أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن حاتم المذكور - مجزرة القيم















المزيد.....

مجزرة القيم


حسن حاتم المذكور

الحوار المتمدن-العدد: 1564 - 2006 / 5 / 28 - 10:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من اجل ان نميز بين الأمم والمجتمعات من حيث درجة رقيها وتقدمها او انحطاطها وما هي عليه في واقع الحال’ علينا ان ننظر الى مقدار وطبيعة القيم التي تتميز بها .
فالقيم هي منظومة اخلاقية وفكرية ومعرفية وحضارية’ وتراكم عادات وتقاليد وسجايا تتطبع عليها المجتمعات وتعبر عن نفسها لا ارادياً عبر تصرفات وممارسات ومواقف الأفراد والأسرة والجماعة’ وتنظم العلاقات بين مكونات المجتمع الواحد بأتجاه مباديء السلم والتعايش والبناء المشترك’ او عكس ذلك ’ وعلى هذا الأساس تتشكل ايضاً طبيعة علاقة المجتمعات
( الأمم ) مع بعضها’ فأما ان تكون مبنية على السلم وحسن الجوار وتبادل المنافع وقبول الآخر’ واما ان تكون مصدراً لنزاعات غبية وسبباً للعدوان والتدمير المتبادل .
لناخذ مثلاً المجتمع العراقي ورصيده من القيم’ طبيعتها وتطوراتها ايجاباً او سلباً وحجم الأنتكاسة التي تعرضت لها في العقود الأربعة الآخيرة .
يذكر لنا الجيل الذي سبقنا كماً هائلاً من القيم النبيلة التي اكتسبها العراقيون على امتداد الآف السنين’ فالتحضر والتقاليد الحميدة وحالة الأنسجام والتعا يش واجواء المودة والتعاون بين الأعراق والطوائف والأثنيات واشتراك الجميع في بناء الصرح الحضاري والأنساني للشخصية العراقية رغم التشويهات التي فرضها الدخلاء في مراحل معينة’ ويوردوا لنا امثلة حية من الماضي القريب بهذا الخصوص ..
بعد ثورة 14 / تموز / 58 كان الكثير من الكوادر العلمية والفكرية والسياسية الذين تم تعيينهم ودعوتهم من قبل الثورة كوزراء ومسؤولين كبار تقديراً لتاريخهم الوطني والأنساني مثل الدكتور ابراهيم كبه د. فيصل السامر و د. محمد حسن سلمان وكثير غيرهم ’ وبعد قرارهم العودة والمشاركة في بناء الوطن’ كان بعضهم لا يملكون اجرة العود فأضطروا للأستعانة بالأصدقاء والمعارف ’ وهذا يدل على ان تلك الكوادر تحملت ضنك العيش وقسوة الحياة دون ان تطلب المساعدة من الدول التي تقيم فيها حتى لا تصبح صيداً سهلاً لشروطها’ وعندما خرجوا من السلطة كانوا لا يملكون سوى راتبهم التقاعدي المتواضع مع انهم كانوا وزراء ومسؤولين كبار’ وقبلهم رجالات العهد الملكي’ كانوا يخجلون من تهمة الرشوة او العمالة او ينكروها على الأقل’ وكانت مفردة ( الواشر ) تهمة يتندر بها العراقيون على افراد الشرطة انذاك’ والموظف في الدوائر الرسمية يعتبر الرشوة اهانة لشخصيته قد تؤدي به للثأر لكرامته وتكون مصدراً للعراك او رفع الدعوى ’ ويذكروا لنا حالات في الكرم ونكران الذات والتآخي والمحبة بين ابناء المجتمع العراقي بمختلف اطيافه ومكوناته .
مثالاً آخراً عاشه جيلنا , هي الكفاءة والنزاهة والأستقامة والخلق الوطني ونكران الذات وحب الشعب التي تميز بها قادة ثورة 14 / تموز / 58 الوطنية ’ حيث بعد اغتيال الثورة واستشهاد قادتها فوجيء المتأمرون عندما وجدوا ان ما تملكه تلك النخب الوطنية هو اقل مما كانوا يملكونه قبل استلامهم السلطة ’ مثال ذلك الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم وفاضل عباس المهداوي وماجد امين ووصفي طاهر وكذلك الكثير من قادة الحركة الوطنية ’ وتلك جمالية ظلت معلقة في ذاكرة الناس يعتدون بها ويقيسون على اساسها سلوك وممارسة الآخرين ’ وحتى الذين سقطوا في مستنقع التآمر على الثورة وخذلوا قيادتها الوطنية ’ ظلوا بعيدين عن الأصابة بأمراض الرشوة والأختلاس وسرقة اموال الدولة والمجتمع .
شاهدت بنفسي وبالتأكيد قد شاهد غيري بعضاً من السياسيين الوطنيين واصحاب المباديء الديموقراطية والمثل الثورية وبشكل خاص بعض قادة الحزب الشيوعي العراقي والشخصيات الوطنية المستقلة انذاك يتحملون الطرد من الوظيفة والحرمان والتشرد’ فمنهم من كان محامياً او مهندساً او استاذاً جامعياً او سياسياً لامعاً اذا ما وصل به الأمر ان يحدد موقفاً بين قناعاته الفكرية والسياسية او الأنتهازية والوصولية’ فيختاروا الطريق الأول والأصعب ويدفعون ثمن ذلك فينحدروا لممارسة الأعمال الشعبية كباعة متجولين على الأرصفة مع الشعور بالفخر’ وتلك مثالية في غاية الروعة’ انه تعبيراً عن الوعي الوطني وشرف افتداء الشعب .
بعد الأنقلاب الفاشي الأسود في 08 / شباط / 1963 وتسلط الأراذل الذين جلبهم القطار الأمريكي من مزابل العنصرية والشوفينية والطائفية لدول الجوار العروبي الأسلامي’ ابتداءت الصورة تتغير جذرياً ’ فأضافة الى المجزرة الجسدية والفكرية والسياسية’ اعتمد الدخلاء ووكلائهم المحليين نهج تدمير القيم المجيدة داخل المجتمع العراقي’ وقد ابتداءت تلك الهجمة الشرسة على القيم والأخلاق ومنظومة التقاليد والأعراف والسجايا الحميدة داخل المجتمع العراقي مع استلام الزمر الأكثر سقوطاً وتفاهة ووحشية وسفالة وسادية وخيانة في حزب البعث بقيادة المجرم الجبان صدام حسين وعائلته وافراد عصابته والبعض من عشيرته وطائفته ’ وعلى امتداد اكثر من ( 35 ) عاماً ’ وقد ساعد التدفق الهائل للثروات النفطية على تنفيذ برنامج الهجوم على الثقافة الوطنية والقيم الأجتماعية والأرث الأنساني الرائع للمجتمع العراقي’ وعبر التصفيات والأبادة الجماعية واثارة الحروب والفتن الداخلية والعدوان على دول الجوار والأفراط في الوحشية’ استطاع النظام البعثي ان يخلق حالة من الرعب والخوف والوفوضى كانت كفيلة بأن تلحق اضراراً جسيمة بقيم واخلاق المجتمع العراقي وتدمير العلاقات الأنسانية التي تربط بين مكوناته واطيافه’ اضافة لتلك العوامل نشط الأعلام المحلي والخارجي بعد رشوته في تكريس تقاليد ومظاهر الفساد والأختلاس والمحسوبية والمنسوبية وثقافة الفرهود على نطاق واسع .
في حالة من الوعيد والترغيب وتشجيع مظاهر الأنحطاط الأنتهازي الى جانب ضغط الأوضاع كالبطالة والحصارات اضطر قسماً كبيراً من شرائح المجتمع العراقي على ممارسة سلوكية متدنية في النفاق والتزلف والوصولية وخذلان المجتمع وانحسار الشعور بالمسؤولية والروادع الوطنية, وكان قمة الهجوم المدمر للجوانب الأيجابية المورثة هي عملية التبعيث الألزامي ودفع الناس اجبارياً للسقوط في المستنقع الآسن لحزب البعث والتلوث بفساد عقائده ورداءة اخلاقه وممارساته واساليبه المنحطة .
بعد التغيير الذي حصل في 09 / نيسان /2003 كان مفروضاً او مأمولاً على الأقل ان يتم وبسرعة لا تقبل التأحيل البداء بمعالجة العيوب القاتلة داخل المجتمع العراقي عبر اجتثاث ما تركه النظام البعثي الساقط من كوارث اجتماعية واعادة ما دمره على اصعدة القيم والأخلاق والمظاهر الآخرى للتحضر ’ يرافقها استرجاع الثروات العراقية المنهوبة وتحسين مصادر انتاجها بغية انعاش البنية التحتية للأقتصاد العراقي وعادة اعمار الوطن والأنسان في آن واحد’ وقبر آفات وبيئة الفقر والجهل والمرض ’ ورشة المساوء داخل المجتمع’ لكن ماحصل مع الأسف امر ما كان محسوسباً ومتوقعاً على الأطلاق ’ فأضافة على ابقاء كوادر الجريمة و العناصر الملوثة لحزب البعث منتشرة في مفاصل الدولة والمجتمع’ وسد الأبواب بوجه الكوادر الوطنية في الداخل والخارج’ حاول الأحتلال ان يفرض على المجتمع العراقي والعملية السياسية التي فصلها طبقة من السياسيين مهيئة ومنتقات عرقياً وطائفياً ثم وعلى سبيل الموازنة فتح الأبواب امام تدفق ارادات دول الجوار وما خلف الجوار فتشكلت حالة من الولاءات ( التبعية ) لمصادرواطماع خارجية تلوثت بها اعلب احزاب ونخب العملية السياسية واصابت منها مقتلاً في الأرتباط الوطني والألتزام امام الشعب .
ان نهج المحاصصات والتوافقات وانتشار ثقافة الفرهود قد خلقت وكرست اجواء موبؤة وحالات من الفساد اصبحت في الواقع امتداداً لما تركه النظام البعثي من تقاليد ذميمة في الرشوة والأختلاس وسرقة وتهريب الثروات الوطنية وانتشار المحسوبية والمنسوبية وتصدر عديمي الكفاءة والنزاهة من ابناء العائلة و الحزب والعشيرة والطائفة الى جانب تطويق الكوادر الكفؤة والنزيهة المخلصة والجادة في خدمة الوطن وابناءه خارج جدار العملية السياسية وكواليسها داخل المنطقة الخضراء’ حيث كل شي يتعلق بمصير الشعب وامنه واستقراره وازدهاره او الكوارث التي تنتظره محصوراً هناك في غاية السرية والتمويه ’ وترك الشعب اعزلاً لأبتزاز ومظالم المليشيات الملثمة لأحزاب العملية السياسية , ومستباحاً ومطارداً من قبل عصابات واجهزة النظالم البعثي الساقط وواجهاتها من تكفيريين ومفخخين ومفجرين وبهائم امتحارية’ ومن جديد يعاد التخطيط لزرع الفوضى والخوف والرعب بغية ارهاب الناس واذلالهم ثم استسلامهم لشروط الأمر الواقع .
ان مشكلة العراق الراهنة : هي كارثة تدهور القيم والأخلاق وسقوطها عند النخب السياسية وتعميم آفة الفساد التي ابتداءت تتدفق بأتجاهات واسعة بين مفاصل المجتمع والدولة .
ان نهج المحاصصات والتوافقات العرقية والطائفية والفئوية الضيقة هي المقتل الذي اصاب العملية السياسية ومنها بشكل خاص التجربة الديموقراطية ’ وان الطريقة التي تم بموجبها تشكيل مجلس الحكم الموقت وحكومتي اياد علاوي وابراهيم الجعفري وطريقة التصويت على الدستور ونفوذ الفورة الطائفية والعراقية وتأثيرها على العمليتين الأنتخابيتين هي السكين التي تم بواسطتها تقطيع الهوية الوطنية المشتركة وتمزيق اللحمة التاريخية للمجتمع وتفريخ التدهورات الراهنة للأوضاع.
ــ هل هناك بديل للحالة المآساوية الملتبسة والوضع المتردي ... ؟
ــ هل هناك قوى فاعلة حقاً داخل المجتمع العراقي قادرة على اعادة الحياة للقيم والأخلاق القتيلة ثم اعادتها الى نصابها ... ؟
ــ متى ابتداءت علة العل نشأتها .. مسيرتها .. كلفتها .. والكواليس التي تفرخ خلفها ازمات العراقيين ومحنهم ... ومن هم الشركاء في مجزرة قيم وثقافة شعب وادي الرافدين ... ؟
ــ من ... ومن ... ومن .. ؟
لا لن نغسل عاركم ايها المتهمون بقتل ارثنا الجميل ... ؟
27 / 05 / 2006



#حسن_حاتم_المذكور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكرد الفيليه : معاناة على الرفوف الخلفية
- كوابيس عراقية
- اسئلة عراقية تبحث عن جواب مفقود
- ثقافة الفرهود الى اين ؟
- سيدنا ونصيبنا الرئيس
- غربان المنطقة الخضراء : مجرد مقارنة
- بين ثقافتين
- خيطوا النخب ... ومزقوا الشعب
- لن نغرق في البحر والعراق حقيقتنا .
- دهاء الرئيس عندما يكون سذاجة .
- اهلينا الكرام : قولوها ولو لمرة واحدة
- حرب مجهولة الهوية
- الحزب الشيوعي العراقي : ميلاد واستشهاد
- زرعوا الثقة ويحصدون الريبة
- الرأي والرأي الآخر في غرفة البرلمان العراقي
- من اسواء من ... ؟
- الأزمة العراقية: اسباب ونتائج .
- حلبجة : شهيدة المدن العراقية
- بين بؤس الواقع وانتظار البديل
- انتي الحياة : متى سندرك حاجتنا اليك ... ؟


المزيد.....




- حميميم.. قوات روسيا تحيي عيد النصر
- الروس يحتفلون بعيد النصر في باريس
- بايدن: -لن نزود إسرائيل بالأسلحة إذا قررت مواصلة خطتها لاقتح ...
- بوادر توتر جديد بين إيطاليا ومنظمات إغاثية ألمانية
- انفجار إطار طائرة -بوينغ- أثناء هبوطها بتركيا (فيديو + صور) ...
- تقارير غربية تؤكد توجيه الجيش الروسي ضربات مدمرة لعتاد قوات ...
- الحوثي: ضوء أمريكي أخضر للإسرائيليين في رفح واستعراض ضد الشع ...
- غالانت يرد على تصريحات بايدن حول تعليق شحنات الأسلحة الأمري ...
- -مواجهة متوترة- بين ستورمي دانييلز وترمب في نيويورك
- البرجوازية والبساطة في مجموعة ديور لخريف وشتاء 2024-2025


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن حاتم المذكور - مجزرة القيم