|
وادي الدمُوع وقصر القُبل .
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6409 - 2019 / 11 / 15 - 17:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ينتشي بعض التونسيين هذه الأيام بخطب الرئيس الجديد الذي انتخبوه بوجه خاص لذلك السبب ، ولا شك أنها جميلة هي الخطب ، فهي مُحفزة ، مُحمسة ولكنها عندما تعجز عن أن تتجسد وقائعا فإنها تتحول الى كذب ، و بدا أنهم يبحثون عن مُخلص يُحقق لهم سعادتهم ،التي وجدوها حتى الآن في الخطب غير أنه من المُبكر اصدار حكم على المستقبل قبل امتحان الزمن . وعندما توافد شبان من أقاصي البلاد على قصر الرئاسة بأقدامهم الدامية، بعد مسيرة أيام على الاسفلت ، لم يكن بُد من حضور القُبل بينهم وبين الرئيس ،بدلا عن العمل . وكان لافتا التأكيد على وجوب تحولهم الى كائنات فاعلة مفكرة مسؤولة راشدة ، تتدفق حيوية وحماسا وفكرا ، واثقة بقدرتها على ركوب المصاعب والانتصار على الجبال الوعرة ، فمن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحُفر. كان شاعر الشعب أبو القاسم الشابي ثائرا شعرا ضد الاستبداد والظلم ، أما التونسيين فقد ثاروا عملا ، وعندما انتصروا نصف انتصار، وهم يرون رئيسهم الأسبق يغادر دون رجعة ،كان الشابي رفقتهم ، فمن سخر بأناتهم وشوه سحر وجودهم وبذر الأشواك في دروبهم رحل فاستجاب القدر . ومع انجلاء ليلهم وانكسار قيودهم تبخر أعداؤهم ولكن لبعض الوقت فقط ، قبل أن يُطلوا عليهم مُجددا من النوافذ أولا ، و من الأبواب ثانيا ، فقد نامت روح الشعب فانبعثت أشباحهم ، ولكن تلك الروح ظلت مستترة ، وهى لا تزال تحوم فوق الجبال وبين الوهاد وتحت الشجر. كانت غاية التونسيين على مدى عهود طويلة حريتهم ، فأيامهم مُثقلة بالأسى والضجر ، وقد جربوا الحكام الجدد فتجرعوا السم ، وذبلت انتفاضتهم وتساقطت أوراق شجرتهم وحل الشتاء وعم الضباب وانطفأ الأمل ، ولكن البذور استقرت في التربة وستزهر ولو بعد طول غياب. ومن هنا أهمية الإقلاع عن المبالغة في الحديث اليهم عن الاستثناء التونسي والشعب الذي علم شعوب الأرض ما لم تعلمه ، قبل تحويل الكلام الى أفعال ، فسقوط تلك الأحلام سيكون مأساويا وربما كان مفهوما ترويجها خطابيا خلال الحملات الانتخابية ، أما الآن فإن الوقائع وحدها من يحق لها الكلام .
وكان لافتا خلال ذلك انتشار الشتائم ضد الشبان الذين شدوا رحالهم الى الرئيس ، فقد ألصق بعضهم بهم رذائل العالم كافة ، فهم من المُتملقين الباحثين عن العطايا والهدايا ،عوضا عن توجههم الى الحقول لجنى الزيتون ، نافضين اليد منهم ، متناسين أنهم يكافحون على طريقتهم ، فالكفر بهؤلاء كفر بالشعب كافة . أما الرئيس فقد تكون مشكلته اعتقاده أنه يكفي تغليب القانون واعلاء رايته لكي يتحقق العدل ويرفرف بجناحية فوق هؤلاء جميعا ، ولكن المعضلة أن القانون لكي ينفذ يجب أن تكون القدرة رفيقة له ، وهذه لا يمتلكها الشعب الآن، لذلك يجري التلاعب به من طرف الأقوياء . والقول إن هؤلاء الشبان ذوي الأقدام الدامية المتورمة بيدهم الحلول ، يعني أن الحقوقي يتملص من السياسي، أي من المسؤولية العملية ، فتلك الكائنات المضطهدة المُعذبة ينبغي أن تتحرر أولا حتى تمتلك القدرة على صنع مصيرها بنفسها ، بمعنى أنها الآن في معركة التحرر لا في مرحلة الانتفاع بحرية لا وجود لها ، وأنه اذا كان السياسي متطابقا معها يكفي أن يمكنها من الثروات ، لكي تعمل وتنتج وتصنع عالمها . ومن هنا فإنه لا يكفي تقديم الوعود اليها ، كما لا تكفي الإشادة بعذاباتها ، ومشاركتها أحزانها وآهاتها وزفراتها . وقد يحتاج الحقوقي الى فلسفة الحقوق ليرى ما لا يمكنه رؤيته ، حتى يجد الحلول في العالم الواقعي، لا في العالم المتخيل فالاضطهاد يخيم تحت الدولة نفسها ، ومن العبث البحث عنه خارجها ، فهى سببه مثلما هي نتاج له ، وهؤلاء بمسيرهم لأيام ، وصولا الى القصر انما كانوا يحتجون على دولة ورثها الرئيس الجديد عن أسلافه ، ومن الغُبن تحويلهم من رعايا سياسيين الى رعايا قانونيين ، اذ سيكونون في الحالتين عبيدا ، دون حول ولا قوة.
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اتحاد الشغل والغول .
-
حكومة الرئيس وبرلمان الشعب.
-
لمن تُشحذ السيوف ؟
-
الانتخابات التونسية : هزائم وانتصارات .
-
ظاهرة قيس سعيد .
-
مُؤامرات تونسية .
-
السياسة والعدل.
-
تونس : فضيحة التزكيات .
-
فوضى انتخابية .
-
صديقي الفلسطيني وطريق جهنم .
-
تونس والرئيس القادم .
-
تونس : في عيدها الجمهورية تفقد رئيسها.
-
تونس : تصدعات حركة النهضة .
-
الديمقراطية التونسية.
-
عرس نقابي .
-
خميس أسود في تونس .
-
الاستقطاب والانتخاب.
-
وفاة مرسي في تونس .
-
مذبحة الديمقراطية .
-
الدين والمال .
المزيد.....
-
فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص
...
-
حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في
...
-
سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
-
مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف
...
-
والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح
...
-
بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج
...
-
صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
-
خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط
...
-
لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست
...
-
اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|