|
الاستقطاب والانتخاب.
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6278 - 2019 / 7 / 2 - 14:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقوم الاستِقْطَابُ السياسي في الديمقراطية الليبرالية على وجود قُطبين متضادين في شكل حزبين " كبيرين " ، وحتى إن لم يوجدا ينبغي خلقهما ، ومن هنا الحديث عن تجاذُبات سياسية ، إذ يقع الشعب بين فكي كماشة القطبين المتصارعين ، فيجري طحنه كما تطحن حبات القمح بين قطبى الرحى . وتبلغ تلك العملية أوجها عشية الانتخابات ، فيكون الشعب موضوع صراع بين القطبين، صراع عليه لا لأجله ، حيث يعمل كل منهما على جلبه الى صفه طلبا لمصلحة سياسية ، فالاستقطاب يقتضي القيام بأنشطة متنوعة ، تتجه كلها نحو تحقيق السيطرة السياسية لقطب ما ، من خلال فوزه بالسلطة . ولا يهتم الاستقطاب بمخاطر تقسيم الناس وبث الفرقة والتنازع والتباغض بينهم ، فالعملية الانتخابية تتطلب ذلك ، وترى فيه شرطا من شروط نجاحها . ويعتمد الاستقطاب كأسلوب في العمل السياسيّ لبلوغ غايات وتنفيذ مهمات، حيث تبذل جهود ، وتستنفر قوى ، وتبعث أجهزة ، جهاز يشرف على التخطيط وآخر على التنفيذ وثالث للتقييم ، وقد تجتمع تلك الوظائف في جهاز واحد ، فالاستقطاب يجري وفق خطة تستند الى دراسة الذهنية العامة واكتشاف بؤر التوتر داخلها ، والتركيز عليها ثم تفجير الصراع حولها وترقب النتيجة ، ومن ثمة إعادة التقييم والمرور الى الخطوة الموالية بحشد الجموع حول موضوع جديد للصراع . وهكذا يجري خلق قاعدة انتخابية صلبة ، كما لو أن الأمر يتعلق بصناعة جمهور في لعبة كرة القدم ، حيث لكل فريق أنصاره ، الذين يتبادلون اللكمات مع كل مباراة ، فتفقد السياسة قيمتها كتدبير حكيم لشؤون الشعب . وغاليا ما يجري الاستقطاب في بيئة تسودها قابليّة الشعب للاستقطاب ، إذ يكفي تحريك مخزونه الثقافي ، بما فيه من وعي ديني وأخلاقي وحتى أسطوري وسحري ، للحصول على النتائج المرجوة ، بتوجيه انتباهه نحو حدث ما ، عادة ما يجري اصطناعه ، ويكون متصلا بالصراع حول الهوية الدينية ، أو الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية الخ .. هذا من جانب ، ومن جانب آخر يسعى كل قطب الى خلق أساطير خاصــــة به ، وصناعة زعماء من بين الأموات والأحياء . وكثيرا ما يكون ضحايا الاستقطاب غير واعين بالضرر اللاحق بهم جراءه ، متحولين الى منفذين رغما عنهم لاستراتيجيات سياسية ، تتعامل معهم كحطب في محارقها ، وعندما تتحول تلك المحارق من السياسة الى الحرب ، يكونون لحم مدافع . والاستقطاب مؤسس على نزعة سياسية وايديولوجية تقوم على الاعتقاد أن الشعوب تسهل السيطرة عليها بتحريك عواطفها وغرائزها ، وإيهامها أنها فاعلة وحرة سياسيا ، وأن السلطة سلطتها ، والإرادة ارادتها . وفي تونس الواقفة على عتبة الانتخابات القادمة ، عادت حرب الهوية الى واجهة المشهد السياسي من بوابة ملاحقة المفطرين ، في إستثمار سياسي لشهر رمضان ، وحدث الانقسام كالعادة بين الداعين الى تجريم الإفطار ، وغلق محلاته ، وإنزال العقوبة بأصحابه ، ووصفهم بالمارقين والعصاة والكفرة والملحدين ، المعتدين على المقدسات من جهة ، وبين القائلين بحرية الإفطار من جهة ثانية، باعتباره مندرجا ضمن حرية الضمير التي أقرها الدستور ، ومن ثمة المطالبة بإلغاء منشور محمد المزالي لسنة 1981 القاضي بغلق المطاعم والمقاهي وتسليط عقوبات على المجاهرين بإفطارهم . وكنت حادثة رادس مليان التي اختلفت الروايات بشأنها ، بين قائل إنها غزوة سلفية ، وزاعم أنها معركة طرفاها صاحب مقهى ومنحرفين ، و ساد الهرج والمرج ، وبغض النظر عن الصدق والكذب فإن النتيجة المطلوبة حصلت ، وهي تقسيم التونسيين على قاعدة العقيدة وقد يكون الاستقطاب إياه هو صانع ما وقع .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة مرسي في تونس .
-
مذبحة الديمقراطية .
-
الدين والمال .
-
مأزق الجبهة الشعبية وآفاق اليسار .
-
- إسرائيل - والانتخابات التونسية.
-
استطلاعات الرأي بين العلم والسياسة .
-
الأزمة الليبية واستراتيجيا السلطة التونسية .
-
حول السودان والجزائر .
-
تونس والكارثة المنتظرة.
-
نفاق الفلاسفة !! برنار هنري ليفي بين مظاهرات السترات الصفراء
...
-
الجبهة الشعبية التونسية في مواجهة مصيرها .
-
تونس التي تستيقظ .
-
تونس : حزب الرئيس القادم .
-
السياسة ... خساسة !
-
صراع على صالح بن يوسف في تونس
-
الاضراب والحرب الأهلية والانقلاب.
-
ماذا حدث يوم 14 جانفي2011 في تونس ؟
-
عرب عارية
-
الانقلاب التونسي
-
تونس المتسولة !
المزيد.....
-
الأرض أم المريخ؟ شاهد سماء هذه المدينة الأمريكية وهي تتحول ل
...
-
وصف طلوع محمد بن سلمان -بشيء إلهي-.. تداول نبأ وفاة الأمير ا
...
-
استطلاع رأي: غالبية الإسرائيليين يفضلون صفقة رهائن على اجتيا
...
-
وصول إسرائيل في الوقت الحالي إلى أماكن اختباء الضيف والسنوار
...
-
شاهد: شوارع إندونيسيا تتحوّل إلى أنهار.. فيضانات وانهيارات أ
...
-
محتجون يفترشون الأرض لمنع حافلة تقل مهاجرين من العبور في لند
...
-
وفاة أحد أهم شعراء السعودية (صورة)
-
-من الأزمة إلى الازدهار-.. الكشف عن رؤية نتنياهو لغزة 2035
-
نواب ديمقراطيون يحضون بايدن على تشديد الضغط على إسرائيل بشأن
...
-
فولودين: يجب استدعاء بايدن وزيلينسكي للخدمة في الجيش الأوكرا
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|