو من وقفات ناعمة، فكان الحب هو المخرج من ثقل ووحشية المطاردة والملاحقة التي تعرض لها "إبراهيم وحسان وأحمد" كما أن وجود بعض المواقف الساخرة والتي قدمت بشكل طبيعي وسلس أسهم في تخفيف من حدة وقتامة السواد.
في البداية ينوه الكاتب إلى هذا الأمر: "كتبت هذه الرواية قبل (24) عاما، وتم الانتهاء منها تجديدا في (نيسان 1994) في سجن جنيد المركزي (قسم 4 غرفة 2) ص5، ويتحدث في (مقدمة الرواية) عما تحمله وتقدمه من أحداث، واعتقد أن هذا الأمر غير مستحب في الأعمال الرواية، فكان يكفي أن يضع زمن كتابتها والمكان الذي كتبت فيه، دون تناول الأحداث والشخصيات وما تحمله الرواية من طروحات.
تبدأ الرواية بسرد متواضع: "صادرت سلطات الاحتلال ثلثي أراضي الحميدية التي تمتد حتى نهر الأردن في مطلع السبعينيات على يد العصابة الصهيونية المتطرفة "غوش امونيم" التي نشطت في الاستيلاء على الأراضي بمساعدة السماسرة" ص9، سرد صحفي، نقرأه في الصحف، وهو بعيد عن السرد الروائي، لكن هذا السرد يأخذ في النمو والتورق كلما دخلنا إلى الرواية، فشكل وطريقة تقديم الرواية تتنامى مع تنامي الأحداث، حتى إذا ما تجاوزنا الصفحة 30، نكون أمام شيء جديد تماما، يجذب القارئ ليتقدم من الرواية أكثر وبصورة مطردة.
واعتقد أن هذه الطريقة في تقديم الرواية تحسب للسارد، الذي قدم أحداث الرواية، شكلا ومضمونا، بصورة متصاعدة، تتصاعد طريقة وشكل التقديم مع الأحداث والشخصيات، بمعنى أن البناء الروائي بمجمله ينمو ويرتفع.
والسارد استطاع أن يقدم لنا مكان الحدث "الحميدية" بشكل متخيل وواقعي في ذات الوقت، فالحميدية قرية فلسطينية قرب بيسان دمرت ومهجر أهلها في عام 1948، كحال العديد من القرى الأخرى التي عملت الاحتلال على إخفاءها من الوجود، لكنه في رواية "العناب المر" يجعلها قرية قرب نابلس، لكنها غير موجودة على ارض الواقع، فهو يذكر قرى وبلدات حقيقية ينتقل إليها "إبراهيم وأحمد وحسان" مثل كفر قليل، بيتا، بيت دجن، تل، مخيم بلاطة، ويذكر نابلس ورام الله، وهذا ما جعل الحميدية مكان واقعي ومتخيل، فيمكن لأي قارئ في القرى التي لم يسميها السارد أن يشعر بأن قريته/بلدته هي المقصودة بالحميدية، خاصة إذا علمنا أن اسم الحميدية يعنى كثرة الحمد، كثرة النعم والخيرات، التي تجعل أهلها يكثرون الحمد، والعديد من القرى الفلسطينية تجد نفسها في نعم وخير كثير، فاختيار اسم "الحميدية" كان موفق ويخدم فكرة اتساع رقعة الجغرافيا التي تجري فيها الأحداث.
