أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أيها الخائنُ … أيها النبيل!














المزيد.....

أيها الخائنُ … أيها النبيل!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6371 - 2019 / 10 / 6 - 11:01
المحور: الادب والفن
    


مصادفةٌ جميلة جلعتني أطالعُ خبرًا في جريدة الجارديان البريطانية باختيار أحد إصداراتي بالعربية ضمن قائمة (أهم 100 كتاب صدر في القرن الواحد والعشرين)، واحتلاله مركزًا متقدمًا بين تلك الكتب: (رقم 10). الكتاب هو ترجمتي للعربية، (بتكليف من (الهيئة المصرية العامة للكتاب) ، لرواية (نصف شمس صفراء)، للروائية النيجيرية الجميلة (تشيمامندا نجوزي آديتشي) التي صدرت بالإنجليزية عام 2004، وصدرت ترجمتي العربية عام 2009 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويصدر قريبًا في طبعة جديدة فاخرة عن “دار المدى”. والمصادفة هي تزامن ذلك الخبر المبهج مع يوم 30 سبتمبر الماضي، وهو: (اليوم العالمي للمترجم)، الذي اختاره "الاتحاد الدولي للمترجمين" للاحتفال بالمترجم ليتزامن مع عيد القديس چيروم، الذي ترجم الكتابَ المقدس من العبرية واليونانية إلى اللاتينية، بتكليف من البابا داماسوس أسقف روما في القرن الرابع الميلادي. وأمضى القديسُ چيروم سنينَ طوالا من عمره تحت أقبية كنيسة المهد وفي الأغوار، معتكفًا معزولا عن العالم؛ ليقدّم للبشرية ترجمةً منهجية دقيقة واضحة للكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد، مازالت تُعدُّ مرجعًا لاهوتيًّا أساسيًّا لدى مسيحيي العالم. وهذا ينقلنا إلى أهمية فعل الترجمة بوصفه جسرًا حتميًّا بين عقول البشر.
يقول المثلُ الإيطاليّ: “أيها المترجمُ.. أيها الخائنُ.” ويعودُ المثلُ إلى أزمنة الاحتلال حيث كان المواطنون يَصمون مَن يتعلّم لغة المحتلّ؛ بالخائن لوطنه. لكن نقّاد الأدب فتحوا قوسَ المثل السياسي على مداه الأدبي ليدلّل على أن ترجمة الأدب، تنطوي على شيء من خيانة النصّ الأصلي. فإبحار أيّ قطعة أدبية من لغة إلى أخرى، عبر سفينة الترجمة، لابد أن ينتقص من جماليات القطعة الأصلية. لأن سفَرَ الكلمة من ضفّة إلى ضفة أخرى، ولسان إلى لسان، وأجرومية نحوية وصرفية إلى أخرى، ومن أسرارٍ لغوية وتراكيبَ أدبيةٍ وتراثٍ شعبي إلى تراث مغاير، لابد يُهدر شيئًا الطاقة الإبداعية للنص. الترجمةُ الحَرفية (حذو الحافر)، تنتقصُ من جماليات النص؛ فيلجأ المترجمُ إلى شيء من "الخيانة" للنص الأصلي حتى يُعزّز العذوبةَ المنتقصة ويُعوّضها عما فقدت في رحلتها عبر الألسن. كذلك الابتعاد عن النص الأصلي يُعدُّ جريمةً أدبية عظمى لا يغفرها التاريخُ. تلك "محنة" المترجم. المترجم الحصيف المثقف، يعرف كيف "يُقلِّصُ" حجمَ الطاقة المُهدرة إلى الصفر، فتخرجُ القطعةُ الأدبيةُ الجديدة، كأنها إبداعٌ أصيل وابنٌ شرعيّ للغة المنقول إليها، وفي نفس الوقت غيرُ منبتِّ الصِّلة عن اللغة الأمّ المنقول عنها. تلك فرادة المترجم أن يكون "خائنًا أمينًا"، و"لصًّا شريفًا"، وذلك يتطلب أن يكون أديبًا حقيقيًّا قابضًا على زمام لغته الأم واللغة الأجنبية التي يُترجم عنها، أو إليها.
