|
عرب عارية
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6105 - 2019 / 1 / 5 - 18:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعرى ممثل سوري وسط دهشة جمهور متابع لعرض مسرحي بالعاصمة تونس ، مساء الاثنين 10 ديسمبر 2018 ، ضمن مهرجان أيام قرطاج المسرحية ، مبررا ذلك بحرصه على التعبير عن التراجيديا السورية ، ولفت الأنظار اليها . ودافع البعض عن تلك الممارسة باعتبارها ابداعا وحرية فكرية ، بل وجرأة . وقالت ممثلة تونسية إنها مستعدة للتعري بدورها للغرض نفسه ، بينما قال وزير الثقافة إن مخرج المسرحية وهو ألماني الجنسية اعتذر لتونس . واعتبر آخرون ما جرى ابتذالا وتفاهة وسخافة ، فالدمار السوري في غير حاجة الى التعري لإدراك هوله ، فيكفيه جثة الطفل ايلان الطافية على الماء ، والإرهابي آكل قلب الجندي وهو يقطر دما بعد سله من صدر صاحبه ، وخراب المدن ، وحطام الآثار ، وملايين المهجرين ، للدلالة عليه ، فالوقائع السورية أشد انباء من مسرحية ، لا يخفي ممثلوها وكاتبة نصها ولاءهم لمعارضة مورطة في صناعة ذلك الدمار. ومن ثمة استخلاص أن ذلك الصنيع لم تفرضه ضرورة فنية درامية ، بقدر ما فرضته غاية تجارية ، تتوسل الاثارة لتحصيل الربح ، الذى لا يتأتى فقط من جيوب المشاهدين ، وإنما أيضا من منح الداعمين الأوربيين والأمريكيين ، وهو نموذج لفن عصر الأزمات ، الذي تنحط خلاله السياسة والاقتصاد والاجتماع والفنون والأخلاق . لقد شهدت بلدان كثيرة حروبا فظيعة ذهب ضحيتها ملايين البشر، عبر عنها فنانون بأرقى الأنشطة الجمالية وأنبلها ، ومن يقرأ مسرحيات برترولد بريخت ،التي تسكنها الحرب مثلا ، لن يجد مظاهر الانحطاط تلك ، فالتمرد على واقع القتل والذبح والاغتصاب ، لا يكون بالتعري الاستعراضي على خشبات المسارح ، بل بتصوير فني ، فيه التحليل والتركيب والسخرية والإيحاء الخ ..وهو ما لا يقدر علىه إلا من تكون في مدرسة علم الجمال . يقول الممثل إن مشهد التعري أزعج من أسماه بـ "التيار المتأسلم" في تونس ، غير أن ما أقدم عليه فيه تمكين للظلامية ، ولا علاقة له بالتنوير ، فهو يثير من ردود الفعل التكفيرية أكثر من ايقاده شموع التفكير ، وإلا ما معنى أن تتحدث مسرحية عن خلاف بين أخ وأخيها حول الموقف من أب " ديكتاتوري " لينتهي الأمر الى اغتصاب الأخ لأخته ،وقتل الأخت لأخيها ، فأية رسالة تنويرية ينشرها مشهد التعري المسقط عنوة في هكذا حكاية ؟!! وإذا أردنا رسم لوحة الحالة العربية في عريها الحقيقي فإن المشهد العام ينطق بالفتن، التي يقتل الناس خلالها بعضهم البعض ،على الهوية الدينية والطائفية والمذهبية والقبلية ، و بالمذابح المتنقلة من حي الى حي ، وبالمدن التي تسقط أسقفها على رؤوس ساكنيها ، وبموجات الهجرة التي يموت خلالها شبان غرقا في البحار والمحيطات ، وباختصار آخرين الطريق الى الهاوية بالانتحار حرقا في غالب الحالات ، وبثروات تنهب في وضح النهار ، وفساد وجهل وإرهاب ، و أمراض وأوبئة ، وبعودة الاستعمار المباشر ، وغير ذلك كثير . ولكن تلك ليست إلا لوحة من بين لوحات أخري ، وعلى أي حال فإنها مهما بلغت قتامتها لا ينبغي أن تحجب عنها لوحة عرب يحرثون ويزرعون ويحصدون ، يقاومون وينتصرون ، يفكرون ويجتهدون يبنون ويعمرون ، يقولون ويفعلون . قال الممثل السوري في لقاءات صحفية إن الفن معني بالكشف عن ذلك ، فمهمته تعرية الواقع العربي ، ، ولكنه عوضا عن تعرية الواقع عرى جسده ، فاختفى ذلك الواقع ، وحل الجسد العاري محله . وعوضا عن مناقشة معضلات الواقع العربي ، أصبح موضوع النقاش تعرى أجساد الممثلين وعلاقته بالحرية ، بما لا يختلف كثيرا عن عرض هيفاء وهبي في ضاحية قمرت التونسية ، ليلة رأس السنة ، فالجسد المعروض سلعة والأجساد المتحلقة حوله لا تقل سلعنة . وثمن المتعة الزائفة مئات آلاف الدولارات التي حصلت عليها " فنانة الرغبات السجينة والآهات الدفينة " ، التى طارت بعدها الى بيروت حاملة تونس في قلبها كما قالت ، بينما الأصح أنها حملت في جيبها مالا أجهدت تونس الكادحة نفسها لكي تجمعه ، على أمل أن توفر به لأبنائها وبناتها ما يسد الرمق .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانقلاب التونسي
-
تونس المتسولة !
-
الاحتجاج بالموت حرقا.
-
خطاب منتحر .
-
تونس : رئيس تحت التهديد.
-
راعية المواشي ،المجازة في الانكليزية ،مفجرة جسدها !
-
خاشقجي وثروة السعودية.
-
أسئلة خاشقجي وأجوبة أمريكا المعلقة .
-
عودة كارل ماركس .
-
مملكة الأغبياء .
-
مارسال خليفة وجوائز المستعمرين .
-
الشعبوية
-
تونس : لقاء الشاهد والطبوبي وخطة الإغتيال .
-
موريس أودان : الدم يفور في العروق .
-
الفلسفة والفلاحة
-
طفل لواء الاسكندرون .
-
الفيلسوف - فتح الله غولن .
-
حوار مع المفكر التونسي فريد العليبي.
-
بائع الفلافل ( الساندويتش ) في ذكرى استشهاده
-
تأملات
المزيد.....
-
مصدر لـCNN: مدير CIA يعتزم زيارة إسرائيل مع استمرار مفاوضات
...
-
بيروت.. الطلاب ينددون بالحرب على غزة
-
أبو ظبي تحتضمن قمة AIM للاستثمار
-
رويترز: مدير المخابرات الأميركية سيتوجه لإسرائيل للقاء نتاني
...
-
البيت الأبيض: معبر كرم أبو سالم سيفتح يوم الأربعاء
-
البيت الأبيض يعلن أنه أوعز لدبلوماسييه في موسكو بعدم حضور حف
...
-
شاهد.. شي جين بينغ برفقة ماكرون يستمتع بالرقصات الفولكلورية
...
-
بوتين رئيسا لولاية جديدة.. محاذير للغرب نحو عالم جديد
-
الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لاقتحام دباباته لمعبر رفح
-
بالفيديو.. الجيش الكويتي يتخلص من قنبلة تزن 454 كلغ تعود لحق
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|