|
زمن جابر عصفور
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 6322 - 2019 / 8 / 16 - 00:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
===========
ابتهج الشارعُ الثقافيّ بتكليل هامة الدكتور جابر عصفور بجائزة "النيل". لأن في هذا رباطًا أبديًا بين اسمٍ عظيم في حقل الفكر والأدب والنقد، وقيمةٍ مصرية وتاريخية عظيمة هي النهر الخالد، حابي، الأب الأبديّ للمصريين. جابر عصفور أستاذنا الذي علمنا لامحدودية التفكير وحرية التعبير دون الخضوع لطاغوت الدوجمائيين. وهو الفارس الذي ساند كل صاحب رأي، في مصر والعالم، طاردته سياط التكفيريين بقضايا الحسبة وتنويعاتها. ولسبب ما، يتحرّجُ القلمُ من الكتابة عن رجالات الدولة، والإشادة بما يصنعون من إيجابيات.وبرغم أن هذا غير موضوعي لأن الإشادة بالإيجابيات لا تقل نفعًا عن انتقاد السلبيات، لكن القلم يعزف عن الإشادة بالمناصب. بينما يجري القلمُ فوق صفحات الأوراق فرِحًا حال الكتابة عن الأساتذة المُعلّمين الذين حملوا مشاعلهم لتنوير دروبنا. ويحدث الصراعُ الدراماتيكي حين يصبحُ "الأستاذُ" أحدَ "رجالات الدولة". هنا، تُرفعُ الأقلامُ وتَجفُّ الصُّحفُ، وينذر القلمُ للرحمن صومًا، حتى يخلعَ الأستاذُ عباءةَ الدولة، ويدخل من جديد في عباءة المُعلم. حينئذ يعودُ للقلمِ مدادُه الحُرُّ، وينطلق غير آبه بعالم الحسابات والبرجماتيات. فقد عاد الأستاذُ إلى مقعد الأستاذية الذي لا يليق إلا به، وزال عن القلم الحرجُ والعزوف. لهذا أكتبُ اليومَ عن العصفور "الأستاذ" لا "الوزير"؛ الذي علّمني وعلّم أساتذتي؛ وتكلّلت هاماتُنا جميعًا بإكليل النيل، يوم تكلّل هو به. ولأنه عصفورٌ، فإنه يكره الظلام الذي يظلل مجتمعاتنا بكدر الرجعية ويعوّق عجلاتها على درب التقدم. ولأنه عصفورٌ، فهو يكره الأقنعةَ التي يتخفّى وراءها القنّاصون يطاردون الفلاسفة والمبدعين والعلماء؛ فنذر عمره، إلى جوار مشروعه النقدي والأدبي، لإسقاط أقنعتهم وكشف وجوههم حتى يرى العامةُ دمامتَهم فيكفّوا عن اتباعهم. ولأنه عصفور، فهو يكره القيود والأغلال؛ لهذا كسر السوار الذهبيَّ الذي زيّن معصمه بعد عشرة أيام، فقط، وعاد ليحلّقَ طليقًا في رحب السماء يُغنّي، ويعلّم صغارَ العصافير، كيف تُغنّي في حرية وهي تُحلِّقُ. وقت حمل حقيبة الثقافة الوزارية للمرة الأولى في نهاية يناير 2011، لم يكن المناخ صالحًا للعصافير الحرّة، لهذا طار بعيدًا، بعد أيام، تاركًا لهم الرغد والجاه؛ مكتفيًّا بسنبلة قمح نحيلة ينثر حبّاتِها على أولاد حارتنا المُتعبين. وبعد ثورتنا الشريفة التي أسقطت إخوان الظلام، انتظم الشدوُ الطيب، وطرد زعيقَ النشاز، فوافق العصفورُ أن يعود لمقعد المسؤول من جديد منتصف 2014، بشروطه الحرّة، لا بشروط القيد الذهبي، حاملا مشعل التنوير في مواجهة الإظلام. عصفورٌ حرٌّ يعشق النورَ، ويكره العتمةَ، شأنَ العصافير. يعشقُ الحريةَ ويحطم الأصفادَ، كما يليق بأنجب من حمل مشعل د. طه حسين. لهذا، فأنتِ يا مصرُ محظوظةٌ أبدًا بأبنائك فثمة "طه