المرأة
المرأة العربية تخضع لأكثر من استبداد، فهي مستبدة ومضطهدة كونها جزء من المجتمع العربي المتخلف، وفي ذات الوقت مضطهدة من المجتمع نفسه، فإذا كان الرجال يتعرضون لاضطهاد من السلطة الحاكمة، فالنساء يتعرضون لاضطهاد السلطة الحاكمة وللمجتمع في ذات والوقت، حتى أن (إبراهيم) الذي يعبر نفسه متحرر ونصير المرأة، له معاير خاصة تجعله أيضا (منغلق) كحال المجتمع الذي يعيش فيه: "ـ ... إنهن يرتدين ملابس كاملة لا تظهر من جسمهن شيء ولا تفصل مفاتنهن حتى أن شعرهن يكون مختفيا وراء منديل... نساءنا لا ينقصهن أي شيء من حقوقهن، ولكننا لا نعرض نساءنا سلعا للعيون والشوارع والذباب" ص28
هذا الكلام كان رد على أسئلة "داشا" اليهودية، "إبراهيم" يحاول أن يظهر مجتمعه أنه يعطي المرأة حقوقها، لكننا نجده من خلال قوله: "ولكننا لا نعرض نساءنا سلعا للعيون والشوارع والذباب " يقول أنه هو السيد "لا نعرض" بمعنى أنه إذا كانت هناك امرأة لا تريد أن تلتزم باللباس الذي (يحدده) المجتمع ستمنع وتحارب، وهذا يعد شكل من اشكال الاضطهاد، وهذا الشكل (المباشرة) في تحديد لباس المرأة يعكس أنها تحت سيطرة وهيمنة المجتمع الذكوري، وإذا تقدمنا أكثر من أحداث الرواية، سنجد أن شرف المرأة يمكن في بكارتها، فالبكارة هي الشرف وهي المعيار الذي يحكم به الذكور على النساء، "فؤاد" الدكتور والمقيم في امريكيا" يكتشف أن زوجته "سحر" غير بكر، فضت بكارتها، فيقر تطليقها، رغم أنها ابنة عمه، ورغم أنه علم أنها كانت ضحية للعملاء الذين حاولوا ابتزازها بعد أن فضوا بكارتها وصوروها بمواضع حرجة، ومع أنها رفضت الانجرار والاستسلام وفضلت المواجهة على أن تكون عميلة للاحتلال، وهذا يعني تعرضها للأذى الاجتماعي واضطهادها، ورغم كل هذا العطاء والتضحية من "سحر" إلا أن هذا الدكتور الذي عاش في اميركيا وكان من المفترض أن يتأثر بشيء ولو قليل من مفهوم البكارة، إلا أنه:
"ـ دكتور فؤاد أنا مقدر تماما دقة موقفك، أنت لا تستطيع الاستمرار معها كزوج؟!
ـ في الحقيقة هذا صحيح، لكنني في موقف حرج، أنها ابنة عمي، وأنا يجب أن اعود إلى امريكيا بعد أسبوع!" ص129، اللافت أن العربي فقط ينظر ويهتم بالشكل/بالبكارة، فرغم أن "سحر" رفضت وقاومت ما يعجز عن الذكور ـ التعامل مع الاحتلال ـ إلا أنها لم تُقبل كزوجة، لأن بكارتها فضت قبل زواجها، أليس هذا امتهان للمرأة، وتسفيه لمفهوم الشرف؟.
"سحر"
"سحر" ضحية الاحتلال وضحية زوجها "فؤاد" الذي طلقها وعاد دونها إلى امريكيا، تم استدراجها إلى وكر الخيانة في بيت "سامر" واخته "فتحية" ويبدأ معها سامر بالكلام الناعم:
"ـ سنتزوج قريبا يا سحر، كم أنا متلهف إلى ذلك اليوم.
...شربت قدح العصير، شعرت بالأشياء تهرب من حولها والأرض تمتد وهي تقع في بئر عميق وفقدت وعيها...خرجت ذات العينين (الشرستين) من تحت السرير، وبيدها كاميرا صغيرة، ... ومضت عيناها بشرسة، جردت سحر من ملابسها وأمام الكاميرا ضاع عطر الياسمين" ص51 و52، ذكورية السارد تكمن في العبارة الأخيرة: "ضاع عطر الياسمين" فلماذا لم يستخدم "انتهك/سرق/اغتصب"؟ العقلية الذكورية هي التي تتحجم في السارد، لهذا استخدم "ضاع" بمعنى أنه فُقد، والفقد يتحمل مسؤوليته الشخص الذي فقد فقط، وهذا يشير ـ في العقل الباطن ـ إلى تحميل "سحر" مسؤولية "ضياع عطر الياسمين"، بينما لو استخدم "انتهك، سرق، اغتصب" سيكون هناك مجرم خارجي، وما الشخص المغتصب المنتهك المسروق إلا ضحية، للمجرمين.
