|
تونس والكارثة المنتظرة.
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6177 - 2019 / 3 / 19 - 12:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا تكاد تونس تستفيق من هول فاجعة حتى تفاجئها أخرى أشد فظاعة ، من الجهاز السّرّي ومدرسة الرقاب القرآنية ، الى موت الرضع ، وصولا الى مدرسة صفاقس . وشيئا فشيئا تتجمع الفواجع لتتحول الى كارثة شاملة ، يبدو أنها لم تعد في طور الإمكان وإنما هى في طريقها لكي تتحول الى أفعال. ولو كانت المشكلة في تلك الفواجع الجزئية لهانت ، ولكنها في الكارثة التي تلوح في الأفق في مجال الاقتصاد ،حيث ينهار كل شئ تقريبا ، وتسير تونس نحو الإفلاس بخطى سريعة كما لو أن ذلك قدر محتوم لا فكاك منه ، إذا ما ظلت دار لقمان على حالها . وفي خضم ذلك تنتشر سياسة قذرة ، ممهدة السبيل لحرب أشد قذارة . وبينما يتبادل الحكام الشتائم ، ويضعون المسؤولية على عاتق بعضهم البعض ، يتمدد الارهاب التكفيري ويصل جبال قفصة ، ملغما عرباط ، وهو في الطريق الى جبال الجنوب ، هذا إن لم يكن قد وصلها وبنى قواعده هناك ، فالإرهاب ينتشر مع مر الأيام ، محاولا التمركز في سلسلة الظهر المتوسط ، بما يشبه شق طريق سريعة ، تمتد من جبال الجزائر حتى ليبيا ، مرورا بالجبال التونسية. والى جانب الإرهاب يتفشى التهريب ، الذي نجح أباطرته في التكيف مع التحولات السياسية بعد هروب بن على ، موظفين "الديمقراطية الناشئة " لصالحهم ، فهؤلاء لا يهمهم تغيير شكل السلطة السياسي ، ولا من يحكم اليوم أو غدا ، بقدر اهتمامهم بالأرباح التي يضعونها في جيوبهم . وفي الأثناء يغرق جزء كبير من الإعلام في ترويج التفاهة والسخافة والبلادة ، لتضليل العقول والسيطرة عليها ، وينطوي الكثير من المثقفين على أنفسهم ، وتبدو تونس وكأنها تغرق ، وسط حيرة أهلها وهم يبحثون عن قشة لوضعها بين يديها ، أملا في إنقاذها . واليوم فإن الإحباط كما السخرية أيضا ، هما من بين الظواهر الأكثر انتشارا بين التونسيات والتونسيين ، حيث تعانق المأساة الملهاة ، وسط إحساس عارم بالعجز عن تغيير الأوضاع ، وكأنما يجد ون في ذلك تعويضا سيكولوجيا عن ذلك العجز، فقد باءت محاولة التغيير والإصلاح بالفشل ، وذهبت سياسات محاربة الفساد والحوكمة الرشيدة الخ .. أدراج الرياح وإنتصر الجور على العدل ، و القبح على الجمال ، والشر على الخير . وتقف تونس أمام منعطف حاد ، بما يتطلب إستراتيجيا لإنقاذها ، ويطرح السؤال عما إذا كان بالإمكان الحيلولة دون وقوع الكارثة المنتظرة . وإذا كان الحل سهلا نظريا ، إذ يكفي تغيير الاختيارات الاقتصادية السياسية بصورة جوهرية ، في اتجاه الاستجابة لمطالب الشعب في الشغل والتعليم والصحة الخ .. فإنه عمليا مستحيل في واقع الحال ، فالسلطة لا يمكنها الإقدام على ذلك لإرتباطها بسياسة وضعت كل بيضها في سلة البنوك الدولية التى لها خيارات أخرى . وكان لافتا ذلك التشخيص الذي عبر عنه أمين عام اتحاد الشغل ، عندما قال خلال حضوره فى واشنطن لقاء دوليا ، جمع ممثلي النقابات العالمية ، حول سياسات صندوق النقد الدولي وتأثيراتها على الشعوب : إن خضوع تونس لصندوق النقد الدولي، فرض عليها تجميد الانتدابات في قطاعات إستراتيجية كالتعليم والصحة ، منتقدا خيارات ذلك الصندوق بخصوص إعادة ترتيب التوازنات المالية ، التي تقضي بتقليص المصاريف ذات الصبغة الاجتماعية ، دون إهتمام بانعكاسات ذلك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ، بما يعمق الفقر والبؤس ويكرس اللامساواة . لقد واجهت تونس عبر تاريخها عواصف هوجاء ، ونجح شعبها في أحيان كثيرة في الانتصار عليها ، وليس أمامها غير مواجهة الكارثة المحدقة بسياسة جديدة ، تحشد قوتها كاملة ، وتحسن توجيهها نحو غاية واحدة ، ممثلة في إنقاذها ، ولن يكون ذلك ممكنا دون تحرير قواها الحية والزج بها في معركة إنتاج الثروة وإعادة إنتاجها . وغني عن البيان أن تلك السياسة الجديدة تتطلب قوى ترسم استراتيجيتها وتتدبر سبلها ، وتونس زاخرة بتلك القوى في السياسة والنقابة والثقافة وغيرها ، وما عليها إلا أن تستيقظ وتنهض لتتحمل مسؤوليتها كاملة ، دون نقصان.
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نفاق الفلاسفة !! برنار هنري ليفي بين مظاهرات السترات الصفراء
...
-
الجبهة الشعبية التونسية في مواجهة مصيرها .
-
تونس التي تستيقظ .
-
تونس : حزب الرئيس القادم .
-
السياسة ... خساسة !
-
صراع على صالح بن يوسف في تونس
-
الاضراب والحرب الأهلية والانقلاب.
-
ماذا حدث يوم 14 جانفي2011 في تونس ؟
-
عرب عارية
-
الانقلاب التونسي
-
تونس المتسولة !
-
الاحتجاج بالموت حرقا.
-
خطاب منتحر .
-
تونس : رئيس تحت التهديد.
-
راعية المواشي ،المجازة في الانكليزية ،مفجرة جسدها !
-
خاشقجي وثروة السعودية.
-
أسئلة خاشقجي وأجوبة أمريكا المعلقة .
-
عودة كارل ماركس .
-
مملكة الأغبياء .
-
مارسال خليفة وجوائز المستعمرين .
المزيد.....
-
مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
-
الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو
...
-
مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ
...
-
انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي
...
-
هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
-
وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي
...
-
عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با
...
-
وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع
...
-
تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
-
السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|