|
الاضراب والحرب الأهلية والانقلاب.
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6122 - 2019 / 1 / 22 - 02:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاضراب العام في تونس حق دستوري منذ وقت طويل ، ولكنه يخضع الى تقييد ، إذ يجب أن يحترم جملة من التراتيب ، ومنها سلميته ، هذا نظريا، أما عمليا فإنه يخضع لموازين القوى بين الدولة والمنظمة الشغيلة . وعندما حصل لأول مرة سنة 1978 أغرقته حكومة الهادي نويرة في بركة دم واستعمل الحزب الدستوري الميليشيات ، التي لعبت دورا في قمعه ، الى جانب القضاء والشرطة والجيش. و يرتبط الاضراب بالصراع بين طبقات متناحرة ، فهو لحظة من لحظات ذلك الصراع وإذا كانت الحرب كما قال كلاوزفيتش استمرارا للسياسة ولكن بوسائل أخري فإن الاضراب استمرار للنقابي ولكن بوسائل أخري ، فبعد اخفاق التفاوض وانسداد سبله ، يتم اللجوء اليه لفرض تفاوض جديد ، وفق موازين قوى يكون قد أحدثها . ويستند الاضراب العام الى خلفية فكرية تقول إنه عندما تتوقف سواعد العمال عن العمل يتوقف الانتاج وإذا شملت تلك الحركة الشغيلة بأسرها فإنها تكون قد انتصرت ، متمتعة بثمار عملها كاملة ، بما ينهي استغلال الانسان للإنسان ويوفر الرخاء للجميع. وتعود أسباب أي اضراب عام الى تفاقم تناقضات اقتصادية اجتماعية و سياسية . وفي تونس ما بعد هروب بن على ازدادت مثل تلك التناقضات حدة ، وعصفت الأزمة بشتى مجالات الحياة ، ونتيجة ذلك انتشرت الاضرابات الجزئية في قطاعات كثيرة . و جاء الاضراب العام كتتويج لذلك حيث يتحول الاضراب من اضراب ضد سلطة محلية ، أو وزارة هنا ووزارة هناك ، الى اضراب شامل ضد السلطة بأكملها . ووقتها ينتقل الاضراب من النقابة الى السياسة ، فالنشاط النقابي لا يمكنه أن يظل بمعزل عن النشاط السياسي ، والاتحاد العام التونسي للشغل لا يخفي اليوم مطامحه السياسية ، بل إنه تحول خلال السنوات الأخيرة الى ما يشبه حزب المعارضة الرئيسي. ومن الممكن أن يقتحم المجال الانتخابي هذا العام ، فخلال الهزات السياسية والاجتماعية تبرز برامج القوى المتصارعة بوضوح أكبر ، ويضطر كل طرف الى الافصاح عن رغباته ومطالبه السياسية دون قناع. وهكذا فإن ما كان رذيلة وجريمة زمن بورقيبة وبن على ، أصبح حقا وفضيلة اليوم ، فالاتحاد يرى أنه معني بتحقيق الارتباط بين النضال الاجتماعي والنضال السياسي ، بل والدفاع عن سيادة تونس الوطنية فالإضراب ليس فقط من أجل " الزيادة " وإنما أيضا من أجل السيادة " ، مستندا في ذلك الى إرث حشاد الذي ربط بين النقابة والوطن. ويعتقد الاتحاد الآن أن المشكلة تتجاوز السلطة المحلية الى سلطات دولية ، منها سلطتي البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وإنه إنما يفاوض تلك البنوك من خلال مفاوضته الحكومة ، بل قال إن الوفد الحكومي المفاوض كان خلال الجلسات في اتصال دائم بها ، طلبا لمشورتها ، وأن ذلك لم يحدث سرا بل علنا ، بما يؤكد فقدان الوطن لسيادته .
ولا ينبغي الفصل بين نشاط الحركة النقابية ونشاط الحركة السياسية في تونس، فالاتحاد بيت تسكنه قوى سياسية كثيرة ،ومنها من يرى في الاضراب عتبة لولوج معركة أكبر ، تفتح فيها الأبواب على مصراعيها أمام الانتفاضة والثورة ، من أجل استبدال السلطة الحالية بسلطة جديدة . فإذا كان الإضراب العام لا يعوض الثورة فإنه يندرج ضمن الاعداد لها ، وما لم تحققه الانتفاضة السابقة يمكن أن تحققه انتفاضة جديدة ، بقيادة وبرنامج واضحين هذه المرة . وإذا كان من السهل الآن تحديد أسباب الاضراب استنادا الى المأزق الذي وصل اليه التفاوض فإن ادراك نتائجه صعب ، فهو يتوقف على الاحاطة باستراتيجيات القوتين المتضادتين ، فالإضراب العام معركة يزج فيها كل طرف بجانب كبير من قوته ، و يعد العدة للانتصار على عدوه ، أى إنه ليس هدفا في حد ذاته ، وإنما وسيلة لما بعده ، فهزيمة الاضراب العام أو نصره لا يتحددان بيومه وإنما بالأيام التي تليه ، وهناك ما قبل الاضراب العام وما بعده وهما مختلفان. غير أنه باستثناء ما عبر عنه رئيس الدولة من وجوب منع الاضراب العام بأي شكل من الأشكال ، يبدو أن السلطة لم تقدر ذلك الخطر ، يدفعها الى هذا من جهة ، شعورها أنها في مأمن طالما هناك رضا عنها من قبل القوى الدولية الكبرى ، التي تقف خلف البنوك المشار اليها ، ومن جهة ثانية ، احساسها أن الاضراب العام سيمر مثل سابقه ( 22 نوفمبر 2018 ) بهدوء و سلام ولن يكون له غد. وفي حال حدوث العكس ربما أعد بعض من يقف خلفها وتوجه اليه تهمة الاستعداد لمواجهة عنيفة مع الاتحاد ، خطة تقوم على "الاستفادة " من الاحتجاجات التي قد تنجر عن الاضراب العام بتحويلها الى حرب أهلية أو انقلاب صاخب للسيطرة على السلطة كاملة ، ففي تونس تتواجه استراتيجيتان استراتيجية الاضراب وإستراتيجية الحرب الأهلية والانقلاب ، والهدف الفوز في معركة سياسية تزداد شراسة مع مرور الأيام . ملاحظة : كتب المقال قبل يوم من الاضراب العام .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا حدث يوم 14 جانفي2011 في تونس ؟
-
عرب عارية
-
الانقلاب التونسي
-
تونس المتسولة !
-
الاحتجاج بالموت حرقا.
-
خطاب منتحر .
-
تونس : رئيس تحت التهديد.
-
راعية المواشي ،المجازة في الانكليزية ،مفجرة جسدها !
-
خاشقجي وثروة السعودية.
-
أسئلة خاشقجي وأجوبة أمريكا المعلقة .
-
عودة كارل ماركس .
-
مملكة الأغبياء .
-
مارسال خليفة وجوائز المستعمرين .
-
الشعبوية
-
تونس : لقاء الشاهد والطبوبي وخطة الإغتيال .
-
موريس أودان : الدم يفور في العروق .
-
الفلسفة والفلاحة
-
طفل لواء الاسكندرون .
-
الفيلسوف - فتح الله غولن .
-
حوار مع المفكر التونسي فريد العليبي.
المزيد.....
-
السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
-
على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال
...
-
-آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف
...
-
مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ
...
-
ما هي الآثار الجانبية للموز؟
-
عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
-
ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
-
باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ
...
-
محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
-
الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|