تستمر معاناة "سحر" بعد اغتصابها: "يريدونها أن تعمل مع المخابرات وإلا... ليتني مت قبل هذاّ، أين الملاذ؟ صورها بأوضاع فاضحة، وسلبوها براءتها، يعدون بإصلاح ما فات وسيتزوجها أحدهم.
...ستلجأ إليها، ستثير الموضوع، ستفضحهم، كي لا يكون هناك مزيد من الضحايا الذين يتجرعون الألم لن تسمح بأن يخدع غيرها، يتهاجم، لن تخيفها الصور" ص64و65، بعد وقعوها في المصيدة تقرر المواجهة، وهنا تكمن قوة "سحر" ليس في مواجهتها العملاء ومخابرات الاحتلال فحسب، بل مواجهتها للمجتمع، فتقبل ان تكون ضحية، تقدم نفسها فداء للآخرين، لكي تخلصهم من الوقوع فيما وقعت فيه، ولكن لا يمكن دور سحر في أنها تريد أن تلعب دور المُضحي/المُخلص فحسب، بل في رفضها وتمردها على فكرة البكارة، فهي من خلال مواجهة المجتمع، تريد أن تقول له، أنها شريفة وصلبة، وأقدر على فعل ما عجز عن فعله المجتمع، مواجهة ابتزاز الاحتلال في مسألة البكارة، فالشرف لا يكم فيما بين فخذيها، بل في سلوكها وارادتها وقدرتها على المواجهة، المواجهة المزدوجة، الاحتلال والمجتمع.
سحر تخبر صديقتها "مي" بما حدث معها، وبورها "مي" تخبر "إبراهيم" وفي ذات الوقت يقوم عملاء المخابرات بالتشهير بسحر" وهذا ما جعل اهلها: "لقد حاصرتها أسرتها في البيت، وأـغلقوا دونها باب الخروج والزيارة" ص104، هذا يؤكد حجم الضغط الواقع على المرأة، فهي تتحمل أذى اغتصابها، ورغم أنها ضحية، إلا أن أسرتها تزيد عليها الضغط من خلال عدم السماح لها بالخروج، بمعنى أنها أصبحت سجينة.
وبعد أن يأتي خبر "فؤاد" القادم من اميركيا ليتزوجها ويأخذها معه، تتعرض لحالة جديدة من الضغط، فبدل أن تفرح بالقادم إلا الغم يصيبها، لأنها تعرف أنها فقدت شيء يعبر العربي مقدس، وهنا يزيد ألمها، فلو لم يغتصبها "سامر" لكانت فرحة كأي فتاة، لكنها وقعت تحت ثقل الترقب والانظار إلى ما ستؤول إليه الأمور، فكانت مشاعرها ليلة زفافها بهذا الشكل: "لبست طرحتها البيضاء، كأنها إكليلا من شوك المرارة، بكت بحرقة من مستقبل ينذر بالويلات...، وخطت سحر بقلب عذراء وجسد امرأة إلى بيت زوجها الذي استقبلها بابتسامة واسعة وفرحة صادقة" ص، وبعد 109، وبعد أن يكتشف فؤاد عدم عذريتها، يقوم كرجل شرقي سادي بهذا التصرف: "...خطى نحوها بجنون، أمسكها من شعرها، رفعها وصفعها بقوة، كان وجهها شاحبا مبللا بالدموع، وكانت تنشج بعنف، انهال عليها بالصفع والركل وأخذ يصرخ بجنون.
من هو؟ من هو؟ سأقتلك، نعم سأقتلك" ص121، الضحية "سحر" تعاني من الضغط النفسي، ومن الضرب الذي تتعرض له، ومن عدم قدرتها على إيجاد طريقة تخبر بها "فؤاد" بما حدث معها، وخوفها من الكلام الذي ستسمعه من أهلها ومن الناس وأهل "الحميدية"، وأيضا تشفي "سامر وفتحية" بها لأنها رفضت التعاون معهما لتكون عميلة للاحتلال.
