|
السياسة ... خساسة !
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6126 - 2019 / 1 / 26 - 14:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بــعد ثماني سنوات من تغيير شكل السلطة في تونس وأفول نجم بن على وتنامى الآمال والمطامح والتطلع الى مستقبل مضئ ، يخيم على تونس اليوم اليأس ويتهم التونسيون السياسيين بأنهم أفسدوا على الشعب حلمه ، وزرعوا الاحباط بين صفوفه ، وقتلوا الأمل داخله . ويعد ذلك إنعكاسا للغبن الذي يشعر به كثيرون تجاه سياسيين وعدوا فأخلفوا ، جلسوا على الكراسي ولم يبرحوها ، حتى أن رئيس الدولة تمنى لمن يجلس على كرسي أن يغادره وهو واقف على قدميه ، لا أن يزاح منه وهو حطام ، في إشارة خفيه الى رئيس حكومته ، الذي تمسك بمنصبه رغم العواصف التي تهب عليه من كل فج عميق . و يتندر التونسيون بحماقات سياسيين تحدثوا عن ضرورة بناء دار للشهداء حتى يلتقون فيها ، وجثث ميتة ، و أرشيف وزارة داخلية وجد على قارعة طريق فالتقطه أحدهم صدفة ، و البطالة كمشكله للبطالين ، و باعة "الطابونة " الذين تسببوا في أزمة الدقيق ، وتهريب الأبقار الذي أدى الى ارتفاع أسعار البيض ، وصولا الى شجار البرلمانيين ، و فضائح كثيرة أخرى لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد . وتروج نكتة سياسية تقول إن مواطنا كان على متن سيارته عائدا الى بيته ، وعندما اقترب من حاجز شرطة وجد أناسا متجمعين ، وسيارات وقد توقفت ، فسأل ما الخطب ؟ وعرف أن إرهابيين اختطفوا سياسيين ، مهددين بسكب البنزين على أجسادهم وحرقهم إذا لم يحصلوا على فدية مقدارها مئات آلاف الدنانير ، وأن الشرطة توقف السيارات وتطلب تبرعات لإنقاذهم ، وعندما يسأل المواطن : كم مقدار التبرع ؟ تأتيه الإجابة : لتر أو لترين من البنزين ، بما يعنى الرغبة في حرق السياسيين ، وإلتقاء رغبة المواطنين مع رغبة الإرهابيين . وغني عن البيان أن النكتة السياسية تحول السياسة والسياسيين الى مادة للفكاهة ، وتؤدي دورها كمقاومة للقهر ، وتفريج عن الغم والهم ، بأشكال ومضامين تتشابك فيها المتعة بالتحدي والغضب ، بما يكشف عن معاناة مريرة ، فقد أصبحت السياسة " خساسة " . كما تروج أقوال منسوبة إلى أدباء وفلاسفة وعلماء ورجال دين ، تفيد لعن السياسيين ، منها أن أن رجل السياسة لا يصدق أبدا ما يقوله ، وهو يفاجأ إذا ما صدقه أحد ، وأنه يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول ، وأن السياسة عبث بالأخلاق ، فهي سفاهة وحماقة وسفسطة خبيثة ، وأنه إذا طرحت سؤالاً على رجل السياسة فإنه يجيبك بطريقة تجعلك عاجزاً عن فهم سؤالك نفسه . هل يعبر هذا الكم الهائل من تحقير " السياسة " عن سياسة منظمة من قبل الحكام الحاليين لإخراج الشعب من السياسة وجعلها حكرا عليهم حتى يستتب لهم الأمر لفعل ما يريدون ؟ طالما هم منتخبين ولا يهم هنا عدد من انتخبهم ، فللصندوق شرعيته حتى لو كانت أغلب أصوات الشعب خارجه !! هل هي من فعل الحكام السابقين ، وما سمى بالدولة العميقة التي تحث الخطى لتظهر على السطح من جديد بالقول أنهم الأقدر على حكم التونسيين ؟ وبغض النظر عن السبب تروج اليوم اللامبالاة بالسياسة ، وتتفشى الاستقالة والعجز والإحباط ، و يترك الشأن العام لمن هب ودب ، ومنهم خبراء مزعومين ، وبيروقراطيين كسالى ، وتكنوقراطيين فاشلين ، وإعلاميين تافهين ، يصنعون مصير الشعب و يقولبون عقله ، مغتالين فيه حماسه وعزيمته وإرادته ، محولين إياه الى غريب في بيته ، حتى تضرب عليه الذلة والمسكنة أبد الآبدين. ووراء تلك الحجب تضيع السياسة كتدبير وذكاء ، وروية وتعقل ، و فطنة وكياسة ، فالسياسة إدراك للقوى والإمكانيات والوقائع ، وحسن تدبيرها . ومثلما هناك سياسيون جيدون هناك سياسيون سيئون . ومقياس الحكم على هؤلاء وأولئك هو مدى التزامهم بخدمة الوطن ، ونجاحهم في تحقيق ما يصبو اليه الشعب ، الذي ينبغي أن يفرز ساسته من بين أضلعه ، لا الإتيان بهم من خارجه . وهذا لن يحصل إلا بالاهتمام بالسياسة ورسم وجه تونس السياسي في كل حين . ومن المؤكد أن تلك المهمة ليست سهلة ، فهي تتطلب امتلاك القدرة النظرية والعملية على التفكير والفعل ، بما يمكن الشعب من كتابة تاريخه وصناعته .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع على صالح بن يوسف في تونس
-
الاضراب والحرب الأهلية والانقلاب.
-
ماذا حدث يوم 14 جانفي2011 في تونس ؟
-
عرب عارية
-
الانقلاب التونسي
-
تونس المتسولة !
-
الاحتجاج بالموت حرقا.
-
خطاب منتحر .
-
تونس : رئيس تحت التهديد.
-
راعية المواشي ،المجازة في الانكليزية ،مفجرة جسدها !
-
خاشقجي وثروة السعودية.
-
أسئلة خاشقجي وأجوبة أمريكا المعلقة .
-
عودة كارل ماركس .
-
مملكة الأغبياء .
-
مارسال خليفة وجوائز المستعمرين .
-
الشعبوية
-
تونس : لقاء الشاهد والطبوبي وخطة الإغتيال .
-
موريس أودان : الدم يفور في العروق .
-
الفلسفة والفلاحة
-
طفل لواء الاسكندرون .
المزيد.....
-
مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام
...
-
السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل
...
-
دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
-
كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
-
-شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
-
مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج
...
-
ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو
...
-
بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ
...
-
سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
-
الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|