|
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 5
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6392 - 2019 / 10 / 27 - 23:17
المحور:
الادب والفن
شملكان، هيَ من أخذت على عاتقها تعليم المرأة الغريبة لغتنا الكردية. كون الأولى من ماردين، كما نعلم، فإن لهجتها المهجّنة سُتساعدها كما يؤمل في مهمتها. من ناحيتها، وثّقت سلمى علاقتها أيضاً بامرأة زعيم الحي وذلك للاعتبار نفسه، المتعلق باللغة. سارة، سينطلق إذاً لسانها باللغة الأم مجدداً بعدما كُبتَ طويلاً. ذلك لأنها كانت قد ألِفَت التحدث بالكردية حتى مع شملكان، التي صارت بدَورها ترتاح لهذه اللغة أكثر من غيرها. خارج هذا الإطار، يُمكن القول أنّ الصديقة الحميمة لسلمى لم تكن سوى ليلو. في بادئ الأمر، كان على جانبٍ من الصعوبة تفاهمُ الأخيرة مع " العديلة " الغريبة. مع أنّ امرأة عليكي آغا الصغير كانت تلم قليلاً بالعربية، بفضل امرأة العم أوسمان. اعتادت سلمى أن تستقبل نساءَ آل زوجها في المنزل الكبير، وكان في بداية حلولها على جانبٍ من الرثاثة. ذلك الإهمال كان بحُكم العادة، وليسَ بسبب طبيعة أسرة رجلها. برغم أنّ هؤلاء ما زالوا متطبعين ببساطة الريف، الذي أتوا منه أصلاً. المنزل، كنا قد علمنا أنه على جانبٍ وافر من السعة، ينبثق من سطحه برجُ الحمام، المربع الشكل، ليعطيه منظرَ الكنيسة. في مستهل حلولها بالدار، دأبت سلمى على الاهتمام بذلك الجزء العلويّ وكانت ترتاح فيه أكثر من غيره. هنا أيضاً، أضفت على المكان لمساتٍ من يدها الدَرِبة، لتجعل من إحدى زواياه ما يُشبه المنظرة، يرتاحُ فيها أهل الدار خلال فترتيّ الصباح والعصر وبحَسَب فصول السنة. في بادئ الأمر، أدهشت سلمى رجلها حينَ طلبت منه أن يأتي بمعلّم وعمال كي يفرشوا السطحَ وممرات حديقته بالبلاط. لما أحتجّ بكون أرض الديار نفسها رملية، قالت بتصميم: " سنبدأ أولاً بالسطح ومن ثم أرض الديار والحجرات ". أذعن الرجلُ لطلب امرأته الحبيبة، وصارَ لها ما أرادت. فيما بعد، صعد إلى السطح على أثر انتهاء العمال من مهمتهم، وأبدى إعجابه بشكل الحديقة والمنظرة الجديدة. سلمى قالت عندئذ متباهية: " ها أنتَ ذا ترى، كيفَ بالوسع صرف المال على غير المأكل والملبس! ". لعل الرجل استعاد إذاك المنظرَ الفوضوي للسطح، أينَ كان حمّوكي قد جعله مكاناً لنومه في أوان حلوله ضيفاً على صديقه عليكي الصغير.