حسين" في كل جيل، فلا تحزني! في حفل افتتاح "المهرجان القومي للمسرح" في دورته السابعة ألقى وزيرُ الثقافةُ آنذاك د. جابر عصفور، كلمة ساحرة قال فيها: لن تُطفأ أنوار مسرح في أي بقعة من بقاع مصر لأن لا شيء سيدخر طاعون داعش، إلا المسرحُ الراقي، والأدب الراقي، والفكر الراقي، والتنوير الحقيقي. وتعهد بأن تنتشر الثقافةُ الجماهيرية المستنيرة في كل نجع وقرية وحارة وشارع من أرض مصر. وقال إن القادم أجملُ؛ لأننا شعبٌ عظيم يستحقُّ أن يعيش حياة كريمة، ولا حياةَ كريمةٌ دون فنون راقية، والمسرح أبو الفنون الراقية. ثم قال في الأخير: (اِحلموا، فإن الحُلمَ.... حياةٌ.) د. جابر عصفور، لن نتخلى عن الريشة التي سنرسم بها أحلامنا، وأثقُ أننا قادرون على تحقيق تلك الأحلام، مادام في مصر مستنيرون يحلمون مشعل طه حسين، وزكي نجيب محمود، ومحمد عبده، وجابر عصفور، وأضرابهم. حلمتَ وحلمنا، ونحلمُ أن تغدو مصرُ كما يليق باسمها العريق الذي كتبتْ به السطرَ الأول في كتاب التاريخ. أن تعود مصرُ كما كانت قبل نصف قرن، وكما تركها لنا أستاذُك وأستاذنا، العظيم طه حسين. هنيئًا لك عودتك لمقعد الأستاذ الذي يزهو بحمل العقول المنيرة النيّرة. وهنيئًا لك جائزة النيل الرفيعة، وهنيئًا لنا وقوفنا على بابِك من جديد، لنتعلّم، ونفخر بأننا في زمن جابر عصفور. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن." ***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من ذكريات القناة … صمتَ الرئيسُ لتتكلَّمَ السفينة
-
مَن هم الأقليّة في مصر؟ (2)
-
الفلاتر الثلاثة … والأخلاق
-
مَن هم الأقليّة في مصر؟ (1)
-
الإخوان السفاحون…. لم يرحموا المرضى
-
فيلم: الوباء الصامت … احذروا
-
نزار قباني … نهرٌ دافقٌ وشركٌ صعب
-
في مديح الضعف والضعفاء
-
صُهَيْبَة
-
صمتي صلاة
-
المنهزمون!
-
سمير الإسكندراني … يا غُصنَ نقا مكلّلاً بالذهب!
-
سيادة الرئيس … انقذْ لنا مجمعَ مسارح العتبة!
-
إمام مسجد … يدعو لنُصرة الأقباط
-
موعدنا 30 يونيو!
-
ماذا تنتظر؟
-
الوطنُ …. عند السلف الصالح
-
برقياتُ محبة للبابا تواضروس … من المسلمين
-
لماذا مصرُ استثنائيةٌ؟
-
مرسي ... جاوز الإخوان المدى
المزيد.....
-
عبارة -فلسطين حرة- على وجبات لركاب يهود على متن رحلة لشركة ط
...
-
رئيسة المسيحي الديمقراطي تريد نقل سفارة السويد من تل أبيب إل
...
-
هل دعا شيخ الأزهر لمسيرة إلى رفح لإغاثة غزة؟
-
-في المشمش-.. هكذا رد ساويرس على إمكانية -عودة الإخوان المسل
...
-
أي دور للبنوك الإسلامية بالمغرب في تمويل مشاريع مونديال 2030
...
-
قطر تدين بشدة اقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى
-
-العدل والإحسان- المغربية: لا يُردع العدو إلا بالقوة.. وغزة
...
-
وفاة معتقل فلسطيني من الضفة الغربية داخل سجن إسرائيلي
-
الخارجية الإيرانية تدين تدنيس المسجد الأقصى
-
شاهد/حاخام صهيوني يصدر فتوى بقتل أطفال غزة جوعًا: -لا رحمة ع
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|