من خلال هذه الضغوط، يمكننا القول أن "سحر" تحملت ما لم تتحمله أي شخصية في الرواية، وحتى المطاردين "إبراهيم وحسان وأحمد" لم يتعرضوا لما تعرضت له، ومع هذا بقيت صامدة تواجه وتتحدى العملاء والمجتمع وأهلها، ولم تيأس وبقى الأمل حاضر، وهذا ما حدث عندما تقدم "إبراهيم" وتزوجها، ليس (ليستر عليها) بل لأنه وجدها امرأة قوية، قادرة على المواجهة وتمتلك روح الصمود والثبات.
وهي بدورها كانت مخلصة لزوجها "إبراهيم" المطارد من قبل الاحتلال، والذي يمكن أن يستشهد في أي وقت: "... لن أقرأ الكتب بعد اليوم، سأقرأ كتابا وحيدا هو إبراهيم، سيكون لي الأغنية الوحيدة، المشكلة الوحيدة، والسعادة الوحيدة" ص166، بهذا الشكل تكتمل شخصية "سحر" المؤمنة والمقاومة والصامدة.
عملاء الاحتلال
السارد لا يقدم مجتمع مثالي، بل يقدمه بواقعية، ففي المقاومين وفي العملاء، فهناك أكثر من شخصية سلبية في الرواية، عمر اسبيتان، المختار وابنه علاء، سامر واخته فتحية، أبو رضا، جابر أبو العينين، ومرزوق حافظ، رحيم عامل التنظيفات، غانم، موسى راجح، حربي" فهذا العدد الكبير يشير إلى تغلغلهم في المجتمع وانتشارهم الواسع، فهم يشكلون طبقة متحدة ومتواصلة ومتكاملة.
بعد القبض على "عمر اسبيتان" من قبل إبراهيم وأحمد وحسان" يعترف بأنه: "كان ارتباطه مع المخابرات الإسرائيلية عن طريق الزبال رحيم من خلال استغلاله في قضية أخلاقية، وعن طريقه ارتبط مع المختار، الذي بدوره ربطه مباشرة مع ضابط المخابرات حاييم، وهو الذي قام بسم ماشية أبو مصطفى بالاشتراك مع عمار لقاء خمسمئة شيقل، وهو الذي قام بإحراق سيارة أبو رمزي، وهو الذي كان يلقي الحجارة على البيوت في الليل بتوجيهات من أبو العينين" ص112و113،
أما "سامر" فيقول عن ارتباطه بالاحتلال: "ارتبطت في عام 1984 في مكتب المخابرات عند الكابتن "آسي" في مركز نابلس، قاموا بتصويري مع مجندة ثم ارتبطت مع المختار أبو علاء، وبدأت أعمالي في القرية بتكليف من المختار" ص142.
أما المختار وابنه علاء فهما من قام ب: "قرع الباب، دفعه ساعد قوي، ودخل علاء ضرب الأب والأم والابنة، وكان التهديد واضحا.
... تزوجها علاء قسرا، أم السعيد توفيت بعد الحادث بقليل، والفتاة توفت منتحرة، وأما أبو السعيد.. رحل ولم يعرف له أثر" ص198.
أما طبيعة "أبو رضا": "...سمسرته وشراء الأراضي وبيعها للاحتلال، وأحد أعضاء روابط القرى... في الوصول للنفوذ والثروة أن لا يقيموا وزنا للأخلاق والقيم" ص241.
وصفات "حربي": " ماهر في التملق للكبار، وبارع في إلحاق الأذى بالآخرين، وحريص كل الحرص على إبهار "المعلم" في إنجاز المهمات، من استدراج البسطاء أو حرق المحاصيل أو تسميم الماشية أو تأديب من يستوجب تأديبه" ص242.
أما عن سلوك "جابر أبو العينين" يقول عنه ابنه "فؤاد": "كان يضرب أمه باستمرار" ص248، فائدة هذه الاعترافات أن (الذكور) في المجتمع خافوا وجنوا أمام تهديدهم بالفضيحة، فكانوا يخربون وطنهم ويؤذون شعبهم مقابل (التكتم) على انجرارهم وراء الشهوة، بينما "سحر" وهي المرأة، والتي ستتعرض لهجوم وضغط ويمكن القتل فضلت المواجهة وتحدي، من هنا تكمن أهمية هذه الاعترافات، الذكور يتخاذلون والنساء/الإناث يواجهن.