*** حمّوكي، كان قد أسسَ فردوسه الخاص في مكان إقامته، الكائن على أحد أطراف البستان غير بعيدٍ عن مكان عمل ابنيّ السيّد نيّو. الحجرة الكبيرة الوحيدة، كانت مأواه، فيها ينام غبّ عودته عند الفجر من نوبة تفقّد النواطير. كان قد عمد لفرش أرضية الحجرة بالرمل الأحمر، بينما الحيطان صبغها بالجير الأبيض. كما مد تحت الفراش سجادةً، سبقَ وحاكتها امرأة أوسمان، وذلك كي تحميه أثناء النوم في الطقس البارد. ولكن الجو اليومَ كان صيفياً، أفاق في خلاله الرجلُ عند الظهر وهوَ يتثاءب ويتمطّى. خرجَ بعد قليل إلى مقدم الحجرة، أين الحديقة المزروعة بأنواع الخضار، وكانت تحيطها جدرانٌ طينية ملتفّ على أسطحها نباتٌ شائك، كمنت جذوره خارج البيت. إزاء الباب الرئيس، وجدَ في سلّة معلّقة غداءَه اليوميّ، المعتادة امرأة عليكي الصغير على إرساله إليه تارةً مع ابنها البكر ومع أبيه تارة أخرى. بعد الغداء، وجد جسده عائماً في العَرَق بعدما اشتدت حرارة الظهيرة. قرر عند ذلك مغادرة البيت والطواف في أنحاء مملكته الخضراء. بينما كان سائراً مع الخط المتعرّج للساقية، المؤدي إلى الناحية الشرقية، تذكّرَ وعدَ أحد المزارعين الصوالحة؛ وهوَ أن يهبه قرصَ عسل من إحدى المناحل، التي نصبها هذا في عمق بستانه. قفل راجعاً، تداعبه فكرةٌ على علاقة بالمادة المستخلصة من رحيق أبهى الأزهار: " إلى متى، يا حمّوكي، تبقى أعزب وقد اقترب سنّك من الثلاثين؟ ". رائحة حرّيفة، هبّت على الأثر من شجرة تين وطردت آثارَ تلك الفكرة. ولكنه دأبَ يسمع صوتَ داخله إلى حين وصوله إلى المنزل المطلوب. نده أكثر من مرة على صاحب المنزل، دون أن يسمع جواباً. قدّرَ بغير قليلٍ من الحنق، أنّ الرجل قد يكون غارقاً بعدُ مع الحريم في القيلولة: " لعنة الله عليه وعلى عسله وعلى حريمه! ". بدا له عن قرب مشهدُ الغيضة المغري، الهاتف بألف صوت من تغريد الطيور، فما هي إلا خطوات وكان يقف بمقابلها. موقفه، كان مرتفعاً نوعاً ما عن الأرض، تتمايل عليه أغصان دزينة من شجر المشمش، العارية من الثمار في هذا الوقت من الصيف المتأخر. انحدرَ من ثمّ إلى أسفل، متوغلاً في الغياهب الفضية لأشجار الحور، سالكاً ممراً مرتجلاً. تساءل بعد دقيقة، ما لو كان قد أضحى في منتصف الغيضة. ثم ما لبث أن ابتسم لذكر خرافةٍ، متداولة بين الصغار، تزعم أن المكان هو امتدادٌ لغابات الهند: " يا لهم من جهلة، أولئك الأولاد؛ فالهند تقع في الشرق فيما أن هذه الغيضة تقوم إلى الغرب من جهة الحي! ". بينما كانَ مستمتعاً بأفكاره وبالرطوبة العذبة، تناهى إلى سمعه فجأةً صوتٌ نسائيّ، تبعته آهةٌ ممدودة. بخطوات حذرة، شبيهة بما لدى الصيّاد المتتبع لأثر الطريدة، سار إلى مصدر الصوت وقد تملّكه فضولٌ شديد. جمّد خطوه بعدئذٍ منظرٌ مثير، لرجل يتوسّط جسدَ امرأة شبه عارية، وكانت هيَ مَن تطلق الآهة بأثر الآهة. " يا إلهي، إنه ذلك الفتى البدويّ، المدعو حمّاد. لئن كانت المرأة من الحارة، فإنه مقتولٌ لا محالة! "، كذلك خاطبَ حمّوكي داخله فيما كان يشدّ يده على المديَة، المتوسّطة زناره العريض.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 4
-
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 3
-
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 2
-
ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 1
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 5
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 4
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 3
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 2
-
ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 1
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 5
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 4
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 3
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 2
-
ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 1
-
ليلى والذئاب: الفصل الرابع
-
ليلى والذئاب: تتمة الفصل الثالث
-
ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 3
-
ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 2
-
ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 1
-
ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 5
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|