أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟














المزيد.....

هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6425 - 2019 / 12 / 1 - 11:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial

أشار طفلٌ إلى طائر يجوب السماء، وقال لأبيه: “أريدُ أن أطيرَ كهذا يا أبي وأعتلي قمةَ الجبل." فسخر الأبُ من ابنه وقال بثقة العالِم: "الإنسانُ لا يطير يا أحمق!" فصمت الأحمق. جلست طفلةٌ على ضفّة البحر تراقبُ الأمواج، ثم ركضت إلى أمها: “أودُّ أن أغطس في عمق الماء.” فهزأت الأمُّ قائلة: “كفى غباءً فأنت لستِ سمكة.” فكفّت الغبيةُ عن غبائها ومضت تكنسُ الدار. قال الطفلان: “اشتقنا إلى حكايات الجدّة التي تسكن البلدة البعيدة. كيف نسمعُ صوتَها؟" فضحك الأب والأم من جهل الطفلين، وأخبراهما أن الإنسان ليس عِفريتًا ليسمع عن بُعد، وحين يكبران سيعرفان أن ما تمنياه مجرد نكتة سمجة. فسكت السمجان الجاهلان، وانتظرا أن يكبرا.
يكبرُ الأطفالُ ويموت الآباءُ وتبقى نظرياتهما الأسطورية خالدةً. أولئك الأطفالُ سيعلّمون أطفالهما أن الإنسان لا يطير، ولا يغطس، ولا يتحدث عن بُعد. ويمرُّ الزمانُ ونصلُّ إلى القرن 21 دون أن نعرف شيئًا اسمه طائرة، غواصة، هاتف، موجات صوتية وضوئية، ولا حاسوب كالذي أكتب عليه الآن، ولا مطبعة تنقل أفكاري إليكم. فالسلفُ لا يقول إلا صدقًا. وما تركوه من نظريات لا يجوز مسُّها، لأن الأقدمين مقدسون مُنزّهون لا يخطئون. وانتقاد قول الأموات خطيئةٌ ومروقٌ وكفر. ومن تمنطق قد تزندق.
في القرن الرابع قبل الميلاد، قال سقراط إن عدد أسنان المرأة أقلُّ من عدد أسنان الرجل. لم يقل ذاك كطبيب أسنان، بل كفيلسوف يرى أن فم المرأة "النونو" أصغر من فم الرجل، ولابد يحتوي على أسنان أقل. وحين جاء أول طبيب أسنان في التاريخ ليكشف خطأ تلك الفرضية، اِتُهم بالجنون والعته والكفر والشذوذ، لأنه يُكذّب رجلا من السلف، بالرغم من أن ذاك "السلفي"، سقراط، حُكم عليه بالموت بتهمة الزندقة والكفر وازدراء الآلهة في شريعة الإغريق! ياللعجب!
للموت هالةٌ تمنحُ الموتى قداسةً. ومن حُسن أخلاق الإنسان توقير الميّت ونسيان عيوبه. وفي الحديث الشريف: “اذكروا محاسنَ موتاكم، وكفّوا عن مساوئهم.” وهي خصلة طيبة، لأن الميتَ لم يعد موجودًا ليدافع عن نفسه؛ فأمّنتْ له الإنسانيةُ الرقاد في سلام، دون الاضطرار للذود عن نفسه في دنيا تركها إلى غير رجعة. لهذا ننسى أخطاء موتانا ولا نتذكر إلا مواقفهم الكريمة وذكرياتنا الحلوة معهم. إلى هذا الحد، يُعدُّ الأمرُ إنسانيًّا ومقبولا. لكن الأمر يتجاوزُ حدَّه، إن تحول الميتُ إلى قديس أو عالِم. و“لحوم العلماء، مسمومة” كما قال ابن عساكر! فتغدو كلماتُ الراحلين أقوالا مأثورة وفتاوى واجبة النفاذ، وطقوسهم اليومية سُننًا واجبة المحاكاة.
انتبه فرنسيس بيكون ابن القرن16، إلى عادة "تقديس الأولين"، دون القدرة على تحليل أقوالهم وغربلتها وتمييز الصالح منها والطالح، والعميق منها والعفوي، والعلمي منها والجهول. وأسمى تلك العادة "صنم المسرح"، ضمن الأصنام الأربعة التي تعزلنا عن الحقيقة. واستشهد بتجربة علمية أجراها العالِم "جالي ليو جاليلي” من أعلى برج بيزا أمام حشد من علماء الرياضيات والفيزياء، وحشود العامة من الشعب الإيطالي. أثبت جاليلي أننا لو ألقينا حجرين يزن أحدهما رطلا، والآخر عشرة أرطال، من أعلى البرج، فإن الحجرين يصلان الأرض في لحظة واحدة. وشاهد الناسُ ذلك بعيونِهم، لكنهم كذّبوا عيونَهم واتهموا جالي ليو بالجنون! لماذا؟ لأن "أرسطو" الذي مات قبل تلك اللحظة بعشرين قرنًا، قال إن الأثقل وزنًا، يصل أسرع! أرسطو "قال" ولم يثبت. وجاليلي "أثبت". لكن الناس صدقوا "الميت" الذي "قال"، ولم يصدقوا "الحيَّ" الذي أثبت! لماذا؟ إنها "هالة الموت" التي تجعل الأمواتَ قديسين وعلماء لا يخطئون. وتكرر الأمر حين أثبت جاليلي بالمعادلات أن الأرض تدور حول الشمس، فحكمت الكنيسةُ عليه بالموت لأن الكتب المقدسة تقول إن الأرض مركزُ الكون، وبالتالي تدور حولها الشمسُ. فاضطر جاليلي، إنقاذًا لحياته، إلى العدول عن قوله ومجاراة أقوال الكهّان.
أديرُ الآن رقم هاتف "جالي ليو" وأعاتبه قائلة: لو كنتُ مكانك لتمسّكتُ برأيي ولم أخف." فضحك وقال: "لم أخف يا عزيزتي. إنما رأيت أن أولئك الناس يليقُ بهم الجهل، فتركتهم حتى أنصفني التاريخ حين خرجت أوروبا من غفلتها التغيبية وأفاقت على نور العلم وإشراقة العقل.”
بعد الطفل الأحمق والطفلة الغبية في صدر المقال، جاء أطفالٌ آخرون، علّمهم أباؤهم أن الإنسان لا يطير ولا يغطس، لكن الأطفال الجدد لم يصدقوا آباءهم. فقد أنعم اللهُ عليهم بمَلكة عظيمة اسمُها: "التفكير". فاخترعوا لنا كل ما نستمتع به اليوم من منجزات العقل. لو صدقوا أن الإنسان لا يطير كطائر، ولا يغوص كسمكة، ولا يسمع عن بعد كعفريت، ما كانت الطائرة والغواصة والهاتف. و"الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أولئك كانوا صخرتي … في محنتي
- -وسام زايد- على صدر كل مصريّ
- نبالٌ في يد البرلمان … لقنص العقول!
- كُن متطرّفًا في إيمانك … وانبذِ التطرّف!
- أخطاؤنا الصغيرة .. هدايا وبركةٌ وفرح!
- الأيزيدية شيرين فخرو … العُقبى لداعش
- عيدُ الحبّ المصري … والڤالنتين الإيطالي
- 7 أرطال … من اللحم البشري!
- التذكرةُ قاتلةٌ … لأن القانونَ طيبٌ وأمّي
- سهير العطار … نجوى غراب … أكذوبةُ الخريف
- حتى لا تموتَ الشهامةُ في بلادنا!
- يراقصُ الزهراءَ فوق الثريا | إلى مازن ... فاطيما
- البابا تواضروس … والخاذلون أوطانَهم
- -بين بحرين”: بحر الظلام وبحر النور
- كيف عشتُ طقسَ -الحلول- مع فرجينيا؟
- سانت كاترين: متخافوش على مصر
- اللواء باقي زكي يوسف… كاسر أنف صهيون
- أيها الخائنُ … أيها النبيل!
- يوم من أيام مصر الجميلة... تحيا مصر يسقط كل عدو لمصر!
- مهرجان الجونة … الرقصُ داخل الأغلال


المزيد.....




- “ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا ...
- الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل ...
- “طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها ...
- غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة ...
- مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس ...
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا ...
- قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