أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد العليبي - تونس المتسولة ! ‏














المزيد.....

تونس المتسولة ! ‏


فريد العليبي

الحوار المتمدن-العدد: 6098 - 2018 / 12 / 29 - 12:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


‏ روجت مؤسسة خيرية قطرية مؤخرا اعلانا بعنوان كبير : تحت الصفر ، متضمنا الدعوة الى التبرع ‏بمائة ‏ريال قطري لمنح تونس الدفء . وفي خلفيته صورة امرأة بثياب الفقراء ، وهى ‏تسير تحت الثلوج ‏المتساقطة ، بخطى متثاقلة ، ‏تمريرا لرسالة مفادها طلب تونس الصدقة . ‏
وهو ما أثار لدى أغلب التونسيين الاستهجان والغضب ، لانتهاكه كرامتهم فهو يرسخ صورة تونس ‏المتسولة ، التي تمد يدها للمحسنين ، وبدا أن ذلك العنوان لا يشير الى درجة الحرارة بقدر ما يشير الى ‏وضع تونس الاقتصادي الاجتماعي ، وربما السياسي والأخلاقي أيضا ، فهي تحت الصفر.‏
وفرضت موجة الغضب التونسية على وزير الخارجية الاتصال بنظيره القطري، الذي رد معتذرا ، ‏واصفا الاعلان بالخطأ ، بينما قامت المؤسسة الخيرية بسحبه على الفور .‏
‏ ويبدو أن صورة تونس الكرامة والعزة والثورة أضحت مزعجة ، مما تطلب محوها وطردها من الذاكرة ‏وتعويضها بأخرى زائفة ، فأصحاب الاعلان يبتغون تثبيت صورة في الأذهان عن تونس المتسولة ، ‏مدركين أن للصورة سلطتها ، ويكفي امتلاك المال لنشرها ، وهو ما ‏يفصح عن نية خبيثة بإحالة ‏التونسيين الى الندم ، إنها ‏تونس النادمة ، الباكية ، الشاكية ، المتهالكة ، التي قادها انتفاضها وتمردها الى ‏ذلك المصير البائس فاستحقت الصدقة ، ‏فمن وراء تلطيخ صورتها بالسواد معاقبة شعبها على ما قام به ‏، فقد انتفض طلبا للشغل والحرية لكنه تحول الى شحاذ على عتبات الجمعيات الخيرية !! ومن ثمة تحذير ‏غيره من مصير شبيه بمصيره . ‏
وبين تونس " البطاقة البريدية " زمن بن على ، حيث الخضرة والشمس والبحر والواحة والفنادق ‏السياحية الفخمة ‏والرمال الذهبية و " تونس المتسولة " زمن ورثته غير الشرعيين ، هناك تونس الواقعية ‏، حيث شعب ‏يقتلع خبزه من بين الصخور، مفتخرا بكرامته وعزة نفسه وعلمه وفنه ومعرفته . ‏
‏ وبالنظر الى موقعها في تاريخ الانتفاض العربي تمثل تونس مجالا مثاليا لتجار " الخير " الذين غالبا ‏ما ينسلخون من انسانيهم لتحصيل أرباحهم التي قد تكون موجهة في جزء منها لملء صندوق جبر ‏ضرر هنا ، وجيب حزب هناك ، فهى تسرق من طرف من يجمعون المال بإسمها ، ومن هنا فإن ذلك ‏الاعلان غير منفصل عن ايديولوجيا مضمرة، تتوسل قيما أخلاقية نبيلة ، مثل الخير والفضيلة ، لبلوغ ‏مآرب سياسية مشينة ‏. ومن وراء الخير يغرز الشر مخالبه .‏
‏ ويبدو أن الأمر يتجاوز تونس الى اعادة صياغة الوطن العربي برمته ، حيث هناك متسولون ‏ومتصدقون، مانحون وممنوحون ، مراكز وهوامش ، والمحدد في العلاقة بين هؤلاء وأولئك هو المال ولا ‏شئ سواه ، فمن يمتلك المال يمتلك الصور.‏
وفي عصرنا تلعب الصورة دورا بارزا في ‏تشكيل الذهنية العامة للبشر ، أفراد وجماعات ،غير أن ‏الصورة لا تؤدي ‏وظيفتها إلا في صلة بجسد يتقبلها ، وقد يكون ذلك الجسد شعب ‏بأكمله ، فينظر الى ‏الصورة التي يشكلها الآخرون عنه كما لو ‏كانت هى هو ، فمن خلالها ينتج تصوره لنفسه . وإذا كان ‏الدين هو تصور ‏الشعب عن نفسه كما قال هيجل ، فإن الاعلام الرائج اليوم يقدم تلك الصورة للشعب ‏‏فيستبطنها فتصبح هى إياه ، ولكن شعبا واع بذاته لا يقبل تلك الصورة وإنما يقلبها الى ضدها بحثا عن ‏حقيقته ، متحررا مما يريده أعداؤه أن يراه . ‏
والمهم هنا أن لا يتحول التونسيون الى عميان كما في رواية جوزيه ساراماغو العمى ‏، ‏وأن يروا صورتهم ‏في مرآة أنفسهم ‏لا في مرآة تجار الخير، الذين يصورونهم وهم يتهافتون على الصدقات هنا وهناك ، ‏‏وأن يدركوا ما يقبع وراء الخير فالصدقات والهبات والمساعدات تصنع أملا زائفا بقدر ما تقتل عملا ‏شريفا منتجا ، وقد تخفي بشاعة لم تر العين التونسية حتى الآن إلا البعض منها.‏

‏ .
‏ ‏



#فريد_العليبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتجاج بالموت حرقا.
- خطاب منتحر .
- تونس : رئيس تحت التهديد.
- راعية المواشي ،المجازة في الانكليزية ،مفجرة جسدها ‎!
- خاشقجي وثروة السعودية.
- ‏‎ ‎أسئلة خاشقجي وأجوبة أمريكا المعلقة .‏
- عودة كارل ماركس .
- مملكة الأغبياء .‏
- مارسال خليفة وجوائز المستعمرين .
- الشعبوية ‏
- تونس : لقاء الشاهد والطبوبي وخطة الإغتيال .
- موريس أودان : الدم يفور في العروق .
- الفلسفة والفلاحة
- طفل لواء الاسكندرون .
- الفيلسوف - فتح الله غولن‎ .‎
- حوار مع المفكر التونسي فريد العليبي.
- بائع الفلافل ( الساندويتش ) في ذكرى استشهاده
- تأملات
- حنا مينه :العالم يموج .‏
- سمير أمين في تونس.‏


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: أكثر من 10 آلاف حاج عالقون في السعودية ...
- مصدر عسكري إيراني: أكثر من 70% من الصواريخ أصابت أهدافها بدق ...
- مصر.. القبض على -المذيع الفرفوش- بسبب فيديوهاته المخلة
- الجيش الأردني: سقوط طائرة مسيرة وانفجارها بكامل حمولتها
- الحرس الثوري الإيراني يعين خلفا لرئيس استخباراته الذي اغتالت ...
- مدفيديف: الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية خطيرة وقد ت ...
- نوفاك: روسيا مستعدة لبدء إمدادات الغاز عبر المسار السليم من ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء لمنطقة صناعية في إيران (خر ...
- من هو -الغوريلا- الذي يؤثر على استراتيجية ترامب تجاه إيران و ...
- ابتكار درع صيني جديد فائق المقاومة للحرارة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد العليبي - تونس المتسولة ! ‏