بالنسبة لي أؤمن بأن المترجمَ عليه كذلك، أن يُمارسَ لونًا من "الحلول الصوفي" في شخص الأديب الذي ينقلُ عنه أدبَه. بمعنى أن "يحلَّ المترجِمُ في شخصِ المُترجَم عنه": يدخل حياتَه ويلمسَ ظرفَه السياسي والاجتماعي والعاطفي ويعيشَ مشاكلَه؛ حتى يشعرَ بما شَعُرَ به لحظةَ كتابة النص.
وفي مقال قادم سأحكي لكم كيف مارستُ طقسَ "الحلول والتوحّد" مع البريطانية الجميلة فيرجينيا وولف، فعشتُ أوجاعَ مرضها العقلي، وتعاملتُ مع تأرجحات مزاجها الحاد، وخفق قلبي مع مخاوفها من هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، ودخلتُ معها غرفة الغاز في جراج بيتها، ونزلتُ معها في لجاج نهر الريف الإنجليزي، وبكيتُ حين غافلتني وغرقت عام 1941، لكي أتمكّن من تأليف كتاب عنها، وترجمة كتاب لها. وكان ويظلُّ ذلكما الكتابين من أجمل وأكثر ما أعتزُّ به من كتبي: (جيوبٌ مثقلة بالحجارة، 2004 - أثرٌ على الحائط، 2009)، الصادرين في طبعات عديدة عن المركز القومي للترجمة، ومكتبة الأسرة.
هكذا يوسَمُ المترجمُ دومًا بأنه الخائنُ، أو اللصّ. بل إن "اللصوصَ" فيما بينهم، أقصدُ المترجمين، يتهمُ بعضُهم بعضًا إما بعدم الأمانة ( نتيجة تجنّب النقل الحَرفيّ)، أو بالركاكة (نتيجة فرط الأمانة الحَرفيّة). لأن كلاًًّّ يحكم من خلال مفهومه الخاص عن الترجمة ومن خلال مدرسته الخاصة التي تبناها خلال رحلته بين الألسن. فالمترجمُ إذن هو ذاك المجرمُ الذي تطارده العدالة، ويطارده، أيضًا، المجرمون الآخرون. في مقالي الاثنين القادم أحدّثكم عن ترجمة الشعر. وهي حكايةٌ جميلةٌ تطولُ شجونها. كلُّ عام ومترجمو العالم بخير، في عيدنا العالمي. ودائمًا "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم من أيام مصر الجميلة... تحيا مصر يسقط كل عدو لمصر!
- مهرجان الجونة … الرقصُ داخل الأغلال
- أن نكون شوكةً في ظهر مصر!
- خالد جلال … يستعيدُ ذاكرةَ (نادية)
- صَهٍ … إن مصرَ تتكلّم!
- اعترافات أجدادي العِظام … السَّلفُ الصالح
- ماعت التي ما ماعت ... في صالوني
- جهادُ المصريين ضد الجهل والطائفية والإخوان
- كانوا وسيمين … كنّ جميلات!
- عنصريةُ اليد اليسرى!
- ابحث عن نسختك الأجمل
- الراهبُ … البون بون … الأخلاق
- فولتير على القومي… يحاربُ العنفَ بالبهجة والتفاؤلتي
- فولتير على القومي… يحاربُ العنفَ بالبهجة والتفاؤل
- بناءُ الإنسان في مصر
- المهرجان القومي لأبي العظماء السبعة
- مصرُ يليقُ بكِ الفرح … الوزيراتُ يليقُ بكنّ الأبيض
- الجرذان
- زمن جابر عصفور
- من ذكريات القناة … صمتَ الرئيسُ لتتكلَّمَ السفينة


المزيد.....




- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أيها الخائنُ … أيها النبيل!