"إبراهيم"
الشخصية المركزية في الرواية، وهو يمثل حالة التمرد على ما هو سائد، فيتحدى قيادة أبو الوليد، في السجن، يقرر أن يكون له رأي خاص فيما يجري من أحداث، فيطرح أفكار جديدة في العمل المقاوم: "نحن نرفض وبشدة أن نظل نحبو على تراث العمل الاجتماعي وكنس الشوارع، لأننا وقبل كل شيء امتداد لثورتنا في الخارج وتعبير عن ثورة حقيقية ومستمرة في هذا اوطن" ص101، وعندما يحاول القائد أبو الوليد مقاطعته، يرد عليه: " أنا لم أكمل كلامي بعد، من حقي أن أطرح وجهة نظري وأرجو أن ى يقاطعني أحد" ص102، بهذه الروح الشبابية كان "إبراهيم" يخط طريقه حسب رؤيته للأحداث متجاوزا هيمنة القيادة والأفكار السائدة، فهو شكل طريق جديد في الانتفاضة، رغم علمه أن الثمن سيكون باهظ.
السرد
السارد ينحاز لإبراهيم، فكان حضوره وفاعليته في الرواية هي الابرز، فتحدث عن صمود في السجن رغم شدة التعذيب الذي تعرض له، وكيف استطاع مواجهة غرف العصافير وتأكيد برأته من سرقة البندقية، ومن ثم قيامه بتشكيل جناح مسلح يردع العملاء، وعندما قام بالزواج من "سحر" كان بمثابة (بطل اجتماعي) يتجاوز مفهوم الشرف الكامن في البكارة، كما قدم كبطل أثناء مطاردته من قبل جيش الاحتلال، كل هذا يمكن أن يتم استيعابه، لكن أن يستشهد "أحمد وحسان" ويبقى "إبراهيم" فهذا يعد انحياز للسارد لإبراهيم!، أم أن واقعية الرواية فرضت هذا الأمر؟.

الرمز، السخرية، الحب
أحداث الرواية الدامة والقاسية تستوجب وجود بعض المخففات، من هنا استخدم السارد، الرمز كما هو الحال في هذا المقطع الذي دار بين أبو الوليد وأحمد: "خذوا معكم هذا المصباح اليدوي، فالظلام حالك في الخارج.
ابتسم أحمد: نحن لا نضل الطريق" ص170، فالرمز جاء بصورة جميلة وناعمة.
وعندما دخل جيش الاحتلال منزل أبو صافي وصادروا منه كل الأدوات الزراعية الفؤوس والمناجل، قال لهم: "عليكم أن تصادروا الحجارة أيضا" ص149.
أما الحب فكان إبراهيم يميل إلى "داشا" اليهودية: "لقد تسلل هذا الحب كنسمة هادئة على الرغم ممال بيننا وبين اليهود من جدران، ولكنه كان أضعف من أن يجتاز الأسوار، وبقى مقيدا في ركن بعيد من القلب" ص160.
أما حب "أحمد" فكان بهذا الشكل: "الطريق إلى نابلس ليس طويل، بدا له مئات الأميال، برغم صوت عبد الحليم الذي كان يقرأ له الفنجان طيلة الطريق، فقد كانت سيارات الجيش تمر بهم كل حين، وحين يرى هيئتها عن بعد، يمتقع لونه ويخفق قلبه بخوف، وحينما تجتازهم ذاهبه في طريقها يتنفس الصعداء، وكان تيسير يداعبه كل حين
ـ ما هذا يا مارشال، أنت خائف؟
فكان يرد عليه بغيظ: لا أريد لأي شيء أن يخطفني من أحلامي" ص173، وهناك العديد من المواقف التي خففت منن وطأة الأحداث على القارئ، فقد كان السارد على علم ودراية بأحداث الرواية الدامة والقاسية.


القتل
فعل غير إنساني بالتأكيد، ومن قدم على فعله يتخلى عن إنسانيته، ولكن عندما لا يكون هناك قانون، أو من ينفذون القانون، ويكونوا هؤلاء أداة للأعداء، ما العمل؟، وكيف السبيل لتخليص المواطنين من هؤلاء العملاء المؤذين والمأجورين؟، أكيد لا بد من استخدم القتل، هناك مجموعة أفكار يقدمها السارد حول عملية القتل، وما يترتب عليها من أذى لمنفذ عملية القتل: "...الموت والإعدام، بكل بساطة وسهولة، قرار لم يحتج إلى صراع أو تردد من البديهيات أن الخائن يقتل، معادلة واضحة بعيدة عن الاجرام، ومع ذلك فهي معادلة رهيبة، على من يتبناها أن يدفع ثمنها ألما لا يطاق" ص241، هذا الطرح يعد من أهم الأفكار الإنسانية، فالقتل ليس بالأمر السهل، رغم أنه ـ أحيانا ـ يكون هو العلاج الوحيد في حالة وجود عدو يحتل الوطن، ويعمل بكل ما أوتيه من قوة لإفساد وتدمير المجتمع، فالحل هو إزالة هؤلاء الأدوات والتخلص من أذيتهم.
يصف لنا "إبراهيم" حالته قبيل تصفية "أبو رضا": "...نظر إلى السماء، أحس أنها غاضبة، شعر بأن ضميره يصفعه، وأحس أنه ينزف إنسانية شيئا فشيئا، ويفقد ماضيه تماما... هل يطلق هذا الرجل الخائن ليعود إلى بيته ويثبت لنفسه أن مهمته ليست القتل، ليحارب القانون الذي تبناه ليكن أحمد الإنسان الذي لا يسفح الدماء" ص246، مثل هذه المشاعر تؤكد على إنسانية المقاوم، فهو يشعر ويتعاطف حتى مع المجرمين، وهذه المشاعر ما كانت لتكون دون وجود الخير والضمير الحي داخل المقاوم، وإلا لنفذ عملية القتل دون أي أحساس بالمسؤولية الإنسانية تجاه المجرم "أبو رضا".
وفي هذا الحوار نجد الاجابة على العديد من الأسئلة التي يمكن أن توجه إلى من ينفذ عملية القتل:
"ـ عندما تقتلون الخائن، هل تشعرون بالسعاة؟
ـ أنا لا أشعر بالسعاة بل أشعر بالحزن، أولا على نفسي مع هذا الواجب القاسي الذي يجب أن أنفذه، وثانيا على أسرة الخائن الذين سيتجرعون الحزن عليه، ويحملون عاره في مجتمع قد لا يفرق بين الخائن وابنه" ص275. هؤلاء هم رجال المقاومة، ليسوا بقتلة، وليسوا بمجرمين، بل نجد مشاعرهم متقدة إنسانيا، ومترعو بالمشاعر والاحساس والعاطفة والنبل، لكن الواجب الوطني يجعلهم ينفذون القتل وهم مكرهون، أليست هذه ذروة الإنسانية؟.
الرواية من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، البيرة، فلسطين، الطبعة الأولى 2020



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في ديوان -على ضفاف الأيام -لنائلة أبو طاحون
- العشق المتقد في قصيدة فتاة البرتقال كميل أبو حنيش
- مظفر النواب -كهرمان، وثلاث امنيات-
- رواية الرحيل إلى كوكب إسجارديا شيراز عناب
- -منثور فلفل على توج وردة- (هايكو عربي) للشاعر محمد حلمي الري ...
- حكايات مقهى المغتربين سعادة أبو عراق
- مناقشة رواية خريف يطاول الشمس
- عبود الجابري والومضة
- جهاد عواملة -هي أنت-
- قصيدة -سِرُ الشِفاءِ من الحنين-- كميل أبو حنيش
- رواية -زمن الخراب- لمحمود شاهين 3
- محمد علوش ديوان هتافات حنجرة حالمة
- رواية زمن الخراب 2 لمحمود شاهين الملف الثاني
- رواية زمن الخراب لمحمود شاهين الملف الأول
- إبراهيم نوفل قصيدة مطر
- الأحواز أرض عربية سليبة إبراهيم خلف العبيدي
- مناقشة كتاب امرأتان في دار الفاروق
- قراءة في قصيدة مازن دويكات -سلام عليك.. على أرضنا-
- الومضة السوداء عند سمير التميمي
- رضوان قاسم -نأي على وجع الفراق-


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الواقعية الفلسطينية في رواية -العناب المر- أسامة